الموت بالسارين أم بغيره، المجرم واحد
5 أبريل، 2017
نزار السهلي
تتكرر فصول المذبحة السورية، تنتقل من بقعة إلى أخرى. لن تكون مذابح داريا ودوما واللطامنة وجديدة الفضل وجامعة حلب وساحة الساعة في حمص وخان شيخون أمس، لن تكون الفصل الأخير في سجل سفاح السوريين، وغيرها من عشرات المجازر التي ارتكبتها قواته على مرأى ومسمع العالم أجمع، كل يوم يفجع السوريون بمقتلة جديدة، كيف لا والمجرم طليق محاط بكل هذا الدلال والتراخي والرضا الدولي عن جرائمه.
قبل ثلاثة أعوام ونصف، في فاجعة الغوطة الشرقية سقط ألف وخمسمئة شهيد، تبعتها فاجعة تسريب “سيزر” صور لأحد عشر ألف جثة، التقُط لها 55 ألف صورة، سبقتها آلاف الأفلام والوثائق والأدلة الدامغة التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان وملايين الشواهد على وحشية وفاشية يحاول المجتمع الدولي حمايتها بكل قوة.
ما المختلف في سلم الأخلاق الدولي، إن كان السوري يموت بفعل البراميل المتفجرة أو تحت التعذيب أو يموت بالغازات السامة؟ ألأنها محرمة دولياً؟!
لقد قُتل أكثر من نصف مليون إنسان، وهُجّرت الملايين، محلل للنظام أن يمضي بفاشيته ليصعد سلمها بكل ثقة، طالما أن دلالات القتل مختلفة، والهدف واحد، وهو إخضاع السوريين بكل الوسائل “الممكنة”، وتدمير معظم أرياف المدن والقرى الثائرة، مجازر وقصف عنيف؛ تقطيع أوصال البلاد، والمجتمع مع عملية تغيير ديمغرافي؛ تطبيق لشعار سورية أنظف وأنحف، تهجير ملايين السكان والاستعانة بمرتزقة من كل حدب وصوب، تأمين لوبي قومجي يقوم بحمايته والدفاع عنه بتسويق تسويغاته للجرائم المتسلسلة، كل ذلك يعطي السفاح مزيدًا من شهية القتل وارتكاب المذابح.
بعد أن اتضح تظاهر الحصانين: الدولي والإقليمي بالضعف في وضع حد لجرائم النظام، لا أحد يمكنه القول إن ما أنجزه الأسد هو من صنعه وحده، دون أن يلحظ بصمات موسكو وطهران، وبقية العصابات المؤازرة له، مع تقاطع الأهداف والطموحات المشتركة التي تجمع الأسد وبقية حلفه، تخطى الأسد العقوبات والضغوط التي مورست عليه بعد مذبحة الغوطة، ونجح في نبش جعبة “داعش” الإجرامية وتقديمها للتغطية على الجرائم، وليس مستبعدًا بعد مجزرة خان شيخون الإيعاز لها بإطلاق قذيفة “غازية”؛ لتستر عورة الطائرات المغيرة على إدلب لصوغ معادلة جديدة تسمح له بالاستمرار في محاولات إخضاع المجتمع السوري، خصوصًا أن الإشارات التي تصله عبر موفدين عرب وغربيين، توضح جميعها المعالم الجوهرية لخطوات النظام في المضي قدمًا في الفتك أكثر بالشعب السوري.
بين التشدد لمحاربة الإرهاب، والمرونة في حماية رأسه، وجد النظام السوري رأسه طليقًا لتنفيذ “ثوابته”؛ بسبب قناعة منه أن روسيا والولايات المتحدة بزعامة ترامب، لهما أولويات مشتركة، تتخطى طبيعة توصيف سلوك النظام، إلى جعله أحد المحاربين الميامين ضد الإرهاب، وهو ما عكسته الاستراتيجية الأميركية حيال جرائم النظام، ومن ثم الاستراتيجية الروسية لحمايته في المحافل الدولية بقوة؛ لصد الإدانات الدولية عن جرائمه، إن كان باستخدام الأسلحة المحرمة، أو إدانة جرائمه الواسعة على مستوى الجغرافيا السورية، من أقصاها إلى أقصاها.
إغراق مشهد الجرائم بمتاهة الجزئيات عن المسؤولية الأخلاقية والعملياتية تخطٍ للقضية الجوهرية. غاز السارين والكلور، أم جلادي النظام وجيش تعفيشه ، سلوك يفضي إلى موت مستمر للسوريين منذ ستة أعوام، تكفي جريمة واحدة من آلاف الجرائم في قوتها وتأثيرها أن تنزع عن النظام كل الادعاءات التافهة، وتكفي نفاق المجتمع الدولي أن يكف عن تدليله وإحاطته لسفاح دمشق بكل الرعاية التافهة، حتى يبدو مستعدًا وجاهزًا للرحيل عن جسد السوريين وذاكرتهم، غير ذلك سيتكرر الموت وفظاعته كما كل يوم. سقوط لعشرات الضحايا، ومسالخ الأسد تجهز براميلها المتفجرة ودباباتها وسواطيرها؛ لتنقض على الأجساد، صورة الأجساد الممددة في أقبية التعذيب، وصور الأجساد الممددة في خان شيخون، وقبلها في داريا والغوطة أو تحت أنقاض المنازل أو غيرها، تشير كلها لرأس السفاح جاثمًا على صدر قاسيون. لننتهي من صخب وضجيج المسؤولية، فالضحايا لم يعد يعنيها إلا وضع الرأس الطليق داخل حبل العدالة.
[sociallocker] [/sociallocker]