‘ماذا يحارب التحالف الدولي في سوريا: “داعش” أم البنى التحتية؟’

5 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017

 

حتى يتمكّن التحالف الدولي من تحرير منطقة من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فهذا يعني أن المنطقة ستدمّر كلياً وسيهُجّر أهلها ولن يبقى منها إلّا الرماد!

هذا المشهد الذي يبدو درامياً لكنه أقرب للواقع يُرجعه خبراء عسكريون إلى وجود التنظيم في مناطق مأهولة بالسكّان، لكن وعلى الضفة المقابلة، فإن هناك من يفنّد نهج التحالف في هجماته على مناطق استراتيجية وحيوية في ريف الرقة ودير الزور، ليجد أن الطيران تعمّد قصف مناطق بعينها، بهدف إحداث دمارٍ لمنشآت غاية في الأهمية.

واليوم وبعد سنوات على بدء عمليات التحالف الدولي ضد “داعش” في سوريا، ينجلي المشهد عن دمار كبير طال البنى التحتية، من جسور إلى محطات توليد كهرباء، انتهاءً بالمرافق الحيوية والنقاط الطبية.

 

توثيق

بحجة استخدامها من قبل تنظيم داعش، قطّعت طائرات التحالف الدولي أوصال مدينتي الرقة ودير الزور، عبر تدمير جميع الجسور التي تصل بين أجزاء هذه المدن على نهر الفرات، وبذلك لم يعد بإمكان المدنيين التنقّل وباتت وسيلة النقل الوحيدة بين ضفتي النهر هي الزوارق.

في هذا التقرير توثّق “صدى الشام” بالتفصيل عملية تدمير التحالف الدولي ثمانية جسور في دير الزور، وعشرِ جسورٍ في الرقة، وجسر “مركدة” في محافظة الحسكة ليصل مجمل عدد الجسور التي تم تدميرها إلى 19 جسرًا وذلك خلال فترة الأشهر الأخيرة.

ففي الثالث من شهر شباط الجاري، دمّرت طائرات التحالف الدولي كلّأً من “الجسر القديم، جسر قرية العبّارة ، جسر قرية الكالطة  في ريف الرقّة الشمالي”، وذلك بعد غاراتٍ جوية، وكانت الحجة في ذلك استخدامها كطرق استراتيجية من قبل تنظيم الدولة، في حين تسبّب تدمير الجسر القديم بانقطاع المياه بالكامل عن مدينة الرقة، جراء تفجير خط المياه الرئيس الذي يمر على الجسر.

بعد فترة تعرّضت جسور “المخلّف، القادسية، والبوعاصي” غربي مدينة الطبقة، لقصفٍ عنيف من قبل طائرات التحالف الدولي، في إطار محاولة ميليشيا “قوات سوريا الديموقراطية” السيطرة عليها، وكان سبق ذلك تدمير “جسر صوامع السلحبية، جسر اليمامة، الجسر الحربي، وجسر سحل الخشب”.

ومن الرقّة إلى دير الزور، التي كانت سباقة بتعرض جسورها للتدمير، حيث دمّرت طائرات التحالف الدولي بتاريخ 29 أيلول من عام 2016 جسر العشارة، وتبعها بعد أشهر تدمير جسر السياسية بغارات شنّتها طائرات التحالف مستخدمةً قنابل شديدة الانفجار، ويعتبر العشارة من أكبر جسور المدينة ويربط شمال مدينة دير الزور بمنطقة الجزيرة.

وبعد تدمير هذا الجسر ارتفع عدد الجسور التي دمّرتها طائرات التحالف في دير الزور وحدها إلى ثمانية، وهي ” السياسية، العشارة، شيحان قرب بلدة الصالحين في ريف البوكمال، وجسر الطريق الممتد بين محافظتي الرقة ودير الزور، وجسر الميادين، والبصيرة، وجسر النوام”.

أما في محافظة الحسكة، فقد دمّرت طائرات التحالف الدولي جسراً واحداً وهو جسر “مركدة” في ريف الحسكة الجنوبي في سياق محاربة التنظيم، ويقع الجسر على نهر الخابور ويصل ريف الحسكة الجنوبي بريف دير الزور الغربي.

 

 

إبادة من نوع آخر

على غرار “إبادة” الجسور دمّر التحالف أيضاً بُنى تحتية استراتيجية، وتأتي على رأسها محطتا كهرباء في منطقة الرضوانية ومحطات ضخ المياه في منطقة الخفسة شرقي حلب.

إضافةً إلى ذلك فقد حصلت “صدى الشام” على معلومات من نشطاء ومواطنين تُفيد بأن التحالف الدولي لم يكتفِ بقصف تلك المنشآت المختلفة بل استهدف الزوارق التي استخدمها المدنيون في العبور بين ضفتي النهر بعد تدمير الجسور، الأمر الذي أدّى لمقتل عدد من الأشخاص ممن كانوا على متن تلك الزوارق بتاريخ 23 آذار.

كما دمّر التحالف أيضاً شركة الكهرباء الرئيسة في مدينة الميادين شرقي دير الزور، ما تسبب بتدمير الشركة بشكل شبه كامل وأدى لخروجها عن الخدمة.

 

التدمير مُتعمَّد

لكن هل يحتاج القضاء على تنظيم “داعش” كل هذا الدمار؟ هذا السؤال أجاب عليه المحلل العسكري العقيد حاتم الراوي، وقال لـ صدى الشام: “بالتأكيد الحرب على داعش لا تتطلّب هذه التكلفة العالية من الدمار”، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية بعد أن انفردت بالعالم تحوّلت إلى مستثمر يهدم ويستثمر ثم يبني.

وبتحليل علمي عسكري بحت أجراه الراوي، فإن هناك الكثير من المنشآت التي دمّرها التحالف لا علاقة لها بأية حالة عسكرية، موضحاً: “أن تدمير الجسور على ضفاف الفرات كان من السهل تفاديه بطائرات مُسيّرة ترصد الجسور وتمنع أي حركة مشبوهة عليها دون أن تؤدّي إلى تدميرها”، وأكّد أن التحالف لديه القدرة العسكرية الكافية على استهداف عناصر التنظيم ومنعهم من استخدام الجسور دون أن يدمّرها.

وبيّن الراوي أن القنابل والأسلحة المتطوّرة التي استخدمها التحالف أدّت إلى تدمير البُنى بحيث تصبح غير قابلة للترميم إطلاقاً، وتابع: “ما نقوم بتحليله ومتابعة تفاصيله بدقّة أن التحالف الدولي لديه إمكانات عسكرية متطوّرة على استهداف شخص واحد من أصل شخصين دون أن تصيب الآخر بأذى وذلك عبر طائرات رصد متطوّرة، لذلك لم يكن هناك داعٍ لتدمير أية بنية تحتية بحجّة أن عناصر من تنظيم داعش موجودون داخلها، ولدينا الكثير من الوثائق تثبت صحّة ادعائنا”، ولفت إلى أن تدمير البنى التحتية ليس عشوائياً إطلاقاً وإنما يتم اختيار الأهداف الحيوية وقصفها بشكلٍ متعمد من قبل التحالف الدولي.

واعتبر الراوي أن التحالف وداعش وميليشيا قسد التي تشارك بوضع الإحداثيات ساهمت بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في تدمير الأماكن الحيوية التي توفّر الخدمات للمواطن السوري.

وفي معرض حديثه عن العمليات التي تندرج في إطار ما يسمى بمحاربة تنظيم داعش في سوريا كشف الراوي أن التحالف تعمّد تدمير غرفة التحكّم الموجودة داخل سد الفرات، وأضاف: “نحن كعسكريين لم نكن نحيط بالصورة تماماً، أو ماذا يعني تدمير غرفة التحكّم، لكن من خلال تحليلات ووثائق مع خبراء شاركوا بتشييد السد، فقد تبيّن أن تعطيل غرفة التحكّم يعني إغراق كامل المعدّات الموجودة بالسد، وأن كلفة إعادة تأهيلها يُعادل كلفة تشييد السد من جديد”، شارحاً أنه بمجرد تدمير غرفة التحكّم، فإنهم قتلوا كل الفرص للسيطرة على كل السد، وأغرقوا المعدات ولم يعد هناك إمكانية للوصول إليها إلا بمختصين وغواصات لأنَّ جميع المعدات تحت سطح الماء بعمق 50 متراً وعندما تريد الوصول إليها تحتاج إمكانيات تصل إلى كلفة بناء سد جديد، وذلك وفقاً لما كشفه الراوي.

واعتبر الراوي أن “ما جرى في سوريا من دخول فصائل دخيلة سواء من جانب النظام كالميليشيات الإيرانية، أو من جانب المعارضة كتنظيم داعش وما شابهه جعل البلد في حال فقدان السيطرة بشكلٍ كامل”، حسب تعبيره.

 

المحلل العسكري العقيد حاتم الراوي: تعطيل غرفة التحكّم الموجودة داخل سد الفرات يعني إغراق كامل المعدّات الموجودة بالسد، وإن كلفة إعادة تأهيلها يُعادل كلفة تشييد السد من جديد.

 

لا سبيل للقصاص

 

بعد كل هذا الدمار للبنى التحتية في سوريا، يدور السؤال عن إمكانية تقديم الملف للمحاكم الدولية، يقول الناشط القانوني سامر طلاس لـ “صدى الشام”: “هناك إطارٌ حقوقيٌ وقانونيٌ لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم لكن ثمّة صعوبة بالغة في التنفيذ”.

ويضيف طلاس: “في حالة الأطراف المتنازعة كما يجري في سوريا، فإنه عند استهداف أي هدف مدني يجب النظر إلى حجم الضرر الناجم عن ذلك ليكون معقولاً وفقاً لمبدأ النسبة والتناسب، لكن في حالة قصف التحالف الدولي للمنشآت الفعالة السورية فإنه لا يوجد أية نسبة أو تناسب، ولا يوجد أي مبرر لقصف كل هذه الأهداف بحجة القضاء على التنظيم”.

وأضاف طلاس، أن التحالف الدولي دمّر خلال الفترة الماضية عدداً كبيراً من الشاحنات التي تحمل مواداً غذائية في ريف إدلب علماً أن داعش ليس له أي وجود في تلك المناطق، لكن الذريعة كانت أن هذه السلع كانت موجّهة لمناطق التنظيم، لافتاً إلى أنه بربطها مع تدمير الجسور وتقطيع أوصال المدن فإن التحالف يقوم بمهمة التجويع والحصار التي يقوم بها نظام الأسد في مناطق أخرى من البلاد.

وبيّن أنه لا توجد أية مؤسسة قانونية قادرة على محاكمة التحالف الدولي حالياً لأن الملف أصبح مسيّراً بشكلٍ دولي، لافتاً إلى أن جميع الحملات مثل “الرقة تباد، الرقة تذبح بصمت” حاولت تسليط الضوء على المعاناة لكنه لم تتمكّن من إيقاف الانتهاكات بحق المدنيين والمنشآت هناك.

وأوضح أنه لا أحد يستطيع اليوم التحقيق بهذا الموضوع لأن الجهة الوحيدة المخوّلة بالتحقيق بهذه الانتهاكات هي “لجنة التحقيق الدولية” لكنها لا تحقّق في هذا الجانب لأن عملها مقتصر على انتهاكات نظام الأسد والميليشيات الموالية له، لكنه أشار إلى أن “اللجنة الدولية لحقوق الإنسان” الخاصة بسوريا والتي تم تشكيلها عام 2011 من الممكن أن تحقّق تقدّمهاً بموضوع تدمير التحالف للبُنى التحتية السورية، إلّا أن تسييس الموضوع بحجّة محاربة التنظيم حال دون ذلك، وعليه فقد قامت اللجنة بالتطرق بشكل طفيف لانتهاكات التحالف في سوريا.

وتابع أنه من الممكن حالياً إعداد تقارير حقوقية وتوثيقية لوصف الحالة والحياة في الرقة من جانب حقوقي وتسليط الضوء على انتهاكات طائرات التحالف، لكن في هذا الوقت من الصعب رفع الملف للمحاكم الدولية.

وأكّد طلاس أن الجهة التي تقوم بإعطاء التحالف إحداثيات لأهداف مدنية أو حيوية هي شريكة بالجريمة بالمعنى القانوني التام للكلمة، داعياً “مجلس حقوق الإنسان” إلى حماية المدنيين والمناطق والبُنى الاستراتيجية في الداخل السوري.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]