جرائم حرب تتواصل تحت مظلة البحث عن سلام مقتول
6 أبريل، 2017
علاء كيلاني
أوجدت المفاوضات التي أعدّتها روسيا وتركيا عام 2016، وتمخضت عن اتفاق هدنة، وقعه نظام الأسد والمعارضة المسلحة، بارقة أمل، كان من المفترض أن تترعرع وتعيش في ظل تهدئة، تلتزم بها “القوات الحكومية” وتعززها بإطلاق سراح ما لديها من معتقلين، بادرةَ حسن نية، يثبت فيها -بالحصيلة- كل طرف رغبته في وقف تدفق شلالات الدم، والحؤول دون هدم ما تبقى من العمران والمدنية. إلا أن القانون الدولي الإنساني. كما في الأعوام السابقة، بقي عرضة للانتهاك. عندما واصلت قوات الأسد هجماتها العشوائية بمشاركة ميليشيات تابعة لها، مدعومة روسيًا، على مناطق جغرافية مختلفة، مكتظة بالسكان، استخدمت فيها أسلحة كيماوية، وبراميل متفجرة، وذخائر عنقودية، محرّمة دوليًا، تسبّبت بمقتل الآلاف من المدنيين.
اتهمت منظمة alkarama “مؤسسة سويسرية مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان، مقرها جنيف” في تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي، الطيران الروسي بتنفيذ قصف عشوائي للمناطق المدنية. كما اتهمت “الجيش السوري” والميليشيات الإيرانية واللبنانية والجماعات الأخرى، بارتكاب مجازر وإعدامات جماعية. وقالت: إنه “على الرغم من اتهام مجلس الأمن الدولي روسيا والحكومة السورية اتهامًا مباشرًا، مرارًا وتكرارًا، بارتكاب جرائم حرب، إلّا أنّ أيًا من الطرفين لم يعاقَب”.
لفت التقرير الذي صدر في آذار/ مارس الماضي، إلى أن “المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، شكّلت أهدفًا للهجمات المباشرة من القوات الحكومية”، ولا سيما بعد أن “أعلنت الحكومة عدم شرعية عمل أي مرفق صحي” في المناطق الخاضعة لسيطرة خصومها، في وقت استمرت السلطات فيه بمنع مرور المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، على الرغم من تعهدها القيام بذلك.
وأظهرت حالات كثيرة وثقتها المنظمة، خلال عام 2016، تفشي ظاهرة التعذيب في السجون السورية، في مراكز الاعتقال السرية المختلفة التي أنشأها النظام. وقد أدى تكرار التعذيب وطول مدّته وقساوته، على النحو السائد في جميع المراكز، إلى موت آلاف الضحايا خلال مدة الحبس الاحتياطي.
يُعد التعذيب الذي تنتهجه “الأجهزة الأمنية الحكومية والميليشيات التابعة لها، سائدًا في جميع مراكز الاعتقال الرسمية والسرية. وتسري ممارسته وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، على جميع المعتقلين دون استثناء. فلا فرق بين متهم بالمشاركة في التظاهرات الاحتجاجية، أو داعم للمعارضة، أو فرد من أفراد الجماعات المسلحة، أو حتى صحافي أو مدافع عن حقوق الإنسان، أو منشق عن قوات الأمن، أو امرأة أو طفل”.
يشجّع على ذلك ـ كما يقول التقرير ـ غياب إرادة القضاء على هذه الممارسة؛ لأنها جزء من سياسة الدولة، لبث الرعب في القلوب وترويع المدنيين.
تجدر الإشارة، إلى أن تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسورية الذي صدر في شباط/ فبراير 2016 بعنوان “بعيد عن العين…بعيد عن الخاطر” كان قد تحدّث عن آلاف السوريين الذين ضُربوا حتى الموت، أو توفوا نتيجة لإصابات خطِرة تعرضوا لها بسبب التعذيب فضلًا عن سوء أوضاع السجون عامة، والحرمان من الرعاية الطبية التي تعدّ أيضًا سببًا من أسباب الوفاة.
توصف ممارسة الاختفاء القسري، بموجب نظام روما الأساسي، جريمة ضد الإنسانية، وقد شهد عام 2016، بحسب التقرير، تصاعدًا مضطّردًا في عدد ضحايا هذه الممارسة التي باتت أداة قمع، للناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في المنظمات الإنسانية، إضافة إلى المواطنين العاديين.
وعادة ما يعتقل معظم ضحايا الاختفاء القسري عند الحواجز العسكرية، أو خلال مداهمات تقوم بها أجهزة الأمن “الحكومية”، أو الميليشيات الداعمة لها، دون إبراز مذكرات قضائية أو تسويغ أسباب الاعتقال، ويكدس المعتقلون داخل سجون سرية يتعرضون فيها للتعذيب، بل، والإعدام خارج القضاء، وتبث هذه الممارسات المنهجية، الرعب، ومن ثم؛ تخشى أسر الضحايا من التنديد بها، خوفًا من ملاقاتهم المصير ذاته. وفي حالات نادرة يتمكن الأهل من مراجعة السلطات الأمنية لمعرفة مصير أبنائهم، لكن الأخيرة تنفي أي علاقة لها من قريب أو من بعيد بالقضية.
وخلال الاستعراض الدوري الشامل الثاني لسورية أمام مجلس حقوق الإنسان، في عام 2016 (وهي عملية تتم كل أربع سنوات لمراجعة السجلّ الحقوقي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة من مجلس حقوق الإنسان في شكل مناقشة تفاعلية). قدم الفريق العامل المعني بالاستعراض في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، مسودة تقرير تضمّنت التوصيات المقدمة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى سورية، أعربت فيها عن قلقها، من تردي أوضاع حقوق الإنسان داخل البلاد، والانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وانتشار ممارسة التعذيب والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري. ومن الهجمات التي تشن ضد المدنيين والمستشفيات، وعدم تعاون الحكومة مع الأمم المتحدة، ولا سيما لجنة التحقيق الدولية المستقلة.
كذلك صدرت توصيات أخرى دعت نظام الأسد إلى اتخاذ تدابير عاجلة لوقف الهجمات العشوائية ضد المدنيين والمستشفيات والعاملين فيها والقوافل الإنسانية، لضمان وصول المساعدات إلى جميع المناطق المحاصرة دون عوائق. فيما دعته -أيضًا- إلى مضاعفة جهده من أجل التوصل إلى حل سياسي؛ لتسوية الأزمة عبر حوار شامل مع جميع الأطراف.
وكانت سورية قد تلقت 231 توصية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بهذا الخصوص، يوجب عليها إبلاغ مجلس حقوق الإنسان بردها عليها قبل آذار/ مارس الحالي.
تعدّ منظمة alkarama حقوق الإنسان كلَا لا يتجزأ؛ لذا، جعلت أولويتها الدفاع عن الأشخاص الضحايا أو المهددين بالقتل خارج نطاق القضاء، والتعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، ووصفت المساس بالحق في الحياة والسلامة الجسدية والنفسية والحقوق المدنية والسياسية بأنها انتهاكات جسيمة لا زالت متفشية في هذا الجزء من العالم. وتشير في هذا السياق إلى إن “العيش بكرامة” حق كل البشر في احترام إنسانيتهم دون شرط، كما تشير إلى ذلك المادة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق”. وعلى جميع الأشخاص أن يتمتعوا بالحريات الأساسية المذكورة، وهي الحريات التي يجب أن يضمنها القانون ويحميها قادة البلدان.
[sociallocker] [/sociallocker]