‘أمريكا ترامب لـ العالم: نحنُ هنا’

11 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
10 minutes

استيقظ العالم صباح يوم الجمعة الفائت على خبر مفاده أن مدمّرات تابعة للبحرية الأمريكية أطلقت صواريخ من طراز “توماهوك” على مطار الشعيرات العسكري التابع لقوات نظام الأسد.

كان وقعُ الخبر مفاجئاً أصاب الجميع بالذهول، فلا مجلس الأمن صوّتَ على الضربة، ولا روسيا والصين استخدمتا حق الفيتو، لتعطي واشنطن بذلك انطباعاً أن لديها القدرة على التحرّك متى شاءت خارج نطاق المجلس، وهي الخطوة التي تبيَّن أنها تأتي ضمن سلسلة خطوات يحاول فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعزيز مكانة الولايات المتحدة في سوريا، في ظل توفر مجموعة عوامل ودوافع.

 

 

تعويض فشل السياسة الخارجية

بعد استهداف المطار بـ 59 صاروخاً بحوالي 24 ساعة، أقلعت أول طائرة حربية تابعة للنظام السوري من مطار الشعيرات ذاته الذي استهدفته الولايات المتحدة، لكن ماذا عن قوّة صواريخ التوماهوك؟ وماذا عن التغطية الإعلامية الهائلة التي حظيت بها هذه الضربة وتغريدات ترامب التي هنّأ بها العالم بالنصر؟ بماذا يمكن تفسير ذلك إن كانت الطائرات أقلعت في اليوم ذاته؟

يُرجّح متابعون لملابسات وتداعيات الضربة أنها جاءت لسد بعض العجز الحاصل في السياسة الخارجية الأمريكية من جهة، وتحقيق أكثر من مجرد نصر لترامب من جهةٍ ثانية، فعلى الرغم من تهديد الرئيس الأميركي لكوريا الشمالية، قبل ذلك، في حال اختبرت صاروخاً نووياً إلّا أن الكوريين أطلقوا الصاروخ حينها دون أن يحدث أي رد فعل من واشنطن، وإنما حلَّ الصمت وغابت التصريحات الأمريكية حول الموضوع.

التهديد ذاته وجّهته “واشنطن ترامب” إلى إيران بعواقب وخيمة إذا ما قامت بتجارب صاروخية، ووقتها جرّبت طهران صواريخها وسط ردٍّ غير مجدٍ من ترامب.

هذه المواقف أثارت الاستغراب كون الجمهوريين أساساً كانوا يسخرون من خطوط أوباما الحمراء، واعتبروا أن الشعب الأمريكي انتخب ترامب تعويضاً للفشل على يد الديمقراطي أوباما.

لكن الهيبة العسكرية الأمريكية عادت لتفرض وجودها من بوابة سوريا ولو عبر ضربة محدودة لا تشي بأن ترامب ينوي إرهاق الأسد عسكرياً أو الوصول إلى حظرٍ جوي، فقام بهذه الضربة ليشغل الرأي العام العالمي الذي كان يتحدث سابقاً عن العجز الأمريكي.

 

 

تناقض في التصريحات

تصريحان اثنان متناقضان أطلقتهما السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، الأول قبل الهجوم الكيميائي على خان شيخون بأيام والثاني بعده بأيام.

حيث قالت هيلي قبل الهجوم الكيميائي: “أنت تنتقي معاركك وتختارها، وعندما ننظر إلى هذا نجد الأمر يتعلق بتغيير الأولويات، وأولويتنا لم تعد الجلوس والتركيز على إزاحة الأسد عن السلطة”.

ثم عادت لتقول بعد هذا الهجوم: “إن أولويات واشنطن هي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والتخلص من النفوذ الإيراني في سوريا وإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد”، مضيفةً: “لا نرى سوريا سلميّة مع وجود الأسد”.

ويمثّل هذا التغيّر الواضح في التصريحات ما يُشبه الإنقلاب الأمريكي على نظام الأسد وتبدّلاً واضحاً بالمواقف.

لكن الإنقلاب التام بالمواقف لا يمكن قراءته من خلال هيلي وحسب وإنما ينسحبُ على ترامب أيضاً والذي سبق أن طمأنَ الأسد وتوعّد بدحر تنظيم الدولة في سوريا، حيث قال بعد تولّيه الرئاسة في أول لقاءٍ له مع صحيفة “وول ستريت جورنال”: “إن لديه وجهة نظر مختلفة بخصوص الحرب فى سوريا” مضيفاً: “علينا التركيز على محاربة تنظيم داعش فى سوريا، بدلاً من التركيز على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد”.  وتابع ترامب حينها: “الولايات المتحدة تدعم المتمردين ضد سوريا، دون أن يكون لدينا أية فكرة من هم هؤلاء الناس”.

لكن ترامب ذاته عاد الأربعاء الماضي، أي عقب يومٍ واحد من الهجوم الكيميائية ليغيّر أقواله السابقة. وقال ترامب في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض مع ملك الأردن عبد الله الثاني: “إن الهجوم الذي أدى إلى مقتل 100 وإصابة 4000 آخرين أثّرعليه بشكل عميق، وإنه غيّر نظرته إلى الأسد وسوريا”.

وأضاف أن الهجوم بالأسلحة الكيميائية على بلدة خان شيخون شمال سوريا “مُروّع ورهيب ووحشي، وأنه استهدف أبرياء من النساء والأطفال وحتى الرضع”، لافتاً إلى أن “هذه الأفعال الشائنة التي يرتكبها نظام الأسد لا يمكن القبول بها” وعند سؤاله عمّا سيفعل أجاب  “سترى” رافضاً عن كشف خططه المستقبلية حينها.

 

دون قرار أممي

على مدار سنوات الثورة الستة، أحبط الفيتو الروسي والصيني سبعة قرارات لمجلس الأمن كانت تهدف إلى معاقبة نظام الأسد على استخدامه الأسلحة الكيميائية، كما فشل المجلس باتخاذ عدّة قرارات وتدابير لوضع حدٍّ لنظام الأسد، فبقيت آلة القتل تدور في سوريا، وسط عجز عالمي سببهُ شبح “حق النقض”.

لكن الضربة العسكرية التي وجّهها ترامب لنظام الأسد في مطار الشعيرات أثبتت أن المرات التي تم فيها استخدام حق النقض في مجلس الأمن لم تكن سوى إطالةً في عمر الأزمة السورية، إذ أن ترامب عندما وجد أسبابه المقنعة – أياً كانت بالفعل- استهدف قاعدة للنظام بضربة مباشرة ودون الرجوع إلى مجلس الأمن أو غيره للحصول على إطار دولي يشرّع الهجوم كما كان يُشاع.

كما أن التصريحات الروسية التي أشارت إلى أن موسكو كانت على علمٍ بالضربة الأمريكية قبل أن تبدأ تؤكّد أن الفيتو الذي كان يُستخدم سابقاً تحت قبّة مجلس الأمن كان باتفاق روسي أمريكي مهما اختلفت ظروف اجتماعاته ودوافعها.

وهي نظرية يزيد من احتماليتها أن أنظمة الدفاع الجوي الروسي “إس 300” التي تم نشرها في سوريا لحماية مجالها الجوي لم تقُمْ بأي عملية اعتراض، فإما أنها غير قادرة على ذلك أو أن روسيا لا تريد التصدّي لها.

 

 

تزايد في الحضور الأمريكي

منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة يحاول الأخير تصحيح أو إصلاح التصدّعات العسكرية التي تركها سلفه باراك أوباما الذي شهدت ولايته تراجعاً عسكرياً كبيراً فيما يخص الملف السوري، مقارنةً مع حضورٍ روسي كبير راح يسيطر على مراكز القرار، وينشىء القواعد العسكرية داخل سوريا.

لذلك عمل ترامب على قلب هذه المعادلة، وهو ما تطلّب نصراً عسكرياً يُثبت للرأي العالم العالمي أنه ليس أوباما.

وبالتوازي كان لافتاً تنامي الحضور العسكري الأميركي بشكلٍ ملحوظ في سوريا، ولا سيما خلال الأسابيع الماضية، حيث عزّزت القوات الأمريكية من انتشارها في مناطق حليفتها “قوات سوريا الديموقراطية” شمالي البلاد، وتمكّنت من نصب خط فصل قوات في الجهة الغربية لمنبج لمنع اصطدام عسكري بين “قسد” داخلها وبين فصائل الجيش الحر الموجودة في مدينة جرابلس شمال شرق منبج.

كما أن حليفتها “قوات سوريا الديموقراطية” تقدّمت على الأرض بشكلٍ كبير، وقضمت مساحاتٍ واسعة، وذلك ليس في الحقيقة سوى زيادة في نفوذ الولايات المتحدة على الأراضي السورية، في إطار منافسة شرسة مع القوات الروسية ومن يمثلها.

هذا في الشمال أما في الجنوب فقد تصدّت قوات التحالف الدولي البرية بالتعاون مع فصائل الجيش االسوري الحر مساء الأحد الماضي لهجومٍ شنّه تنظيم الدولة على مناطق في محيط معبر التنف الحدودي، حيث تحاول القوات الأمريكية تعزيز وجودها العسكري في تلك المناطق، وسط تقديرات تتحدّث عن استنساخ تجربة “درع الفرات” في الجنوب، ولكن بدعم أمريكي ومشاركة أردنية.

 

 

ماذا لو كانت هيلاري؟

خلال الانتخابات الأمريكية وقبل أن تُحسم نتائجها لصالح دونالد ترامب، برزَ تصريحٌ لمنافسته هيلاري كلينتون بأنها ستحارب الأسد في حال فازت بالانتخابات.

هذا الموقف السابق يطرح تساؤلاً اليوم، ماذا لو كانت هيلاري كلينتون مكان ترامب؟ وهل كانت ستقوم باستهداف قواعد النظام العسكرية؟

يمكننا أن نُحيل السؤال بناءاً على تصريحاتٍ جديدة لكلينتون دعت من خلالها إلى قصف المزيد من مطارات الأسد، وذلك عقب الضربات التي وجّهها ترامب لمطار الشعيرات. وقالت كلينتون: “إنها كانت تفضّل إجراءاً أكثر قوة ضد رئيس النظام في سوريا بشار الأسد”.

وأشارت خلال مقابلتها مع الإعلامية “تينا براونز وومن”، على هامش القمة العالمية للمرأة في نيويورك، إلى أنها أيّدت إقامة منطقة حظر جوي في سوريا بعد الخروج من الحكومة، وهو ما عارضه أوباما حينذاك.

وعلى الرغم من أن كلينتون عاصرت بدايات الثورة السورية كوزيرةٍ للخارجية في الولاية الأولى لأوباما، إلّا أن عهدها لم يشهد أي تحرّك أميركي جدّي.

ومما يستحق التوقف عنده ما ذكرته مجلة “تايم” الأمريكية، من أنه وقبل ساعاتٍ قليلة من إعلان الرئيس دونالد ترامب إطلاق قواته 59 من صواريخ توماهوك على مطار الشعيرات في سوريا، فإن كلينتون كانت دعت إلى فعل ذلك.

ونقلت الصحيفة عن كلينتون قولها: “إن الأسد لديه قوة جوية، وهذه القوة الجوية سبّبت سقوط القتلى المدنيين، وأعتقد حقاً أنه كان ينبغي ولا يزال أن نقضي على هذه المطارات، ومنعه من أن يكون قادرا على استخدامها في قصف المدنيين وإسقاط غاز السارين عليهم”.

لكن السؤال يبقى: هل كنا حقاً سنرى مفاعيل تصريحات كلينتون السابقة واللاحقة على أرض الواقع لو أنها ممسكةٌ بمراكز القرار؟

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]