بدء التهجير القسري لسكان الزبداني ومضايا.. ومخاوف يعززها غموض اتفاق "جيش الفتح" مع إيران


يبدأ اليوم الخميس، تنفيذ الاتفاق الغامض الذي بات يعرف باسم اتفاق "المدن الأربعة"، والذي يقضي بتهجير قسري لسكان مدينتي الزبداني ومضايا المحاصرتين بريف إدلب، ونقل سكان من مدينتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام بريف إدلب، إلى مناطق النظام بدمشق.

وكان الاتفاق قد توقف تطبيقه مؤقتاً بسبب موجة من الاحتجاج في محافظة إدلب على طبيعة الاتفاق المثير للقلق، والذي لا تزال حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام" تتكتمان على تفاصيله، وهما الفصيلان اللذان توليا توقيع الاتفاق بشكل أساسي رغم أنهما ادعيا أن الاتفاق يأتي تحت مظلة "جيش الفتح"، ويرفض الفصيلان الإجابة على الأسئلة الموجهة لهما حول الاتفاق.

ووقع الاتفاق مع الجانب الإيراني برعاية قطرية نهاية الشهر الماضي.

وقال الناشط الإعلامي في مدينة مضايا محمد درويش، اليوم الخميس، في تصريح لـ"السورية نت" إنه من المتوقع خلال الساعات المقبلة أن تبدأ عملية نقل المدنيين من مضايا والزبداني. فيما تحدثت وسائل إعلام موالية للنظام عن وصول حافلات إلى كفريا والفوعة للبدء أيضاً بنقل مدنيين ومقاتلين من هناك.

وكفريا والفوعة مدينتان يعيش فيهما مقاتلون من الميليشيات الشيعية وعائلاتهم، ويدينون بالولاء المطلق لإيران، وتفرض قوات المعارضة طوقاً عليهم منذ العام 2015، لكن النظام كان يوصل لهم المساعدات والسلاح عبر الجو بشكل دائم، بعكس الزبداني ومضايا ومنطقة جنوب دمشق التي يفرض عليها النظام حصاراً مطبقاً أدى إلى وفاة عدد من المدنيين جوعاً أو بسبب غياب الرعاية الطبية.

وتكمن خطورة الاتفاق الحالي في أنه يمثل عملية تغيير ديمغرافي واضحة وواسعة، إذ سيجبر مدنيون ومقاتلون في الزبداني ومضايا على الخروج من أرضهم، فضلاً عن أن من سيتبقى في مضايا والزبداني سيبقى مصيرهم مجهولاً.

وأكد الناشط درويش أن ما يثير الريبة هو أن بنود الاتفاق لا تزال مجهولة ويغير واضحة، معتبراً أن ما يجري أمر خطير لأنه يمثل تهجيراً مقصوداً للسكان. إلا أنه أكد عدم وجود خيارات أمام المدنيين الذين أنهكهم حصار نظام بشار الأسد وميليشيا "حزب الله" اللبناني.

ولفت درويش لـ"السورية نت" أنه وفقاً للمعلومات التي بحوزتهم فإنه بعد تطبيق الاتفاق ستعود أجهزة النظام للعمل داخل مضايا، متحدثاً عن أنباء تفيد بأن ميليشيا "حزب الله" تريد السيطرة على الزبداني، وحجتها في ذلك أنها قدمت الكثير من القتلى هناك حتى وصل الأمر لإجبار المعارضين للنظام على الخروج منها.

بعض بنود الاتفاق

جميل التيناوي رئيس المجلس المحلي في مدينة الزبداني، كشف لـ"السورية نت" بعض تفاصيل الاتفاق، وقال إن "عدد الذين سيخرجون من مضايا والزبداني إلى مدينة إدلب شمال سوريا يبلغ 4 آلاف شخص"، لافتاً أن الاتفاق يتعلق فقط بالمقاتلين وذويهم.

وفي المقابل، يتضمن الاتفاق إخراج 16 ألف شخص من كفريا والفوعة بريف إدلب، على أن يجري إخراج 8 آلاف شخص في الدفعة الأولى، مقابل 4 آلاف من الزبداني ومضايا، في حين أن الدفعة الثانية ستخرج بعد شهرين من بدء تنفيذ الاتفاق.

ويتضمن الاتفاق - بحسب التيناوي - إخراج 1500 معتقل ومعتقلة من سجون نظام بشار الأسد. في حين أن الناشط عبد الوهاب أحمد أشار إلى أن الاتفاق يتضمن أيضاً تبادل مقاتلين أسرى بين "جيش الفتح" والميليشيات الموجودة في كفريا والفوعة، حيث يحتجز كل طرف مقاتلين للآخر، وهو ما حصل يوم  أمس.

كما لفت إلى أن الاتفاق يتضمن هدنة مدة 9 أشهر في الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة وإدخال مساعدات لها.

وكان الناشط الموجود في مدينة مضايا عبد الوهاب أحمد، قال أمس الأربعاء، لـ"السورية نت" إن ما يجري هو تغيير تغيير ديمغرافي واضح، وقال إن ما سيحصل مشابه لما حصل في حي الوعر الذي أفرغ من سكانه.

وأوضح أن ما سيجري بعد هذا الاتفاق أن النظام سيواصل طرد المدنيين من الزبداني ومضايا على دفعات، إلى حين تفريغ المدينتين من السكان قسراً، مؤكداً أن المستفيد مما يحصل نظام بشار الأسد وميليشيا "حزب الله" اللبناني.

وأضاف في هذا السياق، أن ميليشيا "حزب الله" أصبحت تطلق اسم مدينة "النور" على مدينة الزبداني، وسهل الربيع بدلاً من سهل الزبداني، في نية واضحة للحزب السيطرة على الزبداني ومضايا بعد تهجير أهلها.

وشدد عبد الوهاب على أن العبارات التي يتم الترويج لها عن "خروج السكان من الزبداني ومضايا لمن يرغب"، غير صحيحة، وقال إنه سيجري إخراجهم مجبرين على ذلك.

رفض واسع للتهجير

ويواجه الاتفاق الحالي انتقادات واسعة من المعارضة السورية، وخرجت بعد ظهر، أمس الأربعاء، تظاهرة حاشدة من بلدات "يلدا وببيلا وبيت سحم" جنوب دمشق بدعوة من اللجنة السياسية الممثلة للبلدات الثلاث وقاطنيها، وذلك رفضاً لإقحام بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم في اتفاق الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة.

وبحسب المعلومات فإن الاتفاق ينص أيضاً على هدنة في مناطق جنوب دمشق، وخروج لسكان مخيم اليرموك إلى الشمال السوري في مرحلة لاحقة.

وقالت صفحة "ربيع ثورة" على "فيس بوك" والمتخصصة في نقل أخبار منطقة جنوب دمشق، أن نحو ألفي متظاهر من يلدا وببيلا وبيت سحم تجمعوا، ونددوا بعمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، مؤكدين على أن مصير المنطقة تحدّدها اللّجنة السياسية التي تمثل جنوب دمشق، وليس أي طرفٍ آخر لا علاقة له بأهالي المنطقة، كما كتب على إحدى اللافتات "إيران حزب الله جبهة النصرة لا وصاية لكم على مناطقنا".

ورقة هامة

ويأتي رفض معارضين سوريين للاتفاق من اعتبارهم ذلك خطوة أخرى لتكريس "التغيير الديمغرافي" في سوريا، عبر إفراغ مناطق بأكملها من السكان ووضع آخرين بدلاً منهم في تلك المناطق. سيما وأن إيران حرصت دائماً على إخراج سكان كفريا والفوعة التي يقطنها شيعة مؤيدون لطهران، وفي المقابل شاركت طهران مع نظام الأسد وميليشيا "حزب الله" في إفراغ مناطق سنية بمحيط دمشق وإرسالها للشمال، وإبدالها بحزام شيعي تقول المعارضة إنه يعكس نوايا طائفية لدى النظام وإيران.

وبالإضافة إلى ذلك، وجهت انتقادات لـ"أحرار الشام، وهيئة تحرير الشام" لما اعتبره معارضون سوريون تفريط بورقة هامة، كانت تمتلكها قوات المعارضة، وهي مدينتي كفريا والفوعة المطوقتين من قبل الفصائل منذ العام 2015، والتي أدى استهدافها والتهديد بالهجوم عليها من قبل المعارضة، إلى إجبار النظام وإيران وميليشيا "حزب الله" مراراً إلى وقف هجومهم على الزبداني ومضايا ومناطق أخرى بريف دمشق.

ويقول معارضون سوريون إن الاتفاق الحالي يسهل من مهمة النظام وإيران وميليشيا "حزب الله" فيما لو أرادوا الهجوم على محافظة إدلب الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تُعد معقل فصائل المعارضة في سوريا.

كما أبدى معارضون سوريون استغرابهم من الطريقة التي تتعامل بها "هيئة تحرير الشام" فيما يتعلق بالمفاوضات والاتفاقات، ففي الوقت الذي رفضت فيه الهيئة مباحثات أستانا وخونت من شارك بها، بالإضافة إلى رفضها لمباحثات جنيف، "تمضي الهيئة في اتفاق مع إيران يكرس الفرز الطائفي في سوريا"، وفقاً لقول معارضين.




المصدر