محاكم سورية… لا عدالة على هذه الأرض


في سورية اليوم هيئات أو محاكم تعمل بحسب أصحاب النفوذ، سواء أكانت تابعة لمناطق سيطرة النظام أو المعارضة. المشترك بينها هو أنّ احتمال تحقيق العدالة للناس يكاد يكون معدوماً، إذ غالباً ما تكون الغلبة للأقوياء

قبل نحو ستّ سنوات، خرج سوريّون للمطالبة بالحريّة والكرامة والعدالة. وبعدما تحوّلت الثورة إلى صراع مسلّح في ظلّ عنف مفرِط ومتعمّد من قبل النظام، بات الناس يعيشون في مناطق نفوذ تابعة للنظام، وأخرى لفصائل المعارضة المسلّحة والفصائل الإسلامية. وتشكلت هيئات عُرفت بـ “القضائيّة”، تعتمد الشريعة الإسلامية، يديرها أشخاص غير مؤهلين لكن موالين لحاملي السلاح، ما يجعلها تابعة، وبالتالي يُحرم السوريّون من العدالة.

“المحكمة الشرعيّة” حاضرة في مناطق فصائل المعارضة في ريف اللاذقية، والمسؤول عنها فصائل مسلّحة هي “أنصار الشام”، و”أحرار الشام”، و”الفرقة الأولى الساحليّة”، بحسب الناشط الإعلامي في ريف اللاذقية، أحمد الكابتن. ويقول لـ “العربي الجديد”، إنّ “غالبيّة الأحكام التي تُصدرها تستند إلى ثلاثة شهود، في ظل غياب محام عن المتهم”. يضيف: “رغم الادعاء بأنّ القانون المعتمد هو الشريعة الإسلامية، لكنّه قويّ على الضعيف وعاجز أمام القوي”، لافتاً إلى أنّ “العديد من القضاة في تلك المحكمة غير مؤهّلين”.

الوضع في ريف حلب ودير الزور ليس أفضل من ريف اللاذقيّة، بحسب الناشط الإعلامي عامر هويدي، الذي يقول لـ “العربي الجديد”: “هنا، توجد محاكم شرعيّة وثوريّة لا يؤخذ منها حق أو باطل. الضعيف يحاسَب والقوي يفلت من الحساب، ناهيك عن أولئك المدعومين من الكتائب المسلّحة”. يضيف: “في دير الزور الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، ليست الصورة أسوأ بكثير، أو ربّما هي مشابهة. في بعض المحاكم أشخاص يعرفون القانون، وهم سجناء سلفيّون سابقون، ومنهم من يحفظ القرآن أو من هذا القبيل”. يتابع أن “مسألة الدفاع عن النفس وتوكيل محام غير موجودة. والقتل هو أسهل الأحكام”.

وفي ريف حمص الشمالي، توجد محكمتان، الأولى تشكّلت بمبايعة جميع الفصائل المسلّحة تحت اسم “المحكمة الشرعيّة العليا”، في وقت تتبع الأخرى جبهة النصرة، بحسب الناطق الإعلامي باسم “مجلس الشورى” يعرب الدالي. ويوضح لـ “العربي الجديد” أنّه “يشرف على المحكمة ثلاثة مشايخ، وهؤلاء يطلقون أحكامهم بالتشاور في ما بينهم، وبحسب الشرع الإسلامي”. ويذكر أنّ “الأهالي نظّموا تظاهرات عدة ضد المحاكم الشرعية، في وقت سابق، ما أجبرها على تخفيف الأحكام الشرعية، والسماح مؤخّراً بتوكيل أشخاص للدفاع عن المساجين، من دون أن يكونوا محامين بالضرورة”.

في المقابل، يعرب عدد من الناشطين في ريف حمص الشمالي، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنيّة، عن امتعاضهم من المحكمة الشرعية، التي تسيطر عليها الفصائل المسلّحة، بالإضافة إلى وجود قضاة غير مؤهلين شرعيّاً لمثل هذه المهام، في وقت يعدّ هؤلاء القضاة الجهة الوحيدة المسؤولة عن المتّهمين. ويتحدّثون عن أزمة كبرى هي محكمة النصرة، والتي لا يوجد رقابة عليها. ويعاني المعتقلون بسبب التعذيب والأحكام القاسية، علماً أنّ النصرة تعتمد فكر تنظيم “القاعدة” المتشدّد. ويشكو أهالي ريف حمص الشمالي اعتقال أبنائهم منذ سنوات وحتّى اليوم، من دون محاكمة، وتوجّه إليهم تهم “كالتعامل مع النظام أو داعش”.

إلى ذلك، تعدّ مناطق المعارضة في درعا (جنوب سورية) مختلفة عن مثيلاتها في محافظات أخرى. ويقول الناشط الإعلامي جعفر الحوراني، لـ “العربي الجديد”: “هناك محكمة دار العدل في درعا، وهي تضم الفصائل القوية في المنطقة، التي تعدّ قوة تنفيذيّة على الأرض، ويدعمها جيش اليرموك وجبهة النصرة وأحرار نوى، بالإضافة إلى فصائل أخرى من الجبهة الجنوبية تعمل على فض النزاعات العشائريّة وقضايا الطلاق وتسجيل الأطفال حديثي الولادة وغيرها”. ويوضح أنّ “الهيئات الشرعية موجودة في كل بلد من المناطق المحرّرة، ويدعمها الجيش الحر والمتطوعون، وتحقّق في ملابسات الجرائم وتقدّم المتّهم إلى دار العدل”، لافتاً إلى أنّ “الشخص يستطيع أن يدافع عن نفسه أمام أي محكمة أو هيئة شرعية، ويمكن لأي شخص توكيل محام للدفاع عن شخص وفق الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى العرف العشائري”.

وفي ريف دمشق، لا تختلف صورة القضاء عن درعا. ويقول الناشط الإعلامي وسام الدمشقي لـ “العربي الجديد”، “في الرحيبة في ريف دمشق هيئة قضائية وشرعية. وتتألف من محكمة الصلح، ومحكمة استئناف، ومحكمة طعن ونقض، وقاضي تحقيق ونائب عام. ويمكن للمتهم الدفاع عن نفسه وتوكيل محام، والاستئناف، وتستند الأحكام إلى الشريعة الإسلامية وقوانين المحاكمات المدنية والجزائية التي تتوافق مع الشريعة الإسلاميّة”.

وتعاني المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة والإسلامية تجارب قضائية متقاربة، التي تعتمد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع والحكم، تشكل من قبل الفصائل المسيطرة على الأرض وتكون تابعة لها، والتي تؤثر على أحكامها بحسب الأشخاص والقضايا، في الغالب يوجد بها من يتصدى لمهمة القضاء أشخاص غير مؤهلين، فهم إما كانوا طلاب شريعة أو متدينين أو سجناء إسلاميين سلفيين أو جهاديين فيما سبق، كما أنه لا مرجعيات موحدة فيما بينهم، فكل منهم يعتمد مرجعيات تتناسب مع توجّهات الفصائل.

وتعدّ المحاكم الشرعيّة في مناطق داعش الأكثر تشدّداً، وتعتمد أحكاماً قاسية وتتفنّن في القتل لأبسط الأسباب، ولا يمكن للمتهمين الدفاع فيها عن أنفسهم. ويعتمد تنظيم النصرة محاكم خاصة به في معظم المناطق، لعدم توافقه مع الفصائل المسلحة المعارضة. ويرى متابعون أن “النصرة تتعاون وتتعايش مع تلك الفصائل على مضض”.

وعن القضاء في مناطق النظام، يقول المحامي ورئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية‏”، أنور البني، لـ “العربي الجديد”: “دور المحامي في سورية شكلي، خصوصاً أمام المحاكم الاستثنائيّة. ويؤدي دور الوسيط أو السمسار، بسبب عدم استقلال السلطة القضائية وتفشي الفساد. في وقت سابق، كانت الظروف تتطلب محامياً محارباً يغامر بعمله ليتمكن من إحقاق العدالة. لكن حتى هذه المساحة انتهت، ولم يعد أحد يعرف ما هو الحق ومن يكون صاحبه. يضيف: “في محكمة الإرهاب، دور المحامين هو عبارة عن وسيط سمسرة لابتزاز المعتقلين. ونادراً ما يتمكن المحامي من القيام بفعل يؤدي إلى إطلاق سراح المعتقل بالوسائل القانونية. وأمام المحاكم الميدانية العسكرية، لا دور للمحامي أبداً. ويمنع على المحامين تمثيل المتهم، لأن المحكمة سريّة”.

فساد ورشوة
يقول محامٍ من دمشق رفض الكشف عن اسمه، لـ “العربي الجديد”: “الفساد في المحاكم السورية معروف وملموس منذ زمن طويل، والحق هو حليف إما المتنفذ في النظام أو صاحب المال. أما اليوم، فالفساد والرشوة أصبحا مكشوفين. ولكلّ قضية وقاض سعر معلوم لتسيير الأمور. حتّى أن الكثير من المحامين أصبحوا يسألون عن إمكانيات الموكل المادية قبل الدعوى وحيثياتها”.



صدى الشام