الإرهـاب والكيماوي وقتل الأطـفال


بهنان يامين

منذ أسبوع تقريبًا عاد النظام المأزوم في دمشق، الذي مُني بخسائر فادحة في كل من ريفي حماة الشمالي ودمشق العاصمة، إلى استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا، ومن المفترض أن يكون قد سلّمها بحسب الاتفاق الذي أبرمه في الزمن الأوبامي، عبر القيادة الروسية الكاذبة، والمنافقة، والمحتلة لأراضي الوطن السوري الذي ساعد النظام في تدمير كثير من مدنه وبلداته وقراه، وكان على رأسها المدينة الخالدة حلب؛ إذ شرد أهليها، وخاصة أطفالها. من كان ضحية الكيماوي في بلدة خان شيخون؟ إنهم الأطفال الرضّع، وصغيرو السن، ذوو الصدور الصغيرة والحساسة التي لا تستطيع أن تستنشق تلك المواد السامة، أبرياء لا يفهمون لما يصب هذا المجرم الطاغية، ومن يعاونه من الميليشيات الطائفية، والعدو الروسي الذي أعلن عدائية سافرة للشعب السوري، كل حقدهم وأسلحتهم الفتاكة والمحرمة دوليًا.

بالضبط، بعد أيام معدودة، ضرب الإرهاب كنيستين في مصر، الأول في طنطا، والثاني في الاسكندرية، الضحايا مصلون، وقد يكون بينهم أطفال، فلقد اختارت “داعش” أن تضرب الكنيستين بلا سبب، واختارت عيد الشعانين، حيث يكثر المصلون، وخاصة الأطفال، كونه العيد الذي دعى السيد المسيح تلاميذه إلى ألا يُبعدوا الأطفال منه، قائلًا: “دعوا الأطفال يأتون إلي…”، وهي إشارة إلى تلاميذه، ولمن يأتي بعدهم؛ ليهتموا بالأطفال، ويتبنوا رعايتهم، فكيف يتجرأ هذا الإرهاب أن يضربهم بإجرامه وإرهابه الذي غذته الأنظمة الديكتاتورية، ليحوّل فرحهم وأهليهم إلى حزن على الضحايا التي سقطت مجانًا؛ نتيجة هذه العربدة التي يرفضها الدين الإسلامي.

كلا الحدثين أداته واحدة، الحدث الأول إرهاب الدولة الطاغية الباغية، والحدث الثاني إرهاب “الدولة الإسلامية”، وأضعها بين مزدوجين؛ لأنها غير إسلامية، وهذه الأداة هي ضرب الأبرياء، وخاصة الأطفال منهم، وهم الأكثر براءة.

كلا النظامين الإرهابيين، الأسدي الذي باع نفسه لكل قوى الشر التي تحميه في عدوانه على شعبه، والـ “داعشي” الذي يستقوي على الشعوب والمدنيين الأبرياء، هما وجهان لعملة واحدة، هي الإرهاب.

النظام الإرهابي الأول، محمي من الدولة “الإسلامية” الإيرانية، والثاني من الدولة “الإسلامية” في بلاد الشام والعراق، فهل يلحظ القارئ التشابه بالاسم، فكلتاهما تحمل الصفة نفسها، ولو درسنا أهداف كلا الدولتين للحظنا بأنها واحدة، الأولى تحاول أن تُصدّر ثورتها “الإسلامية” لاحتلال دول متعددة في المنطقة، وأداتها المليشيات الطائفية، ففي العراق كانت أداتها أحزاب طائفية، ومليشيات شيعية، من أمثال الأحزاب الدينية التي سيطرت على مقادير الحكم في العراق، لتنتقم من أبرياء الطوائف الأخرى عبر الميليشيات الإرهابية، مثل “حزب الله” العراقي واللبناني، وحركات أبو الفضل العباس، والنجباء، وحقدها على المكون الآخر في كل من العراق وسورية. ولو كان صحيحًا، كما يدعون بأنه انتقام لأهل بيت الرسول محمد؛ لحاولنا أن نتفهمهم! ولكن هدفهم في الحقيقة إعادة بناء دولة بني ساسان، وهو ما لا تخفيه قيادات الدولة الإسلامية، ومن هنا؛ فإنها تستغل الدين الإسلامي من أجل الوصول إلى غايتها.

النظام الثاني محمي أيضًا، من القوى ذاتها التي شكلته، وسهلت له احتلال كل من العراق وسورية، والشعب العراقي لن ينسى أنه في يومين سيطرت “داعش” على الموصل، وعدد من المدن العراقية؛ حتى أنها في مرحلة معينة هددت بغداد، وسهلت لها احتلال مناطق كثيرة في العراق وسورية، لتساعدها في تشكيل هذه “الدولة الإسلامية” التي ألغت الحدود ما بين العراق وسورية، وهو ما لم تستطعه قوى كلٍّ من البعثين: العراقي والسوري، ولكن مع الأسف، هذا الإلغاء جاء بخلاف رغبتي الشعبين العراقي والسوري.

الشعب السوري لن ينسى -أيضًا- كيف تسلّمت هذه القوى الإرهابية دير الزور، والرقة، والطبقة، والسخنة، ومعظم مدن وقرى محافظة الحسكة، وتدمر، والقريتين؛ لتهدد مدينة حمص، وليفرغ متحف تدمر من آثاره؛ ليسرقه حرامي سورية رامي مخلوف، رافعًا شعاراته الطائفية، ولم يطلق على قوات هذه “الدولة الإسلامية”؛ حتى “ملبسة” واحدة، ولن نقول قنبلةً أو برميلًا واحدًا من البراميل التي كان يمطر النظام مئات منها يوميًا على المدن والشعب السوري.

ليست الدولة الإيرانية -فحسب- هي من تحمي كلا الدولتين ونظاميهما، ولكن العدو الروسي المحتل -أيضًا- شريك في الجرائم الإرهابية لكلا النظامين، ولكن من أجل مصالحه، وسلّم رأس النظام في دمشق مقاليد سورية كاملة لهذا العدو الذي جاء إلى سورية غازيًا، ولا يخفي -قط- أنه يريد القواعد السورية؛ لكي يحقق حلم أباطرة روسية بموقع قدم في مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة.

إذن؛ لا فرق بين كلا الإرهابين، الذي ضرب أطفال خان شيخون بالكيماوي، وأطفال مسيحيي مصر في يوم عيد الطفولة، عيد الشعانين، فهدف كليهما واحد؛ زرع الفرقة بين مكونات الشعبين: السوري والمصري، فضلًا عن العراقي واللبناني، فعوا يا من تؤيدون كلا النظامين بانهم هدف لهما وليسا حاميان لهم.




المصدر