بإطار كوميدي رومنسي.. فيلم يحكي قصة العنصرية المتبادلة بين السوريين واللبنانيين


يتناول الفيلم اللبناني "محبس" من إخراج صوفي بطرس، قضية شائكة حول الصور النمطية بين السوريين واللبنانيين والعنصرية المتبادلة بقالبٍ كوميدي، ليكون أول عمل فني يتطرق لهذا الموضوع وسط انتقادات وترحيب.

وخلال 92 دقيقة في خبايا أحد أكبر الأمور تحريماً في ذكرها بين السوريين واللبنانيين، والتي هي علاقاتهم كشعبين يحمل الكثير منهم "الحقد والعنصرية" المتبادلة تجاه بعضهما بعض، لأسباب يلام عليها كلٌّ من التاريخ والسياسية تخوض المخرجة في قضية الفيلم.

الفيلم الذي عرض لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي شهر مارس/آذار الماضي، بدأ يجوب مهرجاناتٍ عالمية أخرى، ودور سينما لبنان وسوريا والأردن والكويت ودبي، ويعرف الجمهور على أحد أكثر القصص تعقيداً في المنطقة العربية.

تقول بطرس: "العمل على الفيلم ككل استغرق ثلاث سنواتٍ ونصف، وعندما بدأنا التفكير بالموضوع بشكلٍ أولي والتي هي زواج لبنانية من سوري لم نفكر بأي عقبات أو مخاطر قد نقع فيها، فكرنا فقط أن الموضوع يستحق أن نلقي الضوء عليه، لكن المطبات بدأت تظهر أثناء العمل على تطوير الفكرة والبدء بصياغة النص، فعند التكلم عن علاقات السوريين واللبنانيين لا يمكن المواربة، كما لا يمكننا أن نكون بالمنتصف، يجب أن نقول الأشياء بمسمياتها وأن نشير للعنصرية بشكل مباشر بين الشعبين والأحكام المسبقة بينهما، ولم يكن هناك مفر ولم يكن هناك مجال لأن نكون دبلوماسيين".

وبقالبٍ كوميدي يروي محبس قصة عائلة سورية برجوازية تصل إلى لبنان لخطبة فتاة لبنانية لابنهم كان قد تعرف عليها في إحدى الدول الخليجية، لكن أم الفتاة تحقد على السوريين على إثر مقتل شقيقها بقذيفة سورية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وترفض الأم تزويج ابنتها من سوري لتبدأ المواقف الطريفة، التي تبرز الصور النمطية التي يحملها كلٌّ من الشعبين تجاه بعضهما بعضاً، إذ لا تكمن المشكلة عند أم الفتاة فقط،  فأم العريس أيضاً غير مرتاحة لهذه الزيجة فهي تريد لابنها عروساً سورية من عائلةٍ معروفة.

الفيلم تعرض لانتقادات عدة لاستخدامه الكوميديا على اعتبار أنها "تسطح المشكلة" بنظر بعض النقاد، وتجمل الحقيقة.

المخرج والناقد السينمائي السوري علي وجيه رأى أن "ما يقوله الفيلم ليس مشكلة العنصرية بحد ذاتها بقدر ما هي مسألة الصور النمطية، والتي برزت من خلال شخصيتي أم العروس وأم العريس، وتم الانتقال بين هذه الصور النمطية بذكاء، لتبين أن الشعبين لا يعرفان بعضهما بعضاً، لكن يمكن لو تعرفوا على بعض لاكتشفوا أن هناك قواسم مشتركة بينهما كحبهم للاستماع لصباح فخري، الفيلم موجه للجمهور وليس فيلم مهرجانات لذلك جاءت الكوميديا قالباً مناسباً كي لا تثير حساسية أحد، و لو كان الطرح جدياً ربما يكون هناك أثر عكسي".

مقص الرقيب

الفيلم بدأ ينافس في شباك التذاكر بلبنان وهو نجاح لم تكن تتوقعه مخرجة الفيلم التي تقول "الناس بلبنان قبلت الفيلم فالفكرة مطروحة بطريقة لا تخدش مشاعر أحد ولا تشكل ملامة لأي طرف، عندما يشاهد الشخص الفيلم يشعر كأنه يرى نفسه بالمرآة ويبتسم لحالته، فالطرح متوازن وغير جارح".

شقيق الأم التي تلعب دورها الممثلة اللبنانية جوليا قصار يكلمها طوال الفيلم من خلال صوره الكثيرة في المنزل ليشكل صوت عقلها الباطن في محاكمة المواقف، الشقيق المتوفى على يد السوريين لم تكن قصته لتمر بسهولة في صالات العرض بدمشق، فهذا الموضوع يعتبر من المحرمات بالنسبة للنظام في دمشق، ما دفع السينمات لعرضه بعد قص عددٍ من المشاهد، كذلك عمدت صالات العرض في الأردن إلى قص بعض اللقطات التي تحوي شتائم أو كلمات نابية.

صفق الجمهور السوري كثيراً عند كل مشهدٍ ضد اللبنانيين كما صفق الجمهور اللبناني عند كل مشهد ضد السوريين، لكنهم في النهاية خرجوا معاً مبتسمين من صالةٍ واحدة، في الوقت الذي زرع هذه البسمة على وجوههم ممثلين من كلا الدولتين، إذ لعب دور البطولة في الفيلم كلٌ من: جوليا قصار، وبيتي توتل، وعلي الخليل، وسيرينا الشامي، ونيكول كماتو، ودانيال بلابان، وسمير يوسف وسعيد سرحان من لبنان، ونادين خوري، وبسام كوسا، وجابر جوخدار من سوريا، الذين تفاوتت خبراتهم التمثيلية.

لحن مختلف

الموسيقى التصويرية لـ"محبس" موقعة باسم الفنان زياد بطرس شقيق صوفي، لكن المفاجأة الأكبر كانت أول تجارب صوفي الغنائية، حيث سجلت أغنية "يمكن" التي جعلت منها توقيعاً في نهاية الفيلم من كلمات فادي الراعي وألحان زياد بطرس وتوزيع داني حلو.

ليس هناك وقتٌ محدد لبدء عرض الفيلم في أوروبا للجمهور لكنه اليوم يشارك في عروضٍ خاصة ومهرجانات عدة، كذلك من المقرر أن يعرض في دور السينما الاسكندنافية قريباً.

"محبس" الذي يصنف تحت أسلوب Rom-Com  أو الرومنس كوميدي ينتهي نهاية سعيدة، بالموافقة على زواج الولدين، بعد أن يتمكن العريس ووالده السوريين من حل مشكلة بين لبنانيين، في إسقاطات انتقدها العديدون لأنها تشير إلى مرحلة الوجود السوري في لبنان.

كما أن الأم اللبنانية تخلع محبسها لتعطيه لزوجها الخائن في إشارة لم تكن موفقة بنظر بعضهم لتحررها، في حين رآها آخرون أنها إشارة للتحرر من الخوف، ما يفتح جدلاً واسعاً من المتوقع أن يبقي الفيلم المثير للجدل بموضوعه، مثار حديث الناس على الأقل في سوريا ولبنان خلال الفترة المقبلة.




المصدر