سوريّون على أكتاف سورييّن
18 أبريل، 2017
رغم تباين الألوان بين الأحمر والأصفر، لا تختلف الوجوه كثيراً بين ضحايا مجزرة الراشدين التي راح ضحيتها قتلى من مدنيي كفريا والفوعة ومن مقاتلي المعارضة، وبين مجزرة خان شيخون التي قُتل وأصيب فيها المئات نتيجة قصف من طائرات النظام بالأسلحة الكيميائية.
وكان التفجير استهدف نقطةً في حي الراشدين، فيها مدنيون مهجَرون من بلدتي كفريا والفوعة، إضافةً إلى مدنيين من الزبداني كانوا بانتظار ذويهم، ومقاتلين كانوا مرافقين لحافلات التهجير، ضمن ما يُعرف بـ “اتفاق المدن الأربع”.
تقاسُم استقبال الجرحى
أكثر من 100 شخص قُتلوا وحوالي 250 أصيبوا في تفجير “الراشدين” حسبما صرح وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقّتة محمد فراس الجندي، وأضاف أنه هناك أسماء حوالي 65 شخصاً من مدنيي كفريا والفوعة ما زالوا مفقودين.
وقد تبعثر جرحى التفجير في المشافي الواقعة بمناطق النظام والمعارضة، وأوضح الجندي أن عشرات الجرحى بينهم مدنيون من كفريا والفوعة، توزّعوا على 10 مشافي في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي والجنوبي ومدينة إدلب.
لكن بعض الجرحى ممكن كانت حالتهم حرجة انتقلوا لتلقّي العلاج في المشافي التركية بسبب عدم قدرة المشافي الموجودة شمالي سوريا على إسعافهم، وفقاً لما أكده ناشطون لـ صدى الشام.
وتشارك في عملية إسعاف المصابين عناصر من الدفاع المدني السوري، ونشطاء وإعلاميون من المعارضة، إضافةً إلى سيارات إسعاف جاءت من مناطق النظام.
مشهد مأساوي
نشر ناشطون مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر لحظة التفجير الذي استهدف الحافلات التي تنقل المهجّرين، ويظهر في مقطع الفيديو أن عشرات الحافلات كانت مصطفّة إلى جانب بعضها بعضًا ثم حدث الانفجار في إحدى الحافلات المصطفّة في الوسط، ليعقبه سلسلة تفجيرات أقل قوّة، فيما يبدو أنها ناجمة عن انفجارات لمحرّكات الحافلات أو الوقود.
وبينما نجى عدد من النشطاء والإعلاميين من التفجير فقد أُصيب آخرون بجروح، وكان الناشط معاذ أبو الخير واحداً ممن نجوا، ويقول لـ صدى الشام: “إنه كان متوجهاً إلى المنطقة لتغطية تنفيذ اتفاق المدن الأربع، وبقي منذ الصباح الباكر في المنطقة بعد تأجيل عملية التنفيذ”. ووصف أبو الخير مشهد التفجير قائلاً: “كان الدخّان كثيفاً في المنطقة، وكنتُ على بُعد 300 متر من موقع الانفجار”، وأضاف: “سمعت صوتاً عنيفاً من نقطة التجمّع الرئيسية، وهرعت مسرعاً إلى المكان”، لافتاً إلى أن الدماء كانت قد تناثرت في الأرض مع الجثث فيما تكسّر زجاج الحافلات وظهرت فيها جثث متفحّمة.
وتابع: “هرعت لإسعاف طفلٍ اعتقدت أنّه حيًا لكنني تفاجأت بأنه قد توفي فتركته وأسرعت لأبحث عن مصابين يصدر منهم أي صوت لأحاول إسعافهم”.
وأردف: “صحيح أن سكان منطقتي كفريا والفوعة يخالفوننا في الرأي السياسي وسبق أن قصفوا مناطقنا في ريف إدلب المجاور لهم بآلاف الصواريخ والقذائف خلال سنوات الحرب، إلّا أننا لا نستطيع أن نقحم الأطفال والمدنيين ليكونوا ضحايا في هذا الصراع”.
من جانبه قال الدفاع المدني السوري، إنه تمكن من إجلاء ما يزيد عن 100 جثة وإسعاف 55 جريح إثر الانفجار.
وبعد وقوع الانفجار بساعات، استُأنفت عملية تبادل المهجّرين بين النظام والمعارضة، ويقول ناشطون كانوا مواكبين للعملية إن جثث الضحايا المدنيين من كفريا والفوعة نُقل معظمها إلى مناطق النظام في مدينة حلب، وذلك بسيارات إسعاف رافقت حافلات التهجير.
لكن الانفجار لم يقتصر على أهالي كفريا والفوعة ومقاتلي المعارضة معهم وحسب، وإنما سقط ثمانية قتلى مدنيين من مدينة الزبداني، كانوا في نقطة التبادل بانتظار ذويهم القادمين من مناطق النظام بمدينة حلب.
إنسانية
على الرغم من التوتّر الكبير بين بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام، وبين القرى المحررة المحيطة بها، إلا أن هذا التوتّر لم يقف حاجزاً أمام عناصر الدفاع المدني والنشطاء السوريين والصحفيين وكل من كان موجوداً في موقع التفجير ليسعف المدنيين المصابين، فكان هذا الحدث المؤلم لحظة فارقة أظهر فيها جمهور الثورة موقفه من المدنيين أياً كانت انتماءاتهم.
الناشط الإعلامي عبد الرحمن ناصر اعتبر أن إسعاف المصابين كان واجباً على كل من كان موجوداً في موقع الحادثة، “وهو واجب الإنسان قبل كل شيء بغض النظر عن الظروف المحيطة لأن الإنسان لا يستطيع أن يتجرّد من مشاعره”، حسب قوله.
ويقول أحد الصحافيين الذين واكبوا التفجير: “لو وقع هذا التفجير بمناطق يسيطر عليها النظام لكان أرسل إعلامييه لالتقاط صور مع الجثث، إلّا أنه لا يصحّ المعاملة بالمثل في مثل هذه المواقف، لأن أخلاق الثورة تتطلّب ألّا نرد الأذى بمثله”، على حد وصفه.
ولعل من أبرز الصور التي انتشرت على مواقع التواصل والتي تظهر إنسانية الثورة السورية، تلك التي كانت للصحافي “أدهم أبو الحسام” مراسل الجزيرة، والتي استطاعت أن تلخّص المشهد.
أبو الحسام ظهر في صورةٍ وهو يركض حاملاً طفلين مصابين من الفوعة، وكانت الدماء تغطي وجهيهما جراء الانفجار، وللمفارقة فإن أبو الحسام ذاته ينحدر من بلدة بنّش الملاصقة للفوعة، والتي ذاقت الويلات من الهجمات المدفعية والصاروخية التي كانت تشنّها الميليشيات الطائفية على قريته.
صورٌ أخرى ظهرت للصحافي عبد القادر حبق، وهو يحمل كاميراته مع أحد الأطفال المصابين ويركض به محاولاً إسعافه، ثم انتشرت صورةً أخرى تُظهر حبق وهو مُنهارٌ تماماً بين مشهد الجثث المتفحّمة.
وكتب الناشط ميلاد شهابي: “في هذا الموقف وبعد التفجير المروّع إعلاميون صاروا مسعفين وبلّشوا يسعفوا المصابين وخاصة الأطفال من كفريا والفوعة، اليوم ثوارنا هن وعم يسعفوا الأطفال مافكروا انه سني ولا شيعي، همهن الأكبر كان إنقاذ أرواح الأطفال والمصابين. الله يحميكن ياخاي والحمدلله على سلامتكن جميع شباب الإعلاميين”.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]