أما آنَ لهذهِ الحربِ أنْ تنتهي يابْنَ العلقميّ…!


غسان الجباعي

هل انتهت الحرب أيها الجنرال، أم ما زال في نفسك “شيء من حتى”؟

هل يحتاج اﻷمر إلى تخت موسيقي شرقي، يقوده ابن عبد الوهاب، أم يحتاج إلى مئات ألوف أخرى من العازفين الذين يرتدون الجلابيب الطويلة واﻷحذية العسكرية؛ يحفّون الشوارب بالسكاكين، ويربون الذقون فوق الصدور، يعزفون بالسيوف على أوتار الكمنجات والقوانين والطنابير، يبقرون بالخناجر بطون الطبول وجلود المزاهر، يرجمون الغيم بالغيب، والنورَ بالنار، ويهتفون: لله أكبر!؟

الله أكبر أيها الجنرال!! هل يحتاج الأمر إلى أن يخلع ابن عبد الوهاب طربوشه التركي، أو أن يقتل “إيفان الرهيب” ابنَه المغدور! هل يجب على السوري أن يرتدي خوذه الجندي المجهول، أو كفن الغبار! هل تنتظر أن يستبدل المرزبان (قائد الجيش الفارسي)، عصا القيادة بالسيف، قبل أن يقتله مالك بن فهم التنوخي، في معركة سلوت!؟ أما آن الأوان لهذا السيف أن يرتوي من دمنا، أو ينحني خجلًا من قرابه! لقد جفّ دم مهيار الدمشقي منذ قرون، فهل يحتاج الأمر إلى “باصات خضراء” يقودها العميان، وتحفّ بها زرافات من “القبيسيات”، تتقدمهن كوكب الشرق أم كلثوم؛ هي تغني رباعيات الخيام، وهنَّ يرتدين “الفضيحة” فوق اللحم السافر، يأخذن الإذن من سفاح بني العباس، ويرددن خلفها مثل جوقة من الغربان، يقرعن بأعقاب القباقيب شوارع المدينة المبلطة بعظام أطفالهن، يعربدن كما الأشباح في ساحة المسجد الأموي، يسرحن مثل قطيع الماعز، بين أشجار الجوز في الغوطة التي سجدت مآذنها لغير الله، يحملن المناديل المعطرة بـ “الكيف الإلهي”، يخلعن الجلباب الرمادي والنقاب والحجاب، ويسرّحن شعورهن في زواريب داريا الخراب، وحمص؛ الوعر وساحة الساعة، والحجارة السوداء، ودرعا؛ البلد والمدرج الحوراني وسرير بنت الملك، شهباوات يرقصن على أنقاض حلب؛ القلعة والقدود الأندلسية، عاريات مثل عاهرات المعبد؛ يتجندن بأحزمة الرصاص و”الكلاشنكوفات” الروسية، صوفيات ماجدات، يرددن أشعار من مات صبرًا في الجب الأحمر:

أرى قدمي/ أراقَ دمي

وهانَ دمي/ فها ندمي

متى تنتهي الحرب يا آخر جنرالات الهباب؟

هل تنتظر أن نشرب البحر براحاتنا!؟ هل ترغب أن نفرش لك سماطًا فوق جثث أطفالنا! أم يحتاج اﻷمر إلى معجزة ابن العلقمي، الوزير؛ يقود المستعصم -آخر خليفة عباسي- على بغلة بيضاء، ويسلمه لجنود هولاكو…

هل تذكر أيها الرفيق الجنرال، كيف سقطت نياشينك، وكيف وضعك التتار في كيس من الكتّان، وراحوا يخبطونك بالهراوات؛ حتى اختلط لحمك بعظمك؟ كان ذلك آخر عهدك أيها الرفيق المناضل. هل كان آخر عهدك؟ أم أنك تنهض من رماد حرائقك، جيلًا بعد جيل بعد جيل…؟




المصدر