جرحى المعارضة السورية في تركيا.. حسابات “فصائلية” وغياب للمسؤولية

19 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017

8 minutes

مرّ الأسبوع الأول بعد خروجه من المشفى ثقيلاً، يستذكر “أحمد” مع عكازته آلام جرحه الحديث وهمومه باحثاً عن مكان جديد يأوي إليه بعد أن حلّ ضيفاً على رجل تعرف إليه في المشفى.

لم يكن الشاب العشريني يعلم أن بقاءه في المشفى وحيداً هو أفضل بكثير من الحال التي وصل إليها اليوم، والتي يقضي فيها أوقاته باحثاً عن دارٍ للجرحى تحتضنه وتراعي حالته.

يسرد أحمد المقيم حالياً في إحدى غرف السكن الشبابي بمدينة أنطاكيا التركية قصته التي بدأت بعد إصابته بطلق ناري اخترق أمعاءه وغيّبه عن الوعي خلال معارك ريف حماه الأخيرة، قبل أن يستيقظ ويجد نفسه في إحدى المشافي التركية وحيداً بلا أي رفيق، “بقيت في مشفى أنطاكيا عشرين يوماً لم أرَ أحداً خلالها، استطعتُ أن أُطمئن أهلي وحسب، وخلال فترة علاجي كنت محتاجاً لعناية خاصة ومساعدة لكن لم يتمكن أي فردٍ من عائلتي الوصول إلى هنا بسبب إغلاق الحدود”.

وحول أسباب إقامته في إحدى غرف السكن الشبابي في مدينة أنطاكيا (4اشخاص في غرفة واحدة) رغم وضعه الصحي أوضح أحمد أنه تواصل مراراً مع الفصيل الذي يقاتل معه والذي وعده بالمساعدة، إلا أنه لم يخرُج بنتيجة سوى الوعود وهو مادفعه للاعتماد على نفسه وأسرته التي أرسلت له تكاليف الإقامة هنا ريثما يتحسن وضعه الصحي.

قصة أحمد قد لا تكون الأخيرة وهي ثمنٌ يدفعه يومياً بعض المقاتلين الجرحى الذين تُرِكوا لوحدهم بعد تخلّي أو عجز فصائلهم عن دعمهم، وهي نتاج سنوات طويلة أيضا من التمييز والفصائلية من جهة، والتخبط وضعف التنسيق في المجال الطبي بين المؤسسات والمنظمات الأهلية المعنية من جهة أخرى.

 

محسوبيات وتمايز

 يتوفر في مدينتي أنطاكيا والريحانية القريبتين من الحدود التركية عدد من مراكز الاستشفاء الخاصة بالجرحى السوريين، كما يقيم بعض الجرحى في شقق سكنية خاصة ببعض الفصائل للعناية بجرحاها.

ورغم ذلك يعتقد صفوان حجار، وهوعضو “فريق ملهم التطوعي” وأحد العاملين في مجال رعاية الجرحى بمدينة أنطاكيا، أنّ حال الجرحى اليوم هو أسوأ مما سبق نتيجة لأمور عديدة أبرزها تراجع الدعم المقدم للاهتمام بالجرحى، وغياب التنسيق، وعدم اعتماد هيئة موحدة بين الفصائل للإشراف على جميع الجرحى بنفس السّوية.

ويوضح المتطوع العامل في هذا المجال منذ أربع سنوات في حديثه لـ صدى الشام أن “بعض بيوت الجرحى هنا في أنطاكيا هي من فئة خمس نجوم من حيث الرعاية والاهتمام بينما نجد في الوقت ذاته بعض المصابين الآخرين ينامون في الحدائق العامة لأيام دون أن يلتفت أحد إليهم”، ويُرجع حجار السبب إلى “الفصائلية، وإلى اختلاف قدرات الفصائل في رعاية جرحاها”.

ويسهب حجار في الحديث عن حالات التمايز بالنسبة للجرحى موضحاً أن زيارة واحدة للمشافي التركية كفيلة بأن تُرينا الوضع على حقيقته.

ومن بين الأمثلة التي طرحها حجار هناك: “جريحان من فصيلين مختلفين يرقدان في نفس الغرفة، وتعرضا للإصابة في معركة واحدة؛ الأول تخلى عنه فصيله رغم إصابته بالنخاع الشوكي وهو ما تسبب له بشلل دائم، بينما نُقل الثاني إلى مشفى خاص لمدة شهرين وبلغت تكاليف علاجه 120 ألف ليرة تركية رغم إمكانية علاجه في مشفى عام”، وفق تأكيده.

وتتكرر هذه الحوادث بشكل مستمر بحسب الناشط، حيث “يصنف الجرحى هنا ضمن طبقات مختفة رغم أنهم جميعهم سوريون يقاتلون لأجل قضية واحدة”.

أما الطبيب وائل غزال، وهو أحد العاملين في المجال الطبي، فهو لا ينكر صعوبة الوضع الراهن للجرحى ويرى أن التمييز بينهم يبدأ من دخولهم إلى المشافي التركية حتى شفائهم تماماً.

ويؤكد غزال أن بعض الجرحى ممن حاول مساعدتهم فشلَ في تأمين مكان له بعد خروجه من المشفى نتيجة العقلية الفصائلية والمحسوبية في بعض مراكز الاستشفاء.

وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض المقاتلين يُحرمون بسبب هذه السياسة من حقهم في إجراء عمليات تجميلية أو تركيب أطراف صناعية نتيجة الظروف المادية.

 

مصير مجهول

 يصل بعض الجرحى إلى المشافي التركية في وضع حرج ويُنقلون إلى ولايات أخرى لإجراء عمليات جراحية، ويفقد هؤلاء غالباً القدرة على الوصول إلى ذويهم.

وتُعتبر قصة “عبد الحميد الخالد”، من أبناء جسر الشغور، واحدةً من الحالات المأساوية التي تتكرر بين الفترة والأخرى حيث بقيت أسرته لأكثر من أسبوع تبحث عنه قبل أن يصلها خبر وفاته في مشفى اسكندورن الجراحي.

وخلال الفترة الأخيرة عَمِل متطوعون سوريون في تركيا على إنشاء مجموعة خاصة للتواصل عبر تطبيق “واتس آب” يستطيع الناشطون من خلالها تعميم خبر الجريح لنقل حالته إلى ذويه.

ورغم أهمية هذه الخطوة إلا أنّ آثارها تبقى محدودة لاسيما أن نشاط المتطوعين يقتصر على تسجيل الجريح ساعة إسعافه من المعبر التركي والوجهة الأولية التي سيتم نقله إليها.

وحول الحلول الممكنة لهذه المعاناة يرى ابراهيم العقلة وهو ناشط في مجموعة “أخبار الجرحى السوريين” أنه لا حل إلا من خلال إيجاد حلقة وصل بين جميع المترجمين العاملين في المشافي التركية من جهة والسلطات الرسمية التي يتوجب عليها إخبار هؤلاء بحالة الجريح والمكان الذي نقل إليه من جهة ثانية.

ويؤكد العقلة أن الجهود الذي بذلت مؤخراً للتخفيف من هذه المعاناة كانت جيدة لكنها بحاجة لمتابعة بسبب الأعداد الكبيرة للجرحى، موضحاً أن “بعض الجرحى يبقى مصيرهم مجهولاً لأيام معدودة وهو ما يخلق معاناة كبيرة لأسرته في سوريا”.

 

 ما الحلّ؟

 خلال أكثر من ست سنوات على بدء استقبال تركيا للجرحى السوريين لم تتبدل ظروف هؤلاء كثيراً وبقيت معاناتهم تتكرر عبر منصات إعلامية وحسب.

ورغم وجود عشرات المنظمات الطبية المعنية الأهلية منها والدولية فإنه لا يوجد حتى اليوم جهة تتكفل بتنظيم هذا الملف وتعتمد آلية واضحة للتعامل معهم.

ولعل اختلاف الظروف بالنسبة لكل جريح والتكلفة المادية الكبيرة للإشراف على مثل هذا الملف هي أحد أبرز العوائق، إلا أن بعض الحلول يمكن اتخاذها للتخفيف من المعاناة.

ويرى عضو فريق ملهم التطوعي صفوان حجار أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق مؤسسات المعارضة التي يجب أن تسهم في إيجاد مؤسسة خاصة للجرحى السوريين في تركيا تكون مهمتها تسجيل هؤلاء ومتابعة تحركهم وإيصالهم للمنظمات الطبية القادرة على علاجهم.

من جهته يؤكد الطبيب وائل غزال أن افتتاح المزيد من دور الاستشفاء القادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الجرحى دون تمييز هي أولى الخطوات لمساعدتهم.

وبينما لا تتوفر أرقام دقيقة لعدد الجرحى السوريين تشير مسوحات أعدها فريق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في منتصف عام 2014 إلى إصابة ما لا يقل عن مليون ومئة ألف سوري نصفهم تقريباً من الأطفال والنساء، بينما توصلت المسوحات ذاتها إلى وجود “10% إلى 15% من حالات إعاقة أو بتر للأعضاء من هذه الأرقام، أي بما يقدر بـ 120 ألف حالة”.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]