هكذا حولنا الإعلام إلى دمى
19 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
هنادي الخطيب
في كتاب “السيطرة على الإعلام: الإنجازات الهائلة للبروباغندا” لخص المفكر الأميركي، نوعام تشومسكي، ما يمكن أن نسميه “لعنة الإعلام”، وقال: “تلك الآلة السحرية التي يمكنها توجيه الرأي العام، وتحويله إلى النقيض، وتعبئته، وتصوير ما ليس له وجود على أنه واقع ليس منه مفر”.
ما كنا نتخيله في السنوات الأخيرة ثورة في المعلوماتية ووسائل الاتصال، وثورة ستعود نتائجها بالضرورة بالخير على مجتمعاتنا “خصوصًا بعد ثورات الربيع العربي”، اتضح لاحقًا أن “الشعوب” والمثقفين كانوا أسوأ من استخدم تلك الثورة، وخصوصًا ما يسمى بـ “السوشيال ميديا”، في حين أن الوكالات التجارية والثقافة الاستهلاكية تربعت على العرش، واحتلت معظم منصاته، وتلاعبت بالرأي العام، وأما ما تبقى من شؤون سياسية واجتماعية، فجرت السيطرة عليها من الدعوات المتطرفة، سواء أكانت دينية أم قومية أم عرقية، ولنضف إلى ذلك الدول القوية المهيمنة التي تلاعبت بمصائر شعوب ودول بأكملها.
تلاعب الإعلام بالعالم، وليس بنا -الشعوب العربية- فحسب، وإن كانت كارين أرمسترونغ تكلمت في كتاب “معارك في سبيل الإله” عن أصوليات ثلاث، هي الأديان الثلاثة، وعدّت أن هذه الأصوليات، بخلاف ما نعتقد، هي أبرع من يستخدم آخر ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية من تطور تكنولوجي ومعلوماتي؛ فإننا نسمح لأنفسنا أن نضيف إلى الأصوليات الثلاثة، أصولية أخرى، نعتقد أنها أهم في الوقت الحالي، وتأثيرها أكثر عمقًا في المجتمع، وهي الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت شعوبنا، وتوشك أن تدمر بلدًا كاملًا، انطلاقًا من ديكتاتورية الحكم، وأصولية التفكير، وعمق الفكر الإجرامي ، ونتكلم هنا عن سورية وديكتاتورها بالطبع.
بالعودة إلى لعبة الإعلام، وفي الآونة الأخيرة، مع ما أثير من كلام في أميركا عن مدى تدخل روسيا بالانتخابات، وما تبعه من تقارير خرجت من ألمانيا وبريطانيا وهولندا ودول أوروبية أخرى، عن تدخل ماكينة الإعلام الروسية بالتلاعب بأمزجة هذه الدول، وانتصار الاتجاه اليميني القومي المتطرف، نطرح سؤالًا ما يزال بلا جواب، عن مدى قدرة تلك الديمقراطيات على مواجهة التحدي المخترق للحدود.
نعرف أن الدول الديمقراطية، وخصوصًا أوروبا، كانت أول من طالب بتعميم تجربة الانفتاح، وإدخال الإنترنت، وجعلها متاحة لكل الشعوب، وخصوصًا شعوب منطقتنا المصنفة “دول عالم ثالث”، ويظهر اليوم أنها لم تنجُ -نفسها- من “لعنة الإعلام” وبرجوازيته، وكانت روسيا والصين والعرب آخر من سمح للتطور المعلوماتي وللثورة التكنولوجية بالدخول إلى بلدانها، وهي أكثر الدول التي استفادت من الإنترنت وملحقاتها وخصوصًا الـ “سوشيال ميديا”.
تمكن اليمين المتطرف من تحقيق عدة انتصارات، سواء في أميركا عبر ترامب، أو في أوروبا عبر العنصرية الواضحة في الخطاب الأوروبي أخيرًا، وهي الصورة المعاكسة تمامًا لما حاولت أوروبا جاهدة عبر تاريخها أن تقدمها عن نفسها في مجال حقوق الإنسان، وعمل ويعمل الفكر اليميني المتصاعد في أوروبا على خنقه يومًا بعد يوم.
أما بشار الأسد، الديكتاتور السوري، و”الرجل” الذي يشرف على تدمير بلده، وقتل أهلها، فشكّل ما يسمى “الجيش السوري الإلكتروني” مع بدايات الثورة السورية؛ لمحاربة الثورة بالدرجة الأولى، وللتلاعب بعقول مؤيديه ثانيًا، وأخيرًا والأهم، لتلميع صورته وتمرير وتكريس كذباته.
ربما نستطيع اختصار ما نود الوصول إليه، بفكرة جوهرية نوقشت في مسلسل أميركي بعنوان “هوم لاند”، إذ ظهرت إحدى الشركات الممولة المدعومة سرًا من أحد أفرع الاستخبارات الأميركية، واستخدمت آلاف الموظفين الشبان اللامعين في مجال المعلوماتية، ليشكلوا مروحة ضخمة في الـ “سوشيال ميديا”؛ للترويج لما تريده هذه الوكالة، ومن تلك الوسائل كان تصنيع أفلام “يوتيوب” من الألف للياء، من دون أي جذور حقيقية لها على الأرض، ومن ثم استغلال أحد اليمينيين المتطرفين هذه الأفلام لخدمة عنصريته.
الكلام السابق ليس بعيدًا من الواقع، فما بدأ به أسانج من تحدٍ لسرية المعلومات، وهو الفعل الذي صفق له العالم كله، وكتبت عنه الصحافة العالمية بكثير من الإعجاب، وحظي بدعم كبير من منظمات حقوق الإنسان، تحوّل لاحقًا عبر الاستخدام الروسي له إلى جهد آخر في ماكينة دعم الديكتاتوريات والأهداف الروسية، وتجلى ذلك في مشهد لقاء حزب أسانج “من ضمنه والده” مع بشار الأسد في دمشق، ولا يمكن لأسانج “صاحب ويكليكس” أن يقول ذات يوم: “لم أكن أعرف أن بشار الأسد يستحم بالدماء عندما قابلته ودعمته”.
[sociallocker] [/sociallocker]