مدونة جريدة اللوموند: لوبان- ميلينشون، المعركة ذاتها لصالح بشار الأسد


أنس عيسى

لقد ضحى كل من جان-لوك ميلينشون ومارين لوبان بالشعب السوري لحساب رؤية لا إنسانية، بكل معنى الكلمة، عن العلاقات الدولية.

يُوصف جان-لوك ميلينشون ومارين لوبان، عمومًا، ﺑ”الشعبويين”، وسواء أكان ذلك الاستخدام حسنًا أم لا، يتفق المرشحان على نكران الشعب السوري، ليس حقه في تقرير مصيره فحسب، وإنما في حقيقة كونه فاعلًا في مصيره الشخصي أيضًا.

لوبان: إمّا بشار أو داعش

لا تكترث مارين لوبان بالفوارق الدقيقة، فأما سورية، بحسب رأيها، “خيارًا ثنائيًا” بين “بشار الأسد، من جهة، والدولة الإسلامية، من جهة أخرى”، ولقد تبنت ذلك الموقف منذ تنقلها إلى بيروت في 20 و21 شباط/ فبراير 2017، مؤكدة أن ذلك كان تحليلها “منذ بداية الأزمة السورية”.

لم يكشف أي منهما حقيقة اندلاع المظاهرات السلمية ضد نظام الأسد في آذار/ مارس 2011، وأن الإعلان عن “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، التي تسمى اختصارًا بـ “داعش” في اللغة العربية، لم يتم إلا في نيسان/ أبريل 2013، في مدينة الرقة السورية، أي بعد سنتين من “بدء الأزمة السورية.”

أما رئيسة الجبهة الوطنية، التي حظيت بالتبجيل في بيروت؛ للقائها الأول، بعدّها مرشحة رئاسية مع رئيس دولة؛ أي: اللبناني ميشيل عون، فقد أعادت -خلال إقامتها هناك- تأكيد قناعتها أن المحافظة على بشار الأسد في السلطة يمثل “اليوم وبكل وضوح حلًا أكثر طمأنة لفرنسا.”

لكن قلة الوعي تنافس الفحش في المصادفة التي جمعت بين إدلائها بتلك التصاريح، والتحية التذكارية التي وجهتها لوبان لـ “الجنود الذين سقطوا في لبنان منذ عام 1975” ومن بينهم 58 مظليًا في مركز “دراكار”، قُتلوا في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1983، بهجوم عُزيَ إلى شبكات حافظ الأسد، والد بشار. واستُقبلت مارين لوبان بحفاوة، في 24 آذار/ مارس 2017، من فلاديمير بوتين في الكرملين، وجددت في تلك المناسبة دعمها غير المشروط للتدخل الروسي في سورية “الذي وجه ضربة جدية للأصولية،” ولم تعلق هنا، ولا في مكان آخر، على حقيقة أن التدخل الروسي لم يستهدف “داعش” إلا هامشيًا، وبأنه ركز، وخصوصًا في معركة حلب الفظيعة، ضد القوى المعادية للأسد و”داعش” في الوقت نفسه. بعد الهجوم الكيماوي على خان شيخون في 4 نيسان/ أبريل، أكدت لوبان أنها “لا تصدق أحدًا”، إضافة إلى أن المتطلبات التي وضعتها بغرض “تحقيق دولي مستقل” ليست بعيدة كثيرًا من متطلبات بشار الأسد نفسها.

ميلينشون: وهْمُ أنابيب نقل الغاز

لطالما عانى جان-لوك ميلينشون الصعوبة في تقبل وجود شعب سوري يتمتع بالعقل، وله حق السيادة على أرضه في بلده سورية. لا تُعدّ تلك الأرض، بالنسبة إليه، إحدى أهم مواطن الحضارة الكونية، بل هي مكان فارغ تتحرك فيه استراتيجيات السيطرة الدولية كما يحلو لها، كما لو كان الأمر في لعبة “Risk” التي -لربما- كان مرشح “فرنسا المتمردة” يسرف في لعبها في شبابه؛ لذلك، لا وجود لديكتاتور يقمع في سورية، ولا لمقموعين يقاومونه، وإنما يوجد رئيس دولة، بشار الأسد، يقاوم مشروعات “خطوط نقل الغاز والنفط” التي يحاول الخارج فرضها.

لا يكترث ميلينشون بحقيقة عدم تشكل أدنى تصور عن مشروعات “خطوط نقل الغاز والنفط” تلك، ولنترك جانبًا عدم البدء ببنائها، فهو ما زال مصرًا على جوابه القاطع عن كل التساؤلات عن سورية. كنّا نأمل في أن يقدم مرشح رئاسي تحليلًا يرقى إلى مستوى القضية، خصوصًا بعد قصف خان شيخون والغارة الأميركية، بعدها بيومين، على الشعيرات. لكنه، على العكس تمامًا، ففي 9 نيسان/ أبريل، عند لقائه بآلاف الأشخاص القادمين للاستماع إليه في الميناء القديم في مرسيليا، أعاد ترديد “خطوط نقل الغاز والنفط”، على الرغم من “اتخاذ تلك الحروب، أحيانًا، الدين ذريعة.”

الدين “ذريعة”، والغاز واقع، تلك كانت خلاصة اختزال صراع الشعب السوري لنيل حريته. لكن في المقابل، اتخذ ميلينشون، خلال المناظرة الكبرى في 4 نيسان/ أبريل 2017، على عاتقه عناء تأكيد “وجوب الاعتناء بمدرسة شارل ديغول تعيسة الحظ في دمشق، ويجهد مواطنون أشقاء فرنسيون، بجهد مثير للإعجاب، في سبيل إبقائها على قيد الحياة.”  وللتذكير فحسب، لقد أغلقت فرنسا سفارتها في دمشق في آذار/ مارس 2012، ودعت، منطقيًا، مواطنيها لمغادرة البلاد، كذلك تحاول القنصلية الفرنسية في بيروت، حيث آلاف الفرنسيين الباقين هناك، على الرغم من كل ما يحصل في سورية. أما مدرسة شارل ديغول، القريبة جدًا من القصر الرئاسي، فتُدار من لجنة من آباء الطلاب، تحت الرعاية اللصيقة بنظام الأسد وأجهزته الأمنية. وإن كان ميلينشون ميالًا إلى إعادة العلاقات مع الديكتاتور السوري، فعليه أن يعلن بصراحة ذلك؛ عوضًا عن إعطائه الأولوية لـ “المدرسة تعيسة الحظ.”

لالتزام مارين لوبان بدعم بشار الأسد أفضلية؛ كونه واضحًا وعلنيًا، بينما يختبئ دعم جان لوك ميلينشون له وراء نظريات جيوبوليتيكية فارغة تُشعرنا بالسقم. لكن كليهما يرميان، في الواقع، بالشعب السوري في مزبلة التاريخ، وليس ذلك إلا بثمرة سياسة ثابتة ومدروسة من جانبهما، في الوقت الذي يتوقان فيه إلى قصر الإليزيه.

اسم المقالة الأصليLe Pen-Mélenchon, même combat en faveur de Bachar al-Assad
الكاتبجان بيير فيليو

Jean-Pierre Filiu

مكان وتاريخ النشرمدونة جريدة اللوموند، 16 نيسان/ أبريل 2017
رابط المقالةhttp://filiu.blog.lemonde.fr

/2017/04/16/le-pen-melenchon-meme-combat-en-faveur-de-bachar-al-assad/

ترجمةأنس عيسى




المصدر