أطفال سوريون يمسكون إرهابياً


ثلاثة صبية وفتاة، لا يتجاوز عمر أكبرهم التسع سنوات، وضعوا حجارة في أحد شوارع العاصمة السورية دمشق. كان إثنان منهم يمسكان بطرفي شريط بلاستيكي بهدف قطع الشارع، في انتظار مرور أي عابر ليطلبا منه الهويّة. إن كان يكبرهم، أنزلا الشريط، وإن كان في سنهما أو أصغر، هجما عليه لتفتيشه والصراخ في وجهه وضربه. مع ذلك، قد لا يسمحان له بالعبور.

وليس بعيداً عنهم، يتجمّع أطفال تراوح أعمارهم ما بين العاشرة والثانية عشرة، ما زالوا يرتدون الزي المدرسي، حول شاحنة محلية الصنع وصغيرة الحجم. أحدُهم يعتلي الشاحنة ويبدو أنه الأقوى جسدياً بينهم، يحمل عصاً بين يديه. يقول إن الدوشكا (رشاش من العيار الثقيل) جاهز، فيتوزّع البقية في الشارع، قبل مهاجمة طفل يمر بمحاذاتهم وإجباره على السير معهم إلى الشاحنة، قائلين “أمسكنا إرهابياً”. بعدها، ينزل الطفل الموجود فوق الشاحنة، ويستخدم العصا التي معه ويمرّرها على عنقه محاكياً مشاهد “الذبح”. ثمّ يضحكون ويطلقون سراحه وينتظرون مرور آخر.

في سورية، تختلف نظرة الأطفال إلى المستقبل، بحسب لمى، وهي مدرّسة في المرحلة الابتدائية. تقول لـ”العربي الجديد”: “قبل الحرب، كنّا نسأل الأطفال عمّا يريدون تحقيقه حين يكبرون، فيقولون إنهم يريدون أن يصيروا أطباء أو مهندسين أو محامين أو مدرسين وغير ذلك. في الوقت الحالي، تغيّرت أحلام الأطفال، وصار طبيعياً أن يخبرك طفل في السابعة من عمره أنه يريد أن يصبح رئيس حاجز، أو رامي دبابة، أو طياراً حربياً، وغيرها”.

تضيف لمى: “في مدرستي، بات مألوفاً أن يلعب الأطفال لعبة الجيش والمسلحين، وتستولي كل مجموعة على مساحة من باحة المدرسة، ثم تبدأ المعارك في ما بينهم. حين أراهم من بعيد، أستغرب كيف يمكن لأطفال في عمرهم أن يعلموا كل هذا عن المعارك. أرى أحدهم يرمي قنبلة يدوية ويقلد دوي انفجارها، وآخر يطلق النار من بندقية متخيلة ليسقط ثالث على الأرض”.

من جهته، يقول رياض، وهو مدرّس في إحدى المدارسة الابتدائية: “يعمد بعض الأطفال إلى إيذاء بعضهم بعضاً خلال اللعب، ولا يكاد يمرّ يوم من دون وقوع شجار تستخدم فيه السكاكين والعصي والجنازير المعدنية وغيرها”. يضيف: “في إحدى المرات، اكتشفنا أن طفلاً في الحادية عشرة من عمره قد وضع قنبلة يدوية في حقيبته تعود لوالده. لاحقاً، استطعنا أخذها واستدعينا ولي أمره، فحضرت والدته وأخبرتنا أن الوالد، الذي يقاتل مع إحدى الجهات، يسمح لأبنائه باللعب بالأسلحة التي تكون معه، بل يعلّمهم كيفية استخدامها، ويروي تفاصيل المعارك التي يخوضها”.

بدوره، يقول معالج نفسي إن العنف تحوّل إلى سمة عامة في المجتمع. فالسلاح منتشر في الشوارع، بالإضافة إلى المسلحين الذين يرهبون الناس، عدا عن كم العنف والتحريض عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي. اليوم، تجلس العائلة لتناول طعامها وهي تنظر إلى مشاهد القتل والدمار، وكأنه مشهد طبيعي، ما يجعل الطفل يألفه من دون فهم سبب ما يحدث، الأمر الذي سينعكس على سلوكه بشكل سلبي. ويرى أنّ “الحد من العنف ومعالجة آثاره يتطلب مشروعاً وطنياً وتطبيق برامج متكاملة تشمل الأسر والمدارس وجميع المؤسسات لعلاج انعكاسات العنف على المجتمع، وهذا مستحيل اليوم، ولا نعلم إلى متى يستمر”. ويحذّر من أنه “في سورية جيل مأزوم يتربى على العنف والتحريض ضد الآخر من دون أية قيم إنسانية”.

ولا يختلف المشهد في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة والإسلامية عن مناطق النظام، باستثناء أن الأطفال (في الأولى) يتعرضون لعنف أكبر جراء العمليات العسكرية والقصف الذي يعيشونه يومياً، بالإضافة إلى انقطاع عدد كبير منهم عن الدراسة. يقول البعض إن حال الأطفال في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يكاد يكون الأسوأ، إذ إن التنظيم يعمل بشكل ممنهج على تنشئة الأطفال على العنف، بعدما أغلق المدارس واستعاض عنها بـ”حفلات دعوية”، يعرض خلالها إصداراته المرئية المليئة بمشاهد القتل البشعة، ويستقطب الأطفال إلى معسكراته، حيث يتدربون على السلاح والقتل.

إلى ذلك، يقول المسؤول الإعلامي في مديرية تربية إدلب الحرة، مصطفى الحاج علي النيرب، لـ”العربي الجديد”، إن “هناك بعض الحوادث العنفية التي لا ندونها لمحدوديتها. وفي حال حصول خلافات، تحلّ من قبل مدرسي البلدة”. مع ذلك، يتحدّث عن بعض حالات العنف في المدارس.



صدى الشام