من ترامب إلى الأسد وجونغ أون… حوّل

23 أبريل، 2017

جبر الشوفي

لم يعد يشفع للنظام الكوري الشمالي الأكثر شذوذًا وإشكالية في العالم، تعويله على الحماية الصينية، ولا للنظام المتشبه به في دمشق، التعلّق بالحماية الروسية الإيرانية، بعد أن ضخّ ترامب دماء جديدة في رتابة اللعبة التقليدية التي تأرجحت طويلًا بين الخصوم الأيديولوجيين والاستراتيجيين تأزمًا ومهادنة في الساحة الدولية، فالنظام الكوري، الذي أسسه كيم إيل سونغ منذ سبعين عامًا، بعد الحرب العالمية الثانية، بدعم من السوفيات وحمايتهم، طوال مدة الحرب الباردة، مازال قائمًا، وما زال سجله يحفل بأسوأ سجل في حقوق الإنسان، وذلك -طبعًا- في ظل غياب سجل مجازر الثمانينيات لحافظ الأسد، ومجازر وريثه في ما بعد، بعدّ المورث الأب أسس نظامًا وظيفيًا، قدم خدماته الجليلة للأميركيين باسم مكافحة الإرهاب، وفي مواجهة صدام حسين، بينما ظلّ النظام الكوري مصدر إزعاج لهم، بذهابه إلى حشد الأسلحة الاستراتيجية والتجارب النووية، في مقابل الشطر الجنوبي ذي التابعية الأميركية العريقة.

سقط السوفييت وتراخي الدور الروسي، فانتقل النظام الكوري إلى ظل الحماية الصينية الكاملة، ولم يخرج عن رضى الروس طبعًا، فكلاهما الروس والصينيون تشاركا في حرب الكوريتين التي انتهت عام 1953  بدعم كامل لنظام بيونغ يانغ، وحتى الآن لا زالت تجمعهما الحسابات نفسها، تجاه نظام يحجب الوجود الأميركي في الشطر الجنوبي، ويعمل لمنع انتشار منظومة الصواريخ الأميركية في المنطقة، قرب حدود الصين، وبهذه الذريعةـ وفي ظلّ هذا الدعم والحماية، حوّل  كيم إيل سونغ وورثته من بعده النظام في بلدهم ومجمل الحياة إلى ثكنة عسكرية، طغت على كل مرافق الحياة وحولت المواطنين عبيدًا مرتهنين لضروراتها وضوابطها الأمنية الخارجة على أي قانون مدني حداثي، حتى بات الشماليون متوجسين مطاردين بالشبهة وبتهم الخيانة وعدم الولاء، ومتعظين برؤية المشانق والإعدامات والتغييب والمحاسبة على الهمسة والجلسة والنظرة، مما جعلهم يهضمون مجاعة التسعينات التي حصدت 800 ألف مواطنًا من دون أية احتجاجات تذكر، في ظلّ هيمنة شبح الإعدام لأتفه الأسباب، الذي تمّ توريثه بجدارة من الجد المؤسس (كيم إيل سونغ) إلى الوريث الأول (كيم جونغ إيل) ومن ثمّ إلى الحفيد الحالي (كيم جونغ أون) الذي تولّى العرش عام2011  بعد وفاة والده، وعمره لم يتجاوز 29 عامًا،  ويحظى برتبة فريق أول ويلقب (بالوريث العظيم) في الجيش الشعبي الكوري المصنف رابعًا بعدد أفراده عالميًا، ويمكننا -هنا- أن نلاحظ مدى التشابه الأيديولوجي والميديا ومنظومة التعليم وعسكرة البلاد مع نظام حافظ الأسد الذي كان معجبًا بكيم إيل سونغ، ونقل عنه كثيرًا من أساليبه في عسكرة البلاد، بدءًا بمنظمة طلائع البعث، وليس انتهاء بتحصين نظامه بالأجهزة الأمنية المتعددة المرهوبة، وتعليق الدستور، وتشريع الاعتقالات التعسفية، والتجاوز على حقوق الإنسان في ظلّ قوانين الطوارئ، وتوريث السلطة بكامل أركانها القمعية والإجرامية، ولم يكن مفاجئًا تهنئة بشار الأسد نظيره الشمالي بالذكرى105  لجده المؤسس، ولا تضامنه معه، ولا رسالتي الجواب من كيم أويل جون، بمناسبة ميلاد حزب البعث وعيد الجلاء، وما تضمنته من الإشادة بإنجازات بشار الأسد التاريخية، فكلّ منهما، من جهته ذنب فأر في مصيدة أميركية واحدة، وكلّ منهما يكابر ويتقاوى ادعاء!

إن تكن للسياسة مفاجآتها، فالإقلاع الصيني عن الدعم المطلق لحليفه الشمالي، وكذلك الإقلاع الأميركي عن سياسة التفرّج من بعيد على مقتلة الأسد، وكلاهما من منبع واحد، لم يعد مفاجئًا؛ لأنّ الحمقى “يقعون في الجبّ إذا لم يجلبوا الدبّ إلى كرمهم”، ولا أعتقد أننا بحاجة إلى التذكير بكل التصريحات الرسمية الصينية ولا الأميركية، بل إنّ التهديدات الصينية توجهت إلى حليفها، إذا ما تسبب باقتراب الصواريخ الأميركية من حدودها، أو بتلويث أجوائها بتكرار التجارب النووية، والاختبارات الصاروخية التي تلت تجربة منتصف نيسان/ إبريل 2017، حين زار مايك بنس نائب الرئيس ترامب كوريا الجنوبية، وأعلن من هناك انتهاء حقبة “الصبر الاستراتيجي” مع نظام بيونغ يانغ، ونبه إلى أنه من الأفضل لهذه “ألا تختبر عزيمة وقوة القوات المسلحة الأميركية في المنطقة” وكذلك هدد ترامب في حسابه على تويتر باتخاذ إجراءات أحادية ضد كوريا الشمالية، وذكّر بنس أن” الولايات المتحدة لن تتسامح فيما يتعلق بتلك الاختبارات” وردت بيونغ يانغ بالمزيد من المكابرة والتهديدات، فقد نقل موقع “B.B.C” عن نائب وزير خارجية كوريا الشمالية قوله: “سوف نجري مزيدًا من الاختبارات”.

وحدهما الشبيهان (كيم جونغ أون، وبشار الأسد) يجدان الفرصة في هذه الأوضاع فائقة الحساسية؛ للاحتفالات وتبادل رسائل التهنئة والتعاضد والمجاملات الفارغة، مكابرين متغافلين عن مصيدة ترامب المطبقة على ذنبيهما وأذناب حلفائهما، وحيث العالم يترقب بحذر وقلق، من من الأحمقين (كيم جون أوين) أم ( دونالد ترامب) يمكن أن يبدأ بالضغط على الأزرار النووية البالغة الخطورة، ليس في الأمر بدعة، فكل شبيه بشبيهه يقتدي، فكلاهما ورث الرئاسة متجاوزًا المؤهلات القانونية، وخارج كل الأعراف الدولية، وكل منهما ينطوي على فصام، يدفعه نحو المكابرة والتحدي، وكل منهما يخسر بما يرتكبه من مجازر وحماقات أقرب أصدقائه وداعميه، وكلً منهما في استعداد أن يبيد شعبه كاملًا، وأن يدمر بنى وطنه وكل إمكاناته البشرية والمادية، في سبيل أن يقهقه كالأبله أمام أعين الكاميرات؛ استهتارًا وشماتة بمقتل الأطفال المختنقين بغاز السارين، والمرشحين للموت في حمى الصراع على كرسي.

لذا؛ كان لا بدّ من عقلانية صينية، تصدر عن براغماتية سياسية، توقف هذا التهور، فتذهب إلى تهديد حليفتها بيونغ يانغ بالرد “بقوة لا مثيل لها” إذا مضت قدمًا في اختبار صاروخ بالستي عابر للقارات أو قنبلة نووية، وأنها ستقلص شحناتها النفطية إليها؛ ما يعني أنّ المحافظة على نظام بيونغ يانغ، لم يعد يتقدم عندها على كل شيء، وهو ما أكدته صحيفة (جلوبال تايمز) الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني، في الخامس من نيسان/ إبريل، بعنوان “خطّ الأساس” وأكدت فيه ضرورة تحقيق “أمن واستقرار” شمال الصين، وعدم السماح للتداعيات النووية الكورية بزعزعة استقرار المنطقة، وحذرت من أن “تنزلق إلى نوع من الاضطراب الذي يولّد تدفقًا كبيرًا للاجئين”، ولقد شعرت الصين بجدية ترامب في العمل بنصيحة أوباما له قبل توليه منصبه رسميًا، بالتركيز على كوريا الشمالية، وهي قابلة لأن تتجاوب مع تغريداته، التي تطالبها بفعل المزيد للسيطرة على كوريا الشمالية، وإلا فستتعرض مجموعة الشركات الصينية التي تيسر لكوريا الشمالية الإفلات من عقوبات الأمم المتحدة، إلى عقوبات اقتصادية مؤثرة.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

23 أبريل، 2017