روسيا تسعى لطمس جريمة “الكيماوي”.. وتفريغ محيط دمشق لا يتوقف
25 أبريل، 2017
بالتزامن مع استكمال المرحلة الأولى من اتفاق “المدن الأربع” بين إيران و”جيش الفتح” والذي قضى بإخلاء مناطق في محيط دمشق مقابل إخلاء بلدتي كفريا والفوعا المواليتين في ريف إدلب، صعدت قوات نظام الأسد والميليشيات المساندة لها، وبدعم جوي كثيف من الطيران الروسي، من عملياتها العسكرية في ثلاث مناطق رئيسة وهي ريف حماة الشمالي وريف حلب الشمالي الغربي وشرقي دمشق مع الغوطة، وذلك في إطار خططها لتثبيت سيطرتها في هذه المناطق وإبعاد قوات المعارضة عن مراكزها الرئيسة، فيما برزت توقعات بالنسبة لعملياتها في ريف حماة تشير إلى أن الهدف منها هو الوصول إلى مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي لتحقيق أهداف استراتيجية عدة، بينها طمس معالم جريمة استخدام الكيمياوي في المدينة.
وبعد معارك قوية، سيطرت قوات النظام والميليشيات على مناطق عدة بريف حماة الشمالي مدعومة بغطاء جوي روسي، وآخرها مدينة حلفايا، الويبدة، تل الناصرية، معسكر المطاحن وخربة السمان، وقبل ذلك على مدينة طيبة الإمام وقبلها على صوران، لتستعيد ليس كل المناطق التي خسرتها في المعارك الأخيرة وحسب، بل تلك التي تعود إلى المعركة التي سبقتها في آب من العام الماضي، والتي سميت “غزوة مروان حديد”.
وتواكب الطائرات الروسية هذه العمليات متّبعةً سياسة “الأرض المحروقة” عبر شنها عشرات غارات جوية بقنابل محرمة دولية على الأحياء السكنية ومواقع المقاتلين في ريف حماة الشمالي، بغية الضغط على الفصائل للانسحاب من مواقعها.
ويقول ناشطون إن روسيا طلبت من النظام والميليشيات الايرانية القيام بهجوم بري واسع يحقق، في أقصر وقت، هدفه بالسيطرة على مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، مهما كلف الثمن، وذلك بغية طمس معالم وأدلة عن الهجوم الكيمياوي، قبل تشكيل لجنة التحقيق الخاصة بالمجزرة الكيمياوية التي وقعت في المدينة بداية نيسان الجاري، والتي راح ضحيتها نحو مئة قتيل، معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 400 مصاب.
وهذه المخاوف دفعت بعض الفصائل العاملة في مدينة إدلب الى إعلان حالة النفير العام لمواجهة المخاطر المحتملة، وقال “جيش إدلب الحر” في بيان له إنه ” نظراً للظروف الراهنة التي تمر بها ثورتنا المباركة من خطر يهدد الأراضي المحررة، وحشد النظام آلاف المرتزقة من شتى بلدات العالم، نعلن نحن في جيش إدلب الحر عن النفير العام لصد عدوان قوات النظام المدعومة بميليشيات إرهابية، ودحرهِم”. ودعا جيش إدلب الحر إلى توحيد فصائل المعارضة جهودها والتنسيق فيما بينها لصد هجوم نظام الأسد على مناطق شتى تابعة للمعارضة.
البحث عن ثغرة
وتزامن الهجوم في ريف حماة الشمالي مع هجوم مماثل لقوات النظام على ريف حلب الشمالي الغربي، حيث تحاول التقدم على عدة محاور وسط قصف جوي ومدفعي وصاروخي يستهدف مجمل مدن وبلدات المنطقة مثل دارة عزة والأتارب وأورم الكبرى والمنصورة وعينجارة وكفرناها وخان العسل، إضافة إلى حي الراشدين وجبل شويحنة غربي مدينة حلب.
وقالت غرفة عمليات جمعية الزهراء إن فصائل المعارضة تصدت لمحاولة تقدم قوات النظام وميليشياته على عدة محاور شمالي غربي حلب، رغم القصف الجوي العنيف، الذي تشنه الطائرات الحربية الروسية، وأكدت الغرفة مقتل 25 عنصراً من قوات النظام خلال صد محاولة تقدم لها باتجاه منطقة شويحنة إضافة إلى تدمير دبابة من طراز T 72، كما أكدت صد محاولة تقدم أخرى لقوات النظام في منطقة جبل عندان وقتل 18 من عناصرها وجرح عشرات آخرين، فيما دارات اشتباكات بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام على جبهة الطامورة .
وتحاول قوات النظام والميليشيات التقدم من جهتي جبل عندان وجبل شويحنة بهدف فرض طوق عسكري على عدة مدن بريف حلب الشمالي مثل عندان، حيان، بيانون، معارة الأرتيق، وكفر حمرة، وفصلها عن ريف حلب الغربي، ومدينة إدلب.
ويقول قادة فصائل المعارضة في المنطقة إن حشودًا عسكريةً لقوات النظام والميليشيات تجمعت على الجبهة الجنوبية من ريف حلب الجنوبي وخاصة في مناطق الحاضر، أبو رويل، كفر عبيد، وتقابلها حشود عسكرية في الجبهات الغربية والشمالية بمدينة حلب، مشيرين إلى أسلوب جديد تتبعه قوات النظام وهو الضغط من عدة محاور، دون التركيز على جهة واحدة، وإنما البحث عن ثغرة للدخول منها.
كما تدور اشتباكات عنيفة بين قوات النظام وفصائل المعارضة في حيي القابون وتشرين بدمشق بالتزامن مع قصف مدفعي وجوي من جانب النظام والطائرات الروسية على المنطقة.
وتحاول قوات النظام التقدم من جهة البساتين تحت غطاء من القصف العنيف والذي شمل أيضاً على استهداف المنطقة بصواريخ أرض- أرض، وخراطيم متفجرة، فيما شنت الطائرات الحربية عشرات الغارات الجوية على حيي القابون وتشرين إضافة إلى بلدات الغوطة الشرقية مثل النشابية وحوش الصالحية في منطقة المرج.
تهجير
في الأثناء تم استكمال تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق “المدن الأربع”، ليُتِمّ النظام بذلك عملية تفريغ معظم مناطق محيط دمشق من مسلحي المعارضة وذويهم، ولم يبقَ أمامه سوى منطقة الغوطة الشرقية مع امتداداتها في شرقي العاصمة ومنطقة جنوب دمشق التي يسيطر على معظمها تنظيم الدولة “داعش”، وتعتبر ساقطة عسكرياً، وإن كانت قوات النظام تمتنع عن اقتحامها حتى الآن لأنها لا تشكل أية خطورة عليها من الناحية العسكرية، إضافة الى رغبة النظام في دوام الوضع الراهن بالنسبة لسكان هذه المناطق.
وفي إطار اتفاق “المدن الأربع” جرت عملية إخراج الدفعة الثانية من سكان ومقاتلي كفريا، الفوعة، الزبداني، مضايا، حيث وصلت الحافلات التي تقل ما تبقى من سكان ومقاتلي مدينتي الزبداني ومضايا وبعض بلدات القلمون إلى مناطق سيطرة قوات المعارضة في محافظة إدلب، مقابل وصول دفعة جديدة من سكان بلدتي كفريا والفوعة المواليتين إلى مناطق سيطرة قوات النظام في حلب.
وكانت عملية تبادل القافلتين تأجلت بسبب خلاف حول بند الإفراج عن الأسرى، حيث يماطل النظام في تنفيذ هذا البند الذي يقضي بالإفراج عن 750 معتقلاً من سجونه في هذه المرحلة، إضافة إلى عدد مماثل في المرحلة الثانية التي يفترض أن تبدأ مطلع الشهر المقبل، وتتضمن أيضاً إخلاء ما تبقى من مقاتلي وسكان كفريا والفوعة وبضع مئات من مقاتلي “هيئة تحرير الشام” في منطقة جنوب دمشق.
وبعد إفراج نظام الأسد عن الدفعة الأولى من المعتقلين بموجب هذا الاتفاق، أثير جدل في الساحة السورية حول نوعية المعتقلين المفرج عنهم، وعدم التزام النظام بالمعايير المتفق عليها مع الفصائل المفاوضة للنظام، وهو ما دفع بعض الناشطين إلى القول أن النظام خدع تلك الفصائل، وأطلق سراح أشخاص اعتقلهم للتو أو قبل شهرين على الأكثر، في حين لم يتم إطلاق سراح أي معتقل قديم ارتبط اعتقاله بنشاطه مناهض للنظام.
ويأتي هذا الاتفاق الذي ينص على إخراج قرابة 3000 شخص من مضايا والزبداني وبلودان إلى الشمال، مقابل إخراج كامل كفريا والفوعة على دفعتين، استكمالاً لاتفاقات مشابهة هذا العام والعام الماضي قضت بإخلاء الكثير من بلدات الريف الدمشقي التي كانت بحوزة المعارضة بدءاً من خروج سكان ومقاتلي مدينة درايا قرب دمشق في الشهر الثامن من العام الفائت، وصولاً إلى إخلاء قرى وادي بردى نهاية شهر كانون الثاني الماضي.
تعميم نموذج داريا
ويعتبر اتفاق داريا النموذج المعتمد لدى النظام، وقد جرى تعميميه على بقية المناطق مع بعض التعديلات الطفيفة التي تناسب هذه المنطقة أو تلك، وقد شكل هذا الاتفاق بداية الانهيار في صفوف جبهة المعارضة، حيث تبعته سلسلة لم تتوقف بعد من الاتفاقيات المماثلة والتي تعكس بدء ميل الكفة لصالح النظام في مجمل مناطق الريف الدمشقي، وهي اتفاقات متشابهة تتضمن ترحيل المقاتلين إلى محافظة إدلب في الشمال السوري، وأحياناً الأهالي أيضاً أو جزء منهم، مقابل فك الحصار، ووقف القصف على تلك المناطق.
والواقع أن الريف الدمشقي شكل منذ انطلاق الثورة السورية في ربيع 2011 مصدر قلق للنظام الذي يدرك أن أبناء هذا الريف لا يكنّون له كثيراً من الود بسبب ممارساته المتراكمة بحقهم خلال العقود الماضية، لجهة الاستيلاء على أراضيهم بحجج مختلفة، وإهمال مناطقهم وحرمانها من أبسط الخدمات، رغم أنها تشكل رئة دمشق ومصدر غذائها.
كما تحظى مناطق شرقي دمشق وجنوبها الشرقي باهتمام خاص من جانب إيران وحزب الله خاصة منطقة السيدة زينب وما حولها بحجة حماية مقام السيدة زينب هناك، وبهذه الذريعة، سيطرت المليشيات التي تدعمها إيران على كثير من البلدات المجاورة للسيدة زينب منها: شبعا، والذيابية، وحجيرة، والسبينة التي كان يعيش فيها مئات آلاف المواطنين، وأغلبهم من أبناء النازحين من الجولان المحتل والذين تم تهجيرهم، ولم يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، بعد نحو أربع سنوات من استعادة مناطقهم من جانب قوات النظام والمليشيات، وذلك في إطار ما يعتقد أنها سياسة تغيير ديمغرافي ممنهجة تقوم بها إيران وحزب الله بتواطؤ من سلطات النظام .
وهذه التراجعات في موقف قوات المعارضة شملت أيضاً الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها بشكل رئيسٍ فصيلا جيش الاسلام وفيلق الرحمن، واللذان عاشا حالة تنازع واقتتال لبعض الوقت ساعدت قوات النظام على تحقيق اختراقات متوالية في جبهات الغوطة حتى باتت اليوم على بعد نحو 2 كلم فقط من مدينة دوما كبرى مدن الغوطة، والمعقل الرئيس لجيش الإسلام.
وبدأ الخرق في نيسان من العام الماضي حين تمكنت قوات النظام من فصل القطاع الجنوبي في الغوطة والذي يضم عدة بلدات مثل (دير العصافير، زبدين، بالا، ركابية، حوش دوير، بياض) عن شماليّها، أي فصل المناطق الزراعية عن تلك الآهلة بالسكان، مما فاقمَ من محنة الحصار المفروض على الغوطة منذ 4 سنوات.
جنوب دمشق
وتشكل منطقة جنوب دمشق التي تضم بلدات الحجر الاسود والقدم وببيلا ويلدا وبيت سحم والتضامن إضافة الى مخيم اليرموك، والتي كان يقطنها قبل الثورة أكثر من مليون ونصف المليون شخص، تشكل نموذجاً حياً لسياسة التهجير السكاني، حيث إن معظم سكان هذه المناطق غادروها خلال السنوات الماضية بسبب الحصار التجويعي والقصف، ليقع بعضها تحت سيطرة تنظيم الدولة، ومناطق أخرى تحت سيطرة فصائل من الجيش الحر، لكنها جميعاً تمتاز بضعفها العسكري بسبب خضوعها للحصار المحكم منذ سنوات، ويستطيع النظام – لو أراد- اجتياحها عسكرياً بسهولة، لكنه يمتنع عن ذلك بهدف إبقاء الوضع السكاني على حاله، لأن استعادتها يفترض أن يتبعها عودة الأهالي وهم بمئات الآلاف، وهو ما لا يحبذه النظام الذي يريد مناطق خالية من السكان حتى لو كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش”، ما دام الأخير لا يشكل أية خطورة على النظام ولو كان على بعد 6 كلم فقط من مركز العاصمة دمشق.
وهذا ينطبق على مناطق شرقي دمشق المحيطة بالسيدة زينب التي تهيمن عليها إيران وحزب الله، ويمنع سكانها أيضاً من العودة اليها.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]