اللاجئون السوريون تحت ضغط القوانين الأوروبية.. مضطرون للخضوع لابتزاز حكومة النظام


عندما هرب محمد الخلف من سوريا وحصل على حق اللجوء في لوكسمبورج العام الماضي بقيت زوجته وأطفاله في الرقة معقل تنظيم "الدولة الإسلامية".

وتقدم الخلف بطلب لكي تلحق به أسرته عملاً بالحق الذي يمنحه له القانون الأوروبي في الحياة الأسرية. لكن المسؤولين في لوكسمبورج قالوا إن عليهم بادئ ذي بدء الاطلاع على جوازات سفر الأسرة ووثيقة معتمدة من حكومة بشار الأسد تثبت أن غفران زوجة الخلف ليس لها سجل جنائي.

وهذه معضلة تستعصي على الحل من وجهة نظر الخلف إذ يقول: "هم يحتاجون أوراقاً من النظام الذي هو طرف في الوضع المشكل الذي نهرب نحن منه في المقام الأول".

وتزداد هذه الاشتراطات شيوعاً. فبعد مرور ست سنوات على بدء الحرب السورية شهد عشرات الآلاف من الأسر السورية الساعية للم شمل أفرادها في أوروبا تعطل طلباتها لعدم وجود الوثائق التي تحتاجها الحكومات الأوروبية من حكومة الأسد.

وقالت عدة أسر منها عائلة الخلف إنها اضطرت من أجل الحصول على الوثائق المطلوبة إلى دفع سلسلة من الرشاوى بلغت ذروتها في دمشق.

وفي الظروف العادية تطلب كل دولة من الساعين لدخولها إبراز وثائق تثبت هويتهم. ويقول مسؤولون أوروبيون الآن إنهم يحتاجون الوثائق لأسباب أمنية وللحد من عمليات تهريب البشر. غير أن اللاجئين خاصة المحاصرين منهم في مناطق خاضعة لسيطرة "تنظيم الدولة" لا يمكنهم في كل الأحوال الحصول على الوثائق الحكومية.

وثائق مستحيلة

في عام 2014 وجد تقرير عن اللاجئين والمنفيين أصدره الصليب الأحمر والمجلس الأوروبي أن معظم الدول الأوروبية تشترط وثائق من الصعب على الأفراد الحصول عليها من دول مثل سوريا.

ومنذ ذلك الحين يطلب عدد أكبر من الدول وثائق أكثر لا أقل. ومن الوثائق المطلوبة جوازات السفر وشهادات الميلاد والزواج وإثباتات الوصاية على الصغار ووثائق تثبت أن أفراد الأسر كانوا يعيشون معاً في مكان واحد أو سجلات طبية جديدة. كما تطلب بعض الدول ترجمة موثقة قانونياً للوثائق.

وفي ألمانيا التي استقبلت من السوريين الساعين للجوء أكثر من أي بلد أوروبي آخر تقول برلين إن حوالي 26 ألف طلب سوري للم شمل أسر ليست جاهزة للبت فيها بسبب عدم وجود الوثائق المطلوبة.

وقالت محكمة ألمانية في ديسمبر/ كانون الأول إن حكومة الأسد التي تعاني من نقص السيولة المالية تستفيد على الأرجح من اشتراطات استصدار هذه الوثائق.

وأوضحت "سكا كيلر" الرئيسة المشاركة لتكتل الخضر/التحالف الأوروبي الحر في البرلمان الأوروبي "لم شمل الأسر حق من حقوق الإنسان. وهو يدفع اللاجئين إلى أحضان المهربين وإلى طرق محفوفة بالمخاطر إذا حدت الدول الأعضاء من احتمالات انضمامهم إلى آبائهم أو أطفالهم."

عوامل إنسانية

منذ بداية عام 2015 وصل ما لا يقل عن 89 ألفاً من أفراد الأسر السورية إلى ألمانيا والسويد والنمسا ولوكسمبورج وبلجيكا بمقتضى القواعد التي تسمح لمن حصل أو حصلت على وضع اللاجئ أن يجلب زوجته أو زوجها وأطفالهم الصغار.

ولا توجد بيانات مؤكدة عن عدد طالبي اللجوء الذين مازالوا يسعون للم شمل أسرهم في أوروبا لكن الاتجاه يتزايد لمنح السوريين "حماية ثانوية" بدلاً من وضع اللاجئ. وفي كثير من الأحيان يحد ذلك من حقهم في جلب أسرهم أو يقضي عليه تماماً. وحتى من يصبح مؤهلاً لجلب أسرته يواجه في أحيان كثيرة مشاكل في الحصول على الأوراق المطلوبة.

وهذا ما وجده الخلف. فقد طلبت لوكسمبورج ما يثبت صلات الأسرة على وجه الدقة وصورة موثقة من وثيقة السفر بالإضافة إلى شهادة بالسجل الجنائي لزوجة محمد.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في لوكسمبورج إنها تقبل الحلول البديلة إذا لم تكن الوثائق متاحة وتأخذ "في الاعتبار العوامل الإنسانية وفي الوقت نفسه تحترم بنود التشريعات المعنية".

وبحسب "أرنو رانتسنبرجر" المحامي في لوكسمبورج، الذي يمثل عائلة الخلف وعشرات من حالات لم شمل الأسر، إنه شهد تأخيراً منهجياً في كل حالة تعامل معها. ويضيف: "يطلبون وثائق من الصعب جداً توفيرها ويظل الملف معطلاً ما دمنا لم نقدم الوثائق."

وبينما كان الخلف يحاول إخراج زوجته من الرقة ألقى رجال "تنظيم الدولة" القبض عليها لرفعها طرف ثوبها أثناء السير في طريق فرعي تبلله الماء. ثم ضربوها لأنها كانت تستعمل عطراً. واستطاع الخلف تهريب العائلة عن طريق تركيا.

وكانت عائلة الخلف محظوظة. فقد سهل صديق سوري في أمستردام للخلف الاتصال بسمسار في دمشق. ومقابل 90 دولاراً جرى تحويلها من خلال وسترن يونيون أرسل هذا السمسار وثيقة تثبت أن الزوجة ليس لها سجل جنائي والتأم شمل الأسرة في ديسمبر/ كانون الأول.

عرض وطلب

أمام السوريين الفارين من الرقة طريق آخر إذ يمكنهم التوجه إلى دمشق على أمل الحصول على جوازات سفر بالسرعة الكافية لتقديمها إلى سفارة غربية.

وفي أوقات السلم كانت الرحلة من الرقة إلى دمشق تستغرق ست ساعات بالسيارة. أما في أواخر العام الماضي فقد استغرقت الرحلة خمسة أيام عبر أراض تسيطر عليها فصائل متحاربة ومسؤولون مرتشون عند نقاط التفتيش على امتداد الطريق.

وقالت أم سورية أخرى هربت بطفلتها الرضيعة من الرقة إن هذا الطريق بدا لها الخيار الوحيد. فقد أرادت حورية الأحمد اللحاق بزوجها يونس في النمسا وأصرت على السفر بالطرق القانونية. وقال مسؤولون في فيينا إن الزوجة البالغة من العمر 22 عاماً تحتاج لإثبات هويتها في السفارة السورية في بيروت. غير أنها لم يكن لديها جواز سفر.

وحاول المسؤولون النمساويون المساعدة فعرضوا إجراء تحاليل البصمة الوراثية (دي.إن.إيه) للأسرة. ويقول الصليب الأحمر إن هذا الخيار يستخدم في حالة من كل عشر حالات لطالبي اللجوء في النمسا. وتبلغ كلفة التحليل للفرد الواحد 200 يورو ترد للطالب إذا جاءت النتائج إيجابية. وبلغ إجمالي التكلفة المطلوبة لأسرة الأحمد 600 يورو.

وكانت التكلفة أكبر من إمكانيات الأسرة التي لم تكن تعلم أن من الممكن أن تسترد المال وقررت أن أفضل فرص أمام حورية تتمثل في السفر إلى دمشق.

وتقدمت الأسرة بطلبات للحصول على جوازات سفر بمساعدة صديق قديم من أيام الدراسة. وقال الصديق المحامي مالك الوردي إن جواز السفر العادي يتكلف 4800 ليرة سورية (تسعة دولارات). وقال إنه أخذ من أسرة الأحمد في العام الماضي ما يعادل 300 دولار مقابل جوازي سفر مضيفاً أن الرسوم ارتفعت ارتفاعاً حاداً، حيث قفزت إلى حوالي 400 دولار.

وامتنع المكتب الاتحادي للجوء في النمسا عن التعليق على حالات بعينها وقال إنه ليس لديه قواعد محددة فيما يتعلق بالوثائق المطلوبة. وقالت متحدثة باسمه "لابد من أن نتمكن من تحري الصلات الأسرية التي نتعامل معها وأوراق الهوية من المزايا في هذا الصدد." وبيّنت النمسا أن قواعدها تتماشى مع قانون الاتحاد الأوروبي. وعلمت أسرة الأحمد الشهر الماضي أن طلبها قبل.

الجري وراء الأوراق

أوصت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن تتحلى الدول "بالمرونة والإنسانية" عند التعامل مع مسألة لم شمل الأسر. وتقول التوجيهات الرسمية إنه يجب السماح لطالبي اللجوء بإثبات هويتهم بطرق أخرى من بينها المقابلات الشخصية وصور الأسرة وتسجيلات الفيديو.

وأوضح "توماس هدلستون" من جماعة سياسات الهجرة وهي مؤسسة بحثية يمثل الاتحاد الأوروبي مصدر التمويل الرئيسي لها: "لا يمكن رفض الطلبات من اللاجئين أو رفض استلامها أو فحصها على أساس عدم وجود الأدلة فقط. فهذا غير قانوني بمقتضى قانون الاتحاد الأوروبي."

كما امتنعت المفوضية الأوروبية عن التعليق على حالات بعينها مشيرة إلى تعليماتها في حالات لم شمل الأسر التي تقول إنه يجب أن يتضمن كل طلب دليلاً موثقاً يثبت أن المتقدمين لا يمثلون تهديداً للسياسة العامة أو للأمن العام.

وذكرت المفوضية أيضاً أن على الدول أن تأخذ في حسبانها أدلة أخرى بخلاف الوثائق. غير أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استحدثت اشتراطات وثائقية أكثر تشدداً.

فقد اتجهت قبرص في الآونة الأخيرة لطلب وثائق أصلية بدلاً من النسخ المصورة وفقاً لما ورد في قاعدة بيانات معلومات اللجوء التي تمولها منظمات أهلية تهتم باللاجئين والاتحاد الأوروبي. كما تطلب قبرص ترجمة الوثائق من خلال مكتب المعلومات العامة القبرصي إلى اللغة اليونانية أو اللغة الانجليزية.

وتشترط السلطات المجرية أن تختم كل الوثائق بخاتم رسمي من السلطات يؤكد أنها أصلية بالإضافة إلى خاتم رسمي من القنصلية المجرية. ولا بد من ترجمة جميع الوثائق إلى إحدى اللغتين الانجليزية أو المجرية.

أما إسبانيا فتطلب أيضاً إثباتاً بالوثائق أن المتقدم بالطلب وأقاربه الأكبر سناً عاشوا معاً في بلدهم الأصلي وأن الأسرة يعولها المتقدم بالطلب.

وتشترط بلجيكا تقديم شهادة طبية ومستخرج حديث من السجل الجنائي من البلد الأصلي للمتقدم بالطلب.

ويمكن للسوريين في أوروبا الذين يحصلون على موافقة على جلب أفراد في أسرهم الحصول على أوراق خاصة تسمح بسفرهم. غير أنه ليس من السهل الحصول على هذه الأوراق وهذا ما اكتشفته أسرة أخرى.

فقد ادخرت حياة الويس جزءاً من مرتبها الشهري البالغ 60 دولاراً من عملها في مقصف بمخيم للاجئين في الأردن لسداد مبلغ 195 دولاراً مقابل وثائق هوية عادية حتى تتمكن هي وأطفالها الثمانية من اللحاق بزوجها في النمسا في يناير/ كانون الثاني عام 2016.

ووافقت النمسا على استقبالهم لكن وثيقة الهوية لم تكن كافية بما يسمح لهم بركوب الطائرة.

وقال الصليب الأحمر إنه بعث بثلاث رسائل بالبريد الالكتروني إلى السفير النمساوي في عمان طالباً مساعدته بإصدار وثائق سفر للأسرة لكنه لم يتلق رداً. وامتنعت فيينا عن التعليق على تلك الحالة.

وفي النهاية جمعت الأسرة 3600 دولار من خلال قروض خاصة لسداد قيمة إصدار جوازات السفر من السفارة السورية في الأردن.




المصدر