يعيش معظمهم على دولار يومياً.. حقائق صادمة عن الواقع الاقتصادي للسوريين والأسد يمضي بالطبقة الوسطى إلى الزوال


علي الأمين - خاص السورية نت

تمثل الطبقة الوسطى صمام أمان للمجتمعات، وضامن رئيسي لإنتاجه، كما أن اتساعها يعد مؤشراً على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلدان، وعلى النقيض من ذلك فإن اضمحلال هذه الطبقة وغيابها يدلل على سياسات اقتصادية فاشلة، ومؤشر على انهيار الدولة.

ويطلق اسم الطبقة الوسطى على فئة المجتمع التي تقع في وسط الهرم الاجتماعي. وبحسب اصطلاح عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر فإن الطبقة الوسطى هي التي تأتي اقتصادياً واجتماعياً بين الطبقة العاملة والطبقة الغنية، وفقاً لما تشير إليه موسوعة ويكيبديا.

وتختلف مقاييس تحديد الطبقة المتوسطة باختلاف الثقافات. وعادة ما يعتبر اتساع حجم الطبقة الوسطى ورخاءها في المجتمع أمراً إيجابياً في بنية المجتمعات. لكن حال هذه الطبقة في سوريا يشير إلى أنها ماضية في طريقها إلى الزوار، بفعل السياسات الاقتصادية لنظام الأسد وعسكرة الاقتصاد.

وتدهور حال الطبقة الوسطى في سوريا بشكل متزايد خلال السنوات السبع الماضية، وعزز ذلك حالة الحرب التي دخلت فيها البلاد، وتضرر رؤوس الأموال وهجرة بعضها الآخر إلى خارج سوريا، فما الذي حصل لهذه الطبقة في سوريا؟

ارتفاع الأسعار

خلال 2009 أصدر "المكتب المركزي للإحصاء" التابع لنظام الأسد، دراسة حول إنفاق السوريين على السلع الغذائية وغير الغذائية شهرياً، وبلغ الرقم نحو 30 ألف ليرة سورية، في حين بلغ دخل الموظف في نظام الأسد حينها نحو 14 ألف ليرة.

وفي حال تم حساب المبلغ مع واقع العملة في سوريا حالياً، وارتفاع أسعار السلع أكثر من 10 أضعاف، فإن الأسرة تحتاج لأكثر من 300 ألف ليرة سورية شهريا،ً ومرد ذلك، أن الموظف درجة أولى لا يتجاوز دخله 40 ألف ليرة (نحو 75 دولار)، ومع افتراض أن الأسرة تمتلك موظفين درجة أولى فإن دخلها الشهري لن يتعدى 80 ألف ليرة سورية (نحو 150 دولار).

وكان الرئيس السابق لحكومة الأسد وائل الحلقي، أشار خلال 2014، أن إجمالي عدد العاملين في القطاع العام يصل إلى 2.5 مليون عامل، وعليه، لو افترضنا أن كل موظف لديه عائلة مكونة من خمس أشخاص فإن نحو 12 ملايين سورية دخلهم ضعيف جداً ولا يتجاوز دخلهم اليومي دولار واحد لكل فرد منها، ما يعني أن أكثر من نصف المجتمع السوري في الداخل يعانون فقراً مدقعاً، في حين يوجد فئات أخرى بلا عمل.

ذوبان الطبقة الوسطى 

وبحسب "تقرير مواجهة التشظي" للمركز السوري لبحوث السياسات، شهد 2015 تحولاً في السياسات الاقتصادية نحو المزيد من النيوليبرالية، من خلال الزيادة الكبيرة في أسعار الخبز والمواد الغذائية الأساسية، والمشتقات النفطية التي أنتجها نظام الأسد منذ 2014.

وعليه ارتفعت الأسعار وانهار سعر الصرف، بحيث لم يرافقها زيادة في مستوى الدخل، ما أثر على الواقع الاجتماعي بالدرجة الأولى كون مستوى الدخل بقي كما هو. ومع نهاية 2015 بات معظم السوريين يعيشون في حالة فقر، حيث أشارت تقديرات التقرير إلى أن معدل الفقر الإجمالي بلغ 85.2%، وقدرت نسبة من يعانون من الفقر شديد بحوالي 69.3%، وارتفعت نسبة الفقر المُدقع إلى 35.1%.

وخلال تلك الفترة كان سعر الصرف في سورية 344 ليرة للدولار الواحد، بينما الآن يتجاوز 555 ليرة، ما يعني أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير في جميع السلع. في حين لم يقدم نظام الأسد أي زيادة في مستوى الدخل في القطاع العام والخاص، ما يعني أن نسبة الفقر قد تجاوز 90% خلال 2017، وعليه فإن الطبقة الوسطى لم يبقّ لها باقية.

وبحسب التقرير، ارتفع معدل البطالة من 14.9% في 2011 إلى 52.9% في نهاية 2015، وبلغ عدد العاطلين عن العمل 2.91 مليون شخص، منهم 2.7 مليون فقدوا عملهم خلال الثورة، مما أدى لفقدان المصدر الرئيسي لدخل 13.8 مليون شخص.

ويعترف التقرير أن بعض فرص العمل، نتجت من التوسّع في اقتصاديات العنف، التي يُقدر أنها وظفت حوالي 17% من السكان النشيطين اقتصادياً. وجاء في التقرير أيضاً، أن من الآثار الاقتصادية، ازدياد تشظي الاقتصاد السوري، خلال العام 2015 عما كان عليه سابقاً.

وأرجع سبب ذلك إلى  "هيمنة قوى التسلط وقيامها ببناء كيانات اقتصادية مستقلة خاصة بكل منها، وتحويل الموارد لخدمة مصالحها وأهدافها، وتقديم الحوافز لأتباعها لضمان ولائهم على حساب احتياجات الناس وتطلعاتهم".

ولم يشير التقرير بشكل مباشر إلى هذه القوى، إلا أنه لا يمكن إغفال أن طبقة التجار المتحالفين مع نظام الأسد كان لهم اليد العليا من هذه السياسة ومنها تحالف محمد حمشو مع ماهر الأسد.

دور حافظ الأسد

كان حافظ الأسد عالماً بخفايا المجتمع السوري، وهو من أسس لهذا الفكر الاقتصادي السائد حالياً، ومن هنا يقول أحد التجار السوريين لـ"السورية نت" ساخراً: "كان الأسد الأب أهم من تعلم هرم ماسلو، واستطاع أن يفهم هرم ماسلو بطريقة توافق مع نظرياته، فجعل المواطن في سوريا يلهث خلف الحاجات الضرورية لبقائه، وبالتالي فإن قضايا مثل الحرية والعدالة والحقوق، لم يسمح بها لكثير من السوريين بالغنى، والتي قد تدفعهم إلى المطالبة بحقوق أكبر، بما يؤثر على مسار حكمه، أما فئة التجار فقد تحالف معهم بهدف تأمين حكمه، ومن خالفه فقد تم نفيه خارج سوريا".

و‫من الوسائل التي استخدمها نظام الأسد كي يضمن الولاء للنظام السياسي، والقضاء على الطبقة الوسطى، خلق "أخطبوطات" اقتصادية تعمل كمافيات وتجار حرب، وسابقاً لم يكن لأفراد هذه الكيانات الاقتصادية وجود يذكر، وكل ذلك على حساب الطبقة الوسطى.

كما ساهمت الاضطرابات وانهيار الاقتصاد بفرار عدد كبير من رؤوس الأموال التي شكلت عماد الطبقة الوسطى، فوجدت في أوروبا ملاذاً لها، وهو ما جعل تلك الطبقة في سوريا تمضي إلى مزيد من الاضمحلال، وبالتالي القضاء على تأثيرها في المجتمع.

ويشار إلى أن الأمم المتحدة، أصدرت دراسة خلال منتصف العام الماضي بينت أن 83.4% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، جراء الحرب التي تشهدها البلاد، وذلك مقارنة بـ28% في عام 2010.

وقالت الدراسة التي حملت عنوان "سوريا.. خمس سنوات في خضم الحرب" واشتركت في إعدادها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) مع جامعة سانت أندروز البريطانية، أن هناك 13.5 مليون شخص بينهم ستة ملايين طفل، بحاجة إلى مساعدة إنسانية في سوريا، وفق إحصاءات نهاية 2015، ومن بين هؤلاء أربعة ملايين يعيشون في دمشق وريفها ومحافظة حلب.




المصدر