‘سميرة مبيض: الحضور السياسي والاجتماعي المسيحي ضرورة سورية’
29 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
طارق أمين
تؤمن الكاتبة والباحثة الأكاديمية السورية سميرة مبيض أن “للمسيحيين مستقبل سياسي واجتماعي في سورية، على الرغم من كل محاولات النظام في زرع الشقاق بين مكونات المجتمع السوري؛ لأن الحل المستقبلي في سورية سيعتمد على مشاركة جميع المكونات في الحياة السياسية، ومنها المسيحيون، وعلى إعادة التوازن للحياة السياسية والاجتماعية”.
تضيف مبيض في حديث لـ (جيرون) أن “مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري في صياغة مستقبل البلد هو الكفيل بإنهاء الصراع؛ وبغير ذلك سيستمر انحراف المسارات نحو مزيدٍ من التطرف والتخندق، لذلك فالحضور السياسي والاجتماعي للمسيحيين ضرورةٌ وليس كماليات”.
وأشارت مبيض إلى أن “تحقيق ذلك يتطلب رغبة حقيقية- من جميع الأطراف- في الشراكة الوطنية مع المُختلف في الدين والثقافة، وأن هذا الشرط لم يتحقق بعد، إذ إنه يتطلب درجةً من الوعي الوطني، لم نبلغها في مجتمعنا، فقد وأد حُكم الأسدَين كلّ وعي وطني قبل أن يرى النور، وعملا دائبين على تقهقر الحالة الوطنية، وتحفيز النزعة الطائفية، عبر ربط الانتماء الطائفي بمميزات ومنافع على حساب مكونات المجتمع الأخرى”.
وعن الانقسام في المجتمع السوري الذي عززته الحرب، على مدى السنوات الست الماضية، أوضحت مبيّض أنه “ما زال بالإمكان التعايش بين مكونات المجتمع السوري، على أساس المصالح المشتركة، ووحدة المصير والمستقبل، وبناء الاستقرار والسلام المبني على أسس عادلة”.
ولفتت مبيض إلى “التأثير الخارجي في القضية السورية، إذ تحرّض كل جهة على إحداث الفتنة بما يخدم مصالحها؛ فتزيد من انقسام المجتمع السوري، كما تفعل إيران في سورية اليوم، حيث يستخدم النظام ذريعةَ الإرهابيين على شعبه لكسر المفهوم الوطني بين السوريين، ولكسب تعاطف الغرب للحفاظ على سلطته، ويندد بالتشدد الديني ويزرع الخوف، بينما يرتبط هو بميليشيات إيرانية تحمل فكرًا مذهبيًا متطرفًا، لا يقل خطورة عن تنظيمي (داعش والنصرة)”.
ركزت الكاتبة مبيض على “ضرورة محاسبة كل من أجرم بحق السوريين من جميع الأطراف، وذلك ليتمكن المجتمع في الخطوة التالية من إعادة بناء العلاقات الإنسانية بالحوار. وليستطيع تنمية الوعي والتغلب على الانتقام بالعدالة، وتمكين المفاهيم الوطنية، وخطوات الاستقرار والعدالة الاجتماعية؛ وغنيٌّ عن البيان أن ذلك لن يتم إلا بعودة الحياة المدنية والسياسية، وبلورة مفاهيم جديدة تلبي مطامح السوريين، وتعكس تنوع هوياتهم، فالإيمان بالتنوع عتبة للارتقاء وليس عائقًا له”.
ودعت الكاتبة إلى “عقد اجتماعي يُعيد إنتاج هوية وطنية، وإلى مشروع جامع للسورين، عبر اعتماد مبدأ المواطنة والتساوي أمام القانون من دون أي تفاضل ذي منشأ مذهبي ديني أو قومي، أسوة بالدول الحديثة، وإلى تعزيز العدالة الاجتماعية التي غابت عن المجتمع السوري بسبب سياسات نظام الأسد، واستخدامه للفكر الطائفي المذهبي لدعم سلطته، والتأسيس لأحزاب ومنظمات تطلق حياة سياسية ومدنية، تساهم في تمكين مفاهيم الديمقراطية والمواطنة، إضافةً إلى التأكيد على وحدة الأراضي السورية، واعتماد نظام إداري لا مركزي، لا يقوم على خلفية قومية أو مذهبية”.
وحول مخاوف الموقف المسيحي السوري مما يجري في سورية، والتغيير الديموغرافي الذي تسعى له إيران في دمشق خاصة وسورية عامة قالت مبيض: “يشكل التغيير الديموغرافي خطرًا على السوريين كلهم، ولا سيّما على المسيحيين منهم؛ بسبب عددهم المتناقص بشكل متسارع خلال الأعوام الماضية، إذ إنهم باتوا يشكلون نحو أربعة ونصف في المئة من الشعب السوري. وهم مهددون بالتهجير كليًا من سورية، وفراغ سورية منهم يعني خسارة كبيرة؛ إذ ستؤدي إلى تناقص التنوع في المنطقة، وزيادة في الاستقطاب المذهبي الذي تسعى له إيران في سورية”.
تضيف مبيض أن “التغيير الديمغرافي طال بشكل كبير المناطق ذات الغالبية السكانية المسيحية في دمشق والذي تخطط له إيران، وتحديدًا في أحياء دمشق القديمة، حيث تضيق على سكانها بالممارسات والسلوكيات الشاذة، البعيدة عن آداب وأخلاق الأهالي. ويدرك المسيحيون خطر الميليشيات الإيرانية التي تحارب تحت راية طائفية وقومية، ما يدفعهم للهجرة وترك المكان، من دون أن ننسى أن البعض يتمسك بالبقاء على الرغم من كل المضايقات”.
وأشارت إلى أن “التغيير، في الشمال السوري، يطال المسيحيين في الجزيرة السورية أيضاً ويهدف إلى تغيير الطابع الديموغرافي المتنوع في الشمال السوري لمصلحة “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وأهدافه باقتطاع أراض من شمال سورية، ويستخدم لتحقيق ذلك وسائل عديدة منها التضييق على حراك المجتمع المدني، أو تزوير الإحصاءات السكانية للمسيحيين هناك”.
وختمت الكاتبة حديثها لـ (جيرون) بأن أهم مخاوف المسيحيين في الوقت الحالي، تتجلى في حالة الانفلات للمجرمين وللمسلحين الطائفيين، والمتشددين الذين قدموا من خارج سورية، ممن لا يربطهم مع السوريين المسيحيين أي رابط وطني، أو اجتماعي، أو أخلاقي”.
كما يتخوف المسيحيون في المستقبل من “عدم وجود رؤية وطنية واضحة وثابتة، لدى من يتصدر المشهد السياسي من النظام، والمعارضة معًا، ويتخوفون -كباقي السوريين- من غياب العنصر الوطني بين صفوف من يتسود المشهد من المعارضة؛ إذ لم يرَ السوريون عامة والمسيحيون خاصة مَن يمثلهم، ويعكس صوتهم، ويرسم لهم الطريق بعد سقوط الأسد الذي عدّ كل من وقف في وجهه إرهابيًا.
سميرة مبيض كاتبة وباحثة أكاديمية سورية، حائزة على شهادة الدكتوراه في البيئة، ومحاضرة في جامعات جنوب باريس، ماجستير في الهندسة البيئية، ونائبة رئيس منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”.
[sociallocker] [/sociallocker]