الدفاعات الجوية الروسية في سوريا.. القبة الحديدية “المثقوبة”
3 مايو، 2017
“نشرنا منظومة تحكم متعددة المستويات في سوريا، تسمح لنا بالتحكم في المجال الجوي السوري كله”.. هذا ما قاله رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي الأربعاء، ولم تمضِ ساعاتِ على هذا التصريح حتى جدّدت الطائرات الإسرائيلية غاراتها على مواقع عسكرية تابعة لميليشيا حزب الله اللبناني قرب مطار دمشق الدولي، دون أن تحرّك المنظومة الروسية ساكناً.
وكانت منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس 300″ و”إس 400” بقيت لفترة طويلة تتصدّر عناوين الصحف وتجاذبات المحلّلين العسكريين، لتتحول إلى مصدر خوفٍ وضغط لتحصيل مكاسب سياسية.
غير أنه وبعد سنوات من وصول هذه المنظومة إلى المنطقة، لم تقم هذه الصواريخ إلّا بمهمّات مكّنت الدور السياسي لموسكو في سوريا وفي بعض الدول من جهة، وزادت الضغط على واشنطن وحلف الناتو من جهةٍ أخرى.
تكشف “صدى الشام” في هذا التقرير، كيف استخدمت روسيا صواريخ “سام” وبعدها صواريخ إس في سوريا، بطريقة تبقي منها الجهة المحتكرة لاستخدام هذه الأسلحة، إضافةً إلى محاولتها تسويق هذا المنتج العسكري في الشرق الأوسط على حساب الحلف الأمريكي وذلك ضمن أسواق السلاح التي تعتبر الأكثر منافسةً وربحيّة.
ولعل ما يميز “ظاهرة” توظيف صواريخ الدفاع الجوي الروسية – وفق الرؤى البوتينية – هو أنها أدت دوراً ردعياً حتى اليوم، ولم تقم بأي تصدٍّ للهجمات المعادية، ما يطرح الكثير من الأسئلة حول الجدوى والهدف منها.
تاريخ من الصفقات
يُعتبر بيع منظومات الدفاع الجوية الروسية إلى سوريا مسألة لها امتدادات تاريخية منذ عهد الأسد الأب الذي عقد الصفقات مع موسكو، وتاّسّست في عهده القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، كما اشترى آنذاك منظومة صواريخ “سام” التي تقسم إلى: دفاع جوي، وبعيد المدى، وتلك المحمولة على الكتف كصواريخ “كوبرا”، وأعقب ذلك وصول أنظمة الدفاع الجوي الحديثة من طراز إس 200 ثم 300 وصولاً إلى إس 400، التي دخلت إلى سوريا لكن بإدارة وإشراف روسي، وفقاً لما أوضّحه العقيد والمحلل العسكري حاتم الراوي.
وأضاف الراوي لـ صدى الشام أن صواريخ إس التي دخلت سوريا لا يستطيع النظام التصرّف بها.
وهذا الأمر أثبتته الوقائع وآخرها الضربة الإسرائيلية على محيط مطار دمشق الدولي والتي لفتت الانتباه مجدداً إلى عجز نظام الأسد عن استخدام الترسانة الدفاعية الروسية، رغم أن الإعلام يوحي بعكس ذلك ويحاول إعطاء انطباع بأن الروس حولوا سماء سوريا إلى “قبة حديدية”.
تطوير
أنتجت روسيا منظومة الدفاع الجوي “إس 400” في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ودخلت هذه الصواريخ إلى الخدمة في في الجيش الروسي في عام 2001، وهي من إنتاج شركة ألماز التي طوّرتها عن منظومة “إس 300”.
ويشير العقيد حاتم الراوي إلى أن “إس 400” يحمل المزايا ذاتها التي يحملها “إس 300” من حيث التصدّي للطيران والمدى والجاهزية، غير أن “إس 400” استطاع التفوق على سلفه بقدرته على إصابة الأهداف القادمة من ارتفاعاتٍ منخفضة.
ويشرح الراوي أن صاروخ “إس 300” كان بحاجة إلى الكثير من التعديلات، من ضمنها تسريع عملية تجهيزه التي كانت تستغرق ساعة كاملة لتصبح 5 دقائق فقط، موضحاً أنه لم يتم حل مشكلة إصابة الأهداف المنخفضة، وهو ما فعله “إس 400” المطوّر، والذي يتعامل مع أهداف ارتفاعها 15 متراً فقط.
وبيّن أن هذه المنظومة – من خلال الأرقام- غير قادرة دائماً على مواجهة المنظومات الأمريكية الهجومية، كون الأخيرة طوّرت منظومة الهجمات الملاحية على الصواريخ والطائرات، ليصبح الأمر “أشبه بمباراةٍ يتنافس فيها كلا الطرفين ليتمكّنا من تحقيق مزيدٍ من التطوّرات”.
ويمتلك نظام الأسد منظومة صواريخ من طراز “إس 200” كانت روسيا قد منحته إياها قبل اندلاع الثورة، ويُعتبر هذا الجيل من الصواريخ الوحيد من الترسانة الروسية الذي حصل عليه نظام الأسد بشكلٍ مباشر.
لا سلطة للنظام
على الرغم من كل هذه الأسلحة الروسية التي تم بيعها لنظام الأسد، سواء في عهد الأسد الأب أو الابن، غير أنه وبعد اندلاع الثورة السورية، والتدخّل الصريح لروسيا في البلاد في نهاية أيلول من عام 2015 ظلت هذه الترسانة بيد موسكو، ولم يستطع النظام استخدامها، نظراً لحصر ذلك بالجانب الروسي.
ولتدخل الضبّاط الروس في سوريا تاريخ طويل له مظاهر عدة، فيلفت “الراوي” إلى أنه قبل اندلاع الثورة بفترة طويلة كان يتم تخصيص ضابط روسي إلى جانب كل وحدة في الجيش السوري، وكانت مهمّته الرئيسة هي تقديم المشورة حيث يتم العودة إليه عند اتخاذ قراراتٍ تصعب على الضبّاط السوريين لكنه لم يكن له أي دور في صنع القرار.
وأضاف الراوي أنه بعد اندلاع الثورة وتدخّل روسيا العسكري، تحوّل هذا الضابط من مرجعية في مجال تقديم المشورة، إلى صاحب القرار الوحيد النافذ على الضبّاط السوريين وصاحب الأمر في تحريك القطع العسكرية واستخدام المعدّات والأسلحة والصواريخ وغيرها.
ولفت إلى أنه حتى الأسلحة القديمة كالصواريخ من طراز سام بات قرار استخدامها ضد الأهداف المعادية بيد الضبّاط الروس وليس السوريين، مؤكّداً أن نظام الأسد وقواته اليوم ليس لديها أي قدرة على اتخاذ قرار التصدّي للهجمات الجوية.
وأكد الراوي أن منظومة الدفاع الجوية السورية لا تعمل إلّا بإيعاز من الروس، أو بالتنسيق مع موسكو على أقل تقدير، وذلك خشيةً وقوع اشتباكٍ مع الطيران الإسرائيلي أو الأمريكي، وهو ما لا تريد روسيا له أن يحدث، لافتاً إلى أن هذا الأمر يُعطي إجابةً على تساؤل طرحه كثيرٌ من الموالين، عن سبب عدم تدخّل الدفاعات الجوية الروسية من طراز “إس 300″ و”إس 400” عندما قصفت الطائرات الإسرائيلي نقاطاً للأسد عدّة مرات، ثم عادت القطع البحرية الأمريكية لاستهداف قاعدة الشعيرات الجوية في ريف حمص.
ومن ضمن الأمثلة التي طرحها العقيد الراوي، أن روسيا كانت سابقاً قد باعت نظام الأسد، طائرات من طراز “ميغ 25” وهي من الطائرات الحربية الضخمة التي صنعتها روسيا، وتحمل كميات كبيرة من الوقود، ويوضّح الراوي أن هذه الطائرة كانت تحتاج لكي تقلع إلى 20 ليترًا من مادة تُضاف إلى الوقود الأساسي “الكيروسين” حيث كانت موسكو تعطي هذه المادة إلى النظام وفقاً لبرنامج الطائرة، بحيث تتحكّم روسيا بكل دقيقة طيران بـالـ “ميغ 25”.
ولفت إلى أن الخبرات السورية لم تتمكّن من استنساخ هذه المادة حتى الآن، وبقي تحرّكها رهناً بيد الروس.
ورقة سياسية
بعيداً عن سوريا، لا يقتصر استخدام روسيا لورقة منظومة صواريخ إس على “الردع” وتجارة السلاح بمعناها الواسع، بل إن هذه الصواريخ باتت وسيلة للعب على التناقضات الدولية ودعم الحضور الروسي في الساحة الدولية.
وتحاول روسيا حالياً استغلال التوتّر القائم بين الأتراك والاتحاد الأوروبي من جهة، وبين الأتراك والولايات المتحدة من جهة، لبيع أنقرة منظومة الدفاع الجوي “إس 400″، علماً أن تركيا عضو في حلف الناتو، الأمر الذي سيؤدي لتدهور العلاقة بين تركيا والناتو، فقد أعلن وزير الدفاع التركي فكري إيشيق مؤخراً، أن موسكو وأنقرة وصلتا إلى المرحلة النهائية من المفاوضات بشأن تزويد الجيش التركي بمنظومات “إس-400” الروسية للدفاع الجوي.
وقال إيشيق: “وصل العمل على موضوع إس-400 مرحلته النهائية، لكن ذلك لا يعني أن هناك استعداداً لإبرام العقد صباح يوم غد” لافتاً إلى أنه من الواضح أن تركيا بحاجة ضرورية إلى إس-400، ومع ذلك لم تقدم الدول الأعضاء في الناتو أي اقتراح مالي فعال بهذا الخصوص.
وكان رئيس شركة “روستيخ” الروسية، سيرغي تشيميزوف، قد أعلن، في آذار الماضي، أن تركيا في إطار المفاوضات حول شرائها منظومات “إس-400″، عبرت عن رغبتها في الحصول على قرض روسي لتمويل الصفقة.
وأشار تشيميزوف إلى أن المسألة لم تحسم بعد، إذ يجري الجانب التركي مفاوضات مع وزارة المالية الروسية حول حجم القرض المحتمل، مضيفا أن ذلك سيتم بعد التوقيع على عقود التوريد.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]