لا بوادر للحل في الغوطة… احتراب الفصائل يدخل يومه السادس
4 مايو، 2017
جيرون
تتواصل الاشتباكات بين فصائل الغوطة الشرقية في اليوم السادس على التوالي، من دون أن تبدو -حتى اللحظة- أي فرصة للمصالحة وإنهاء ملف الخلافات الفصائلية، ولا سيما أن العديد من ناشطي الغوطة الشرقية يؤكد أن ما يجري أبعد بكثير من مسألة الخلافات العقائدية بين مجموعة من الفصائل الإسلامية، ويرتبط بتداخلات إقليمية دولية، لها كثيرٌ من التأثير في الفصائل العسكرية، وما يحدث في الغوطة اليوم سيرسم -وفق رأيهم- الملامحَ السياسية والعسكرية لمستقبل العاصمة ومحيطها.
وفق المعلومات الواردة من الغوطة، فإن “جيش الإسلام” يسعى لإنهاء وجود (هيئة تحرير الشام) فرع (القاعدة) داخل مدن وبلدات المنطقة، واستطاع، بعد ساعات من الهجوم الذي شنه صباح الجمعة الماضي، السيطرةَ على عدة مناطق خاضعة لسيطرة (الهيئة وفيلق الرحمن)، ووصل إلى مدينة عربين، ويحاول دخول مدينة زملكا معقل قيادة الفيلق؛ ما أثار كثيرًا من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية التي يسعى الأول لتحقيقها من هذه العملية العسكرية.
يرى فيلق الرحمن أن (جيش الإسلام) اتخذ مسألة استئصال (هيئة تحرير الشام) ذريعةً لإنهاء كافة الفصائل وبسط سيطرته على كامل الغوطة الشرقية، مؤكدًا، عبر العديد من البيانات، أن “الجيش هاجم مقرات عديدة للفيلق واعتقل العشرات من عناصره إضافة إلى الاستحواذ على الأسلحة الموجودة في هذه المقرات”.
في حين يؤكد “جيش الإسلام” أنه والفيلق في خندق واحد، وطالب، عبر بياناته في الأيام الأخيرة، قيادةَ الفيلق بعدم حماية عناصر (الهيئة)، ورفع الغطاء عنهم، “تفاديًا لمضاعفات لا تُحمد عقباها” وفق تعبير الجيش، إلا أن المعطيات الميدانية تؤكد أن الجيش يسعى لما هو أبعد من استئصال (الهيئة) خاصة بعد الهجوم أمس على مدينة زملكا، وهي المعقل الأبرز لقيادة الفيلق، وأسفر ذلك الهجوم عن مقتل اثنين من أبرز القادة العسكريين للأخير، بينهم نائب القائد العام.
اللافت، خلال اليومين الماضيين، هو موقف المؤسسات المدنية والأهلية داخل الغوطة الشرقية، وقد عكس بشكل أو بآخر مدى الانقسام داخل تلك المؤسسات، وعلى الرغم من أن معظم تلك المؤسسات عدّت أن ما يجري اعتداء من “جيش الإسلام” وطالبته بوقف عملياته العسكرية والاحتكام للقضاء والانسحاب من المناطق التي دخلها بعد يوم الجمعة، إلا أن مؤسسات أخرى دعمت ما يفعله الجيش وطالبت الفيلق بالوقوف معه في معركة استئصال (هيئة تحرير الشام) من الغوطة.
وقال الناشط أحمد الدومي لـ (جيرون) “حتى اللحظة كل المؤشرات تقول إنه لا حلّ في الأفق، وجيش الإسلام أكد، عبر العديد من البيانات، أن قراره هو الحسم تجاه (هيئة تحرير الشام)؛ ويرى الفيلق أن هذه ذريعة لإنهاء وجوده في الغوطة. ما يحدث هو تعبير وتجسيد لأجندات سياسية متصارعة عبر الفصائل العسكرية في الداخل السوري، لا يمكن عزل ما يحدث الآن عما يُتداول من أنباء عن طروحات روسية لإنشاء مناطق آمنة بينها الغوطة الشرقية، بمعنى أن الروس وأطرافًا إقليمية دولية تريد طرفًا قويًا ورأسًا واحدًا لمثل هذه الترتيبات، وهذا ما يفعله جيش الإسلام الآن، الفيلق حاول العام الماضي بتحالف مع (حركة أحرار الشام) و(هيئة تحرير الشام) إنهاء (جيش الإسلام) أيضًا تماشيًا مع مشروعات سياسية، تريد التهدئة في محيط العاصمة ما يجعل قلبها آمنًا، بالتالي كل هذا المسلسل الدامي من الصراع الفصائلي يأتي في سياق ترتيب ملفات حلّ، يبدو أنه بدأ ينضج في أروقة السياسة الدولية”.
شعبيًا بدا الانقسام واضحًا في التظاهرات التي شهدتها الغوطة، منذ اندلاع المواجهات بين الفصائل العسكرية بداخلها، وهو ما يعدّه الناشطون أخطر ما يمكن أن تصل إليه مناطقهم؛ لأنه سيهدد النسيج الاجتماعي المتداخل للغوطة، ولا سيّما أن المشهد لم يقتصر على التظاهرات التي طالبت جيش الإسلام بوقف هجومه، فردّ الأخير بإطلاق الرصاص الحي عليها ما أسفر عن شهداء وجرحى بين المتظاهرين، بل خرجت تظاهرات أخرى دعمت ما يفعله الأخير وطالبت الفيلق بالانضمام إلى العملية العسكرية ضد (هيئة تحرير الشام).
وحذر أبو محمد الدمشقي من “نقل الخلاف للحواضن الاجتماعية، وخلق اشتباك شعبي في الشارع؛ ما يهدد النسيج الاجتماعي للغوطة، ويقتل أيّ أملٍ بإنهاء هذا الملف الدامي، وهنا تقع مسؤولية كبيرة على إعلاميي الغوطة الشرقية بالتزام الحياد والموضوعية وعدم شحن الشارع، وعلى المؤسسات الأهلية والمدنية تحمّل مسؤوليتها في عدم نقل الخلاف إلى الشارع الغوطاني، وعلى وجهاء الغوطة التدخل –أيضًا- لتنحية الخلافات العائلية والمناطقية وحصر هذا الحراك باتجاه واحد وهو إنهاء الاقتتال الحاصل، إلى جانب العمل على معالجة ملف القتلى من الطرفين. أكثر من 200 قتيل هم من أبناء الغوطة، وفي حال عدم معالجة هذا الملف ستُخلق قنبلة موقوتة من الممكن أن تنفجر في أي وقت وتنهي الغوطة تمامًا”.
من جهة أخرى، يرى عدد من ناشطي الغوطة أن أحد أبزر أسباب الصراع المتواصل بين الفصائل، يكمن في الخلاف بينها على مصير الأحياء الشرقية للعاصمة، إذ تبادلت تلك الفصائل الاتهامات حول نيتها تسليم الأحياء للنظام، وضرب المؤازرات المتجهة من الغوطة إلى القابون، وهو ما يعيد إلى الأذهان سقوط مدينة المليحة في صيف 2014، إذ وُجهت حينئذٍ اتهامات لجيش الإسلام بالانسحاب من المعارك ضد قوات النظام وفتح معارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بينما اتهم جيش الإسلام (جبهة النصرة)، (هيئة التحرير الشام حاليًا) بالانسحاب وترك مواقعها ما سهل دخول النظام إلى المدينة.
في هذا السياق قال الدمشقي “بالتأكيد مصير الأحياء الشرقية للعاصمة جزءٌ من الصراع الدائر الآن بين الفصائل. هل هناك ترتيب معين في الخفاء لتسليم هذه الأحياء كما حصل العام الماضي في منطقة المرج، وقبله المليحة وغيرها؟ المعطيات على الأرض تشير إلى ذلك، أما اتهام فصيل معين بذلك فأعتقد أن هذا صعب، بعض الفصائل تذرعت بأن (جيش الإسلام) سيطر على الأنفاق بعد هجوم الجمعة الماضي ومنع المؤازرات من الوصول إلى القابون، من جهته اتهم جيش الإسلام الهيئةَ بضرب مؤازراته، والانسحاب من مواقعها في الأحياء الشرقية؛ ما سمح للنظام بالتقدم داخل حي القابون قبل أيام”.
[sociallocker] [/sociallocker]