سورية: مصالح روسيا والنظام تتحكم بحدود “مناطق التهدئة” –


تبدو المعركة المقبلة في أفق الصراع السوري متمحورة حول ترسيم خرائط مناطق تخفيف التوتر، التي أقرها مؤتمر أستانة 4، وحدد يوم الرابع من يونيو/حزيران المقبل موعداً لإنجاز هذه الخرائط من قبل الضامنين (روسيا وتركيا وإيران)، في ظل إجماع في صفوف المعارضة السورية على رفض مذكرة تفاهم أستانة، في الوقت الذي تبدو فيه خيارات المعارضة محدودة في تحديد هذه الخرائط مع تخوّفها من تقسيم على الأرض واقتتال داخلي في مناطقها.

ورأت المعارضة السورية في مذكرة أستانة بين الثلاثي الضامن لاتفاق التهدئة في سورية، مقدّمات لتكريس أمر واقع، ربما يفضي إلى تقسيم البلاد، مطالبة بأن يشمل الاتفاق كامل الجغرافيا السورية، محذرة من الأبعاد الخطيرة للاتفاق، ووصفته بأنه “غامض، وغير مشروع، وأنه أبرم بمنأى عن الشعب السوري”، في وقت تبدو فيه المعارضة عاجزة عن إيقاف تنفيذ الاتفاق الذي لم يلقَ دعماً من مجلس الأمن الدولي وهو ما يفقده شرعية دولية يحتاجها كي يتحوّل إلى اتفاق ملزم لأطراف النزاع في سورية.

وأكد وفد قوى المعارضة العسكرية في بيان أن الخرائط المنشورة لما سمّي بـ”مناطق تخفيف التوتر” ليست صحيحة، ولن تكون مقبولة، مؤكداً أنه لم يتفاوض في أستانة على خرائط، مجدداً رفضه لـ”مشاريع التقسيم”، وفق البيان. ونشرت وزارة الخارجية الروسية السبت نص اتفاق “خفض التصعيد” الذي يقضي بإقامة أربع مناطق آمنة في سورية لمدة ستة أشهر على الأقل “بهدف وضع نهاية فورية للعنف، وتحسين الحالة الإنسانية، وتهيئة الظروف الملائمة للنهوض بالتسوية السياسية للنزاع في الجمهورية العربية السورية”. ويقوم الاتفاق على إنشاء “مناطق تخفيف التصعيد” في محافظة إدلب وبعض أجزاء الجوار (محافظات اللاذقية، وحماة، وحلب)، وأجزاء معينة في شمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وبعض مناطق جنوب سورية (محافظتي درعا والقنيطرة). وأكد الاتفاق “أن إنشاء مناطق تخفيض التصعيد والخطوط الآمنة هو إجراء مؤقت، وستكون مدته في البداية 6 أشهر، وسيتم تمديده تلقائياً على أساس توافق الضامنين”.

وينص الاتفاق على وقف الأعمال العدائية بين الأطراف المتنازعة، بما في ذلك الضربات الجوية، وتوفير إمكانية وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان من دون معوقات، إضافة إلى خطوات أخرى تخص عودة اللاجئين، والنازحين “بصورة آمنة وطوعية”. كما يدعو الاتفاق إلى “اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواصلة القتال ضد داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي حددها مجلس الأمن الدولي داخل وخارج مناطق التصعيد”. كما ينص الاتفاق على أن “يقوم الضامنون باتخاذ الخطوات لإنجاز خرائط مناطق تخفيف التصعيد والمناطق الأمنية بحلول 4 يونيو/حزيران 2017، وكذلك فصل جماعات المعارضة المسلحة عن الجماعات الإرهابية”، وفق نص الاتفاق المنشور.

وأكد النقيب سعيد نقرش، وهو أحد أعضاء وفد المعارضة العسكرية، لـ”العربي الجديد”، رفض أي اتفاق “لا يحقق أهداف الثورة”، وفق قوله. ولكن لا تبدو المعارضة المسلحة في وضع يسمح لها بالتعبير عن رفضها للاتفاق على الأرض في ظل موافقة تركيا وهي أكبر داعمي المعارضة، على الاتفاق. ولا تبدو المعارضة في موقف يتيح لها تغيير بنود الاتفاق أو شروطه، وهي غير قادرة على مواجهة “الغضب الروسي” في ظل تفاهمات إقليمية أخرجت النظام والمعارضة من لعبة توزيع الغنائم على الجغرافيا السورية.

ولم تتضح بعد أبعاد الدور المنوط بالمعارضة السورية في مسألة تحديد الخرائط في مناطق “تخفيف التصعيد”، ولكن من الواضح أنه لن يكون للمعارضة دور فاعل في ذلك، في ظل رفضها الاتفاق برمته. ومنح الاتفاق الثلاثي، الضامنين حرية تحديد الخرائط والتي يُتخوّف أن تكون لصالح النظام، في ظل وجود الروس والإيرانيين كضامنين، خصوصاً في المناطق التي يعتبرها النظام مصدر تهديد له، وتحديداً في ريف حماة الشمالي وشرقي العاصمة دمشق.

ومن المتوقع أن يحاول النظام وحلفاؤه تقليص مناطق تخفيف التوتر للحد الأقصى، ليتم حصر قوات المعارضة السورية في مناطق ضيقة جغرافياً، مع إبقاء الباب مفتوحاً لاستهدافها من خلال ذريعة محاربة “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً)، وفصائل تابعة للمعارضة لم تدخل في اتفاق التهدئة، أو انسحبت منه بسبب الخروقات الكبيرة التي أفقدت اتفاق وقف إطلاق النار قيمته.
وباتت محافظة إدلب أكبر منطقة جغرافية تسيطر عليها المعارضة السورية، وتقدر مساحتها بنحو ستة آلاف كيلومتر مربع، وهي بيئة خصبة لاقتتال داخلي بسبب وجود “هيئة تحرير الشام” التي تشكل “جبهة تحرير الشام” (النصرة) ثقلها الرئيسي وهي رافضة لاتفاق التهدئة ومخرجات أستانة 4 التي دعت صراحة إلى مواصلة محاربتها مع تنظيمات أخرى مرتبطة بها.
ورفضت مصادر في وفد المعارضة إيضاح موقفها من مسألة وضع خرائط لمناطق تخفيض التوتر، مكتفية بالقول إنها ترفض الاتفاق برمته، ومن ثم لا علاقة لها بخرائط يضعها الثلاثي الضامن لاتفاق التهدئة.

كما أكد مصدر في وفد قوى المعارضة العسكري أن اتفاق أستانة 4 “لن يمر قبل خروج المليشيات الإيرانية من سورية”، موضحاً في حديث مع “العربي الجديد” أن هذه المسألة “جوهرية لدى الإدارة الأميركية، والروس يعلمون جيداً ذلك”، معرباً عن قناعته بأن زيارة الرئيس التركي طيب رجب أردوغان إلى واشنطن ستلقي بظلالها على اتفاق أستانة 4. وأشار المصدر إلى أن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية خلال هذا الشهر في أول زيارة خارجية له بعد توليه السلطة، “رسالة واضحة بأنه حان الوقت لإيقاف التمدد الإيراني في المنطقة وفي المقدمة سورية”، مشيراً إلى أن واشنطن “قادرة على قلب الطاولة وقت تشاء”، وفق المصدر. وأكد أن المعارضة تعوّل على الضامن التركي في عدم تحوّل اتفاق أستانة 4 إلى وسيلة لإضعاف المعارضة السورية، معرباً عن قناعته بأن أنقرة تملك أوراقاً مهمة على هذا الصعيد.

وفقدت المعارضة السورية خلال العام الماضي مواقع هامة كانت تسيطر عليها في مدينة حلب شمال سورية، وفي محيط العاصمة دمشق، وفي حمص، ومناطق أخرى، وباتت محصورة في مناطق في شمال غربي البلاد، ووسطها، وجنوبها، ومن ثم فقدت القدرة على تعديل معادلات الصراع. كما فقد النظام زمام المبادرة العسكرية والسياسية، وبات مجرد واجهة سياسية في ظل تحكّم موسكو وطهران بقراره، إذ لم يعد ضمن خياراته رفض اتفاقيات تعقدها روسيا وإيران عنه في المحافل الدولية.

ولم تولِ إدارة ترامب اهتماماً كبيراً باتفاق استانة 4، وهو ما يعطي المعارضة أملاً في تعديله أو الغائه، خصوصاً أن مجلس الأمن الدولي لم يعط الاتفاق شرعية دولية تمنحه قيمة قانونية، إذ تصر المعارضة على أن الاتفاق مخالف للمواثيق الدولية.

وأكدت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية أن الاتفاق “يفتقر إلى أدنى مقومات الشرعية”، مشيرة إلى أن مجلس الأمن “هو الجهة المفوضة برعاية أية مفاوضات معتبرة في القضية السورية”، مؤكدة أن أية تعهدات جانبية لن تجعل من دولة معادية للسوريين مثل إيران راعية أو ضامنة. وطالبت “الإدارة الأميركية ومجموعة أصدقاء سورية، والأشقاء العرب باتخاذ مواقف حاسمة تمنع تمرير مثل هذه الترتيبات غير الملزمة، وتدفع باتجاه تفعيل الوساطة الأممية للتوصل إلى حل سياسي وفق بيان جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة”، وفق بيان للهيئة.



صدى الشام