ريف حمص الشمالي ..صمودٌ محكومٌ بالحرب النفسية والتكهّنات


يتجه نظام الأسد إلى إكمال سيطرته على مدينة حمص لأول مرة منذ العام 2011، وذلك مع قرب انتهاء عمليات تهجير أهالي ومقاتلي حي الوعر؛ آخر الأحياء الباقية تحت سيطرة المعارضة في المدينة، ومع هذه المعطيات الجديدة يخشى أهالي ريف حمص الشمالي من اشتداد وتيرة الحصار المطبق عليهم وتصاعد العمليات العسكرية ضدهم لإجبارهم على توقيع اتفاق مماثل يضمن النظام من خلالها سيطرته بالكامل على محافظة حمص.

وخلال الأيام الأخيرة ألقت طائرات النظام منشورات على مدن الرستن وتلبيسة والحولة، خيّرت فيها المدنيين بين ما أسمته “طرد الإرهابيين” من مدنهم و”العودة لحضن الوطن”، وبين القتل والتدمير، هذا الأمر اعتبره الكثير من الأهالي ضغطاً نفسياً يمارس على سكان ريف حمص تمهيداً لتصعيد عسكري وشيك لإجبارهم على القبول بالتهجير.

ويأتي هذا التصعيد بالتزامن مع محاولات قوات النظام، المدعومة بميليشيات لبنانية وعراقية وبغطاء جوي روسي، لإطباق الحصار على كامل ريف حمص الشمالي وفصله عن ريف حماة، بهدف قطع شريان الحياة المتبقي لأكثر من ثلاثمئة ألف مدني.

ووسط كل هذه المعطيات تبرز تساؤلات حول قدرة فصائل المعارضة على التصدي لهذه الهجمات، والاستراتيجية المتبعة لمواجهة الحصار لا سيما مع تناقص المخزون الغذائي في هذه المناطق، واتهام بعض المتابعين للفصائل بالتقاعس وعدم الاستعداد لأية مواجهة عسكرية محتملة.

 

مخاوف واستعدادات

 الناشط الإعلامي في ريف حمص يعرب الدالي، كشف أن “بعضًا من مقاتلي مدينة الرستن ممن لا ينتمون لأي فصيل في المنطقة، قاموا قبل أيام قليلة بتدريبات عسكرية بأسلحتهم الفردية لرفع الجاهزية، وذلك في ظل عدم ثقة الناس الحالية بالفصائل”.

وأوضح الدالي في تصريحات لـ صدى الشام: “أن هؤلاء الشبان هم ممن خاضوا معارك التحرير الأولى، وجميعهم ترك الفصائل العسكرية وآثر العمل بشكل منفرد جراء حالة التشرذم وعدم الرضا عن فصائل المنطقة.”

ورأى الناشط أن تجارب الفصائل الأخيرة أثبتت عدم رغبتها في التحرير، وبالتالي فإن هناك إمكانية للتنازل مستقبلاً، والرضوخ لمطالب النظام خصوصاً في ظل توقف المعارك بضغوط خارجية، وهو الأمر الذي يشكل هاجساً للمدنيين.

وحول إمكانية تكرار سيناريو الأحياء القديمة وحي الوعر بحمص في مناطق الريف، قال الناشط إن “احتمال حدوث ذلك يبدو أمراً صعباً كون الحصار المطبق منذ خمس سنوات على الريف لم يؤدِّ لأية نتيجة، بسبب طبيعة المنطقة الزراعية وقدرة السكان على الاعتماد على الموارد المتوفرة”.

وعملياً، يرى الناشط أن قدرات الفصائل تفوق ما تم إنجازه حالياً على الأرض لاسيما مع نجاحاتها السابقة في تهديد مناطق يسيطر عليها النظام مثل الزارة وحربنفسه، وهي المعارك التي انتقل فيها مقاتلو ريف حمص الشمالي من الدفاع إلى الهجوم، وكانوا قادرين حينها على وصل ريف حمص بريف حماه، وفك الحصار، “لكن الأمر لم يكتمل بسبب ضغوط كبيرة حصلت حينها”، وفق قوله.

 

 

هدنة بضمانات دولية

 حفلت الأيام الماضية بالتكهنات والأقاويل بين أهالي الرستن حول مصير ريف حمص الشمالي، طبقاً لقول زياد شريتح، أحد سكان المدينة.

ولا تكمن الخشية، برأيه، من سقوط هذه المناطق عسكرياً بل “إن خوف السكان نابع من إمكانية وجود اتفاق دولي ومؤامرة لإفراغ المدن من المقاتلين، وقبول قادة الفصائل بذلك، وهو الأمرالذي تكرر في العديد من المناطق الأخرى”.

ويؤكد شريتح أن الناس عموماً يرفضون فكرة التهجير تحت أي ظرف، خصوصاً وأن الحديث يجري حالياً عن استكمال التحضيرات لإفراغ حمص من المعارضين لإقامة دولة طائفية ضمن خطة تقسيم يجري الحديث عنها.

ويعتقد شريتح أن إقرار هدنة بضمانات دولية قد يلقى قبولاً كبيراً، لا سيما إذا تضمنت بنوده فتح المعابر وإتاحة الفرصة للمدنيين للدخول والخروج.

وحول الصعوبات التي تواجه سكان ريف حمص الشمالي قال شريتح إن الوضع الإنساني والطبي هو أكبر تحدٍ خاصة مع فقدان بعض الحاجات الأساسية وندرة الطحين وهجرة الأطباء وفقدان بعض الأدوية، وأضاف ” كان لسيطرة النظام قبل عام على قرى في ريف حماه الجنوبي مثل جنان والجمقلية، بالغ الأثر على تدفق المحروقات والسكر والطحين، الأمر الذي ساهم في ارتفاع الأسعار بشكل كبير”.

 

 

استراتيجية عسكرية

 تسيطر المعارضة على المدن الكبرى في ريف حمص (الرستن ، تلبيسة، الحولة)، وخلال السنوات السابقة عمل النظام جاهداً للقضاء على الثورة عن طريق التفاوض والمصالحات وذلك لصعوبة التقدم عسكرياً، في ظل وجود فصائل تتمتع بمهارات وخبرات قتالية عالية في معارك الأراضي المفتوحة، من أبرزها (تجمع ألوية الإيمان بالله، فيلق حمص، لواء الحق، جبهة تحرير الشام، فيلق الشام، كتيبة شهداء البياضة، الكتيبة الخضراء، حركة تحرير حمص) وغيرها.

ويرى القائد في “فيلق حمص” أبو نزار الشيخاني، أن الفصائل العسكرية قادرة حالياً على المواجهة رغم حالة الحصار، مشيراً في حديثه لـ صدى الشام إلى أن الاستراتيجية المتبعة من قبل الفصائل في هذه المنطقة تعتمد على أسلوب الغارات المفاجئة التي تكبد النظام خسائر فادحة وتستنزف قدراته مثلما حدث في معارك طريق الخزانات وطريق السلمية وحاجز مريمين في الحولة.

وتؤمّن هذه الطريقة، بحسب الشيخاني، السلاح لمقاتلي المعارضة من خلال الغنائم، كما أنها تقلل من الخسائر البشرية في صفوف المقاتلين كونهم لا يضطرون للبقاء في مقرات ونقاط ثابتة.

ونفى الشيخاني أية نية للفصائل للتراجع وتسليم هذه المدن، مُرجعاً حالة اليأس التي يشعر بها المدنيون في المنطقة إلى “الضغوط النفسية التي يمارسها النظام عليهم، وبعض القنوات الإعلامية التي بدأت تبث شائعات هدفها إفقاد الناس الثقة بقدرة الفصائل على المواجهة”.

 

 

الوضع الإنساني

 لا يبدو ريف حمص حالياً مهدداً بـ “الجوع”، وفق ما يرى الناشط في المجال الإنساني محمد وردة، والذي شرح وضع السكان هناك لافتاً إلى أن “الأسعار حالياً متوسطة مع استمرار تدفق بعض المواد عبر النظام وعملائه، كما أن معظم السكان يعملون بالزراعة، ومخزون الوقود يكفي لشهر، وبالتوازي فإن “جهود بعض الجمعيات الإنسانية المتواجدة في ريف حمص ساهمت في وضع نظام عادل للأفران إذ لا يتعدى سعر ربطة الخبز 300 ليرة سورية، وتحصل كل عائلة مرتين أسبوعياً على الخبز المدعوم الذي لايتجاوز سعر ربطة الخبز فيه 100 ليرة”.

ويرى الناشط أن الخطر حالياً ليس عسكرياً بقدر ما هو إنساني، ويمكن التغلب على ذلك من خلال دعم القطاع الزراعي والحيواني، كما يمكن “دعم بعض المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يؤمّن فرص عمل للسكان يساعدهم على تأمين متطلبات حياتهم ويغنيهم عن مساعدات الجمعيات الخيرية القليلة”.

يشار إلى أن عدد سكان ريف حمص الشمالي يقارب 300 ألف نسمة معظمهم يعيش في مدينة الرستن وريفها؛ بعضهم نزح من مدينة حمص ومناطق مجاورة. وطبقاً لاتفاق أستانا الأخير فإن وقف التصعيد العسكري يشمل ريف حمص الشمالي، لكن عدداً كبيراً من المدنيين يُشكّكون بنجاح هذا الاتفاق ولا يعوّلون على التزام النظام بإنجاحه.



صدى الشام