مشهد العمالة السورية في الاقتصادات الموازية لدول اللجوء


علاء كيلاني

من دون احتجاجات مطلبية، كما يحدث في شوارع أوروبا. تتكيف العمالة السورية بصمت، مع ضعفها ووضعها الهش في دول اللجوء. على الرغم من مساعي الأمم المتحدة الحثيثة، لإحلال قيم العمل اللائق، ودفع أرباب العمل للامتثال لحقوق العمال المهاجرين والفئات الضعيفة، وتطبيق الاتفاقيات والمبادئ المتعلقة بعدم التمييز بمختلف أنواعه.

عدم وجود إحصاءات دقيقة، وتحليلات، لعدد العاملين في قطاع الاقتصاد الموازي، داخل الدول المجاورة لسورية “تركيا، الأردن، لبنان”. وهو القطاع الذي تفضله العمالة اللاجئة؛ بسبب توفيره فرص دخل غير مقيدة بتصاريح عمل رسمية. لا يقلل من حجم الضائقة التي تتعرض لها، وحجم البؤس الذي تعاني منه، في أعقاب خوضها تجارب قاسية “خارج رقابة الحكومات”، تندرج وفق معايير العمل الدولية، تحت عناوين العمل الجبري، وشبهة الاتجار بالبشر، والتمييز.

الميثاق العالمي لفرص العمل، ومنذ الإعلان عنه، يصر على أن توفر الحكومات الحماية الاجتماعية الملائمة لجميع العاملين، استناداً إلى أرضية الحماية الاجتماعية الأساسية، التي تشمل تقديم الرعاية الصحية وأمن الدخل لصالح المسنين والمعوقين وتوفير إعانات الطفل وأمن الدخل للعاطلين عن العمل والفقراء العاملين، مقترنة بالنظم العامة لضمان الاستخدام.

أما بالنسبة إلى كثيرين، فصدى المشهد ينذر بالأسوأ، ويربك تفاقمه الحالي سياسات الدول المعنية، وخططها، ليس فقط بالنسبة إلى تعزيز صمود مجتمعاتها المضيفة، وصمود اللاجئين، في آن معاً، بل لأن أوجه العجز في توفير العمل اللائق، ما تزال كما هي، وأن مستقبل العدالة الاجتماعية -كما يبدو- ما يزال بعيداً.

ما يتعدى واقع الأجور، ونوعية العمل، الذي قيدته قوائم طويلة من المهن المغلقة في وجه السوريين، دون استثناء. ذلك الوصف الذي أورده في وقت سابق تقرير الخارجية الأميركية عن ظاهرة الاتجار بالبشر، وخضوع العمالة السورية اللاجئة في الأردن لها، ولا سيّما أن الغالبية منها تعمل من دون وثائق شخصية وتصاريح رسمية، ما يجعلها -بحسب التقرير- فئة هشة عرضة للوقوع في هذه المصيدة.

وبشكل عام، لا تختلف أوضاع العاملين “من فئة اللاجئين” بين دولة وأخرى. فظواهر العمل القسري، والعمل غير اللائق، وتجاوز ساعات الدوام الوقت المتعارف عليه عالمياً، والتمييز بالأجور في مكان العمل الواحد، ينسحب انتشارها في الواقع على مجمل دول الإقليم، بصرف النظر عن محاولات بعض الحكومات تحسين وضع قطاع العمل لديها، بصورة نسبية.

وتقول “ليندا كلش” رئيسة مركز تمكين للدعم القانوني في الأردن: إن تجارب هؤلاء واحدة من حيث العمل القسري، والزواج القسري، والعبودية المنزلية، فيما يكون عمل الأطفال في الغالب، في القطاع الزراعي وصنع الملابس وقطاعات العمل المحلية. أضافت لـ جيرون: يتعرض العديد منهم لظروف العمل الجبري، ويعمل لساعات طويلة يصل بعضها إلى 16 ساعة يومياً، ويجبر على الاستمرار في العمل حتى بعد انتهاء المدة العقدية، كما يرغم بعضهم على التوقيع على شيكات كما في بعض الحالات في الأردن لإجبارهم على عدم ترك العمل، وقد يجبر بعضهم الآخر على التوقيع على أكثر من عقد لسنوات متتالية. وقد تصل هذه الحالات إلى الاتجار بالبشر، خاصة بين عاملات المنازل وعمال الزراعة الذين يتعرضون للخداع من حيث شروط العمل، إضافة إلى التهديد بسبب اليد العليا لصاحب العمل وسطوته عليهم. كما يعانون أيضاً من بعض الإساءات اللفظية والبدنية وأحياناً الجنسية.

منظمة العمل الدولية تدرك تماماً محدودية خيارات وهشاشة وضع العمالة اللاجئة، وعدم قدرة المساعدات الإنسانية على انتشالها من الفقر، ووجدت أنه يتعين عليها إلى جانب هذه المساعدات اعتماد منهجيةٍ تنموية، تولِّد نمواً اقتصادياً شاملاً وغنياً بفرص العمل. على اعتبار أن اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، بحاجةٍ إلى فرص عمل، ولكن ليس أي فرص، بل فرص عملٍ لائقة تبني قدرتهم على مواجهة الأزمات، وتستعيد سبل عيشهم وتحسنها، وتضمن لهم مستقبلاً منتجاً وهادفاً.

ولذلك تعمل بشكل حثيث مع الحكومة الأردنية، وتقدم لها المشورة على مستوى السياسات، بشأن إدخال إصلاحات على بيئة وإجراءات إصدار تصاريح العمل للسوريين. كما تنفذ في لبنان، مجموعة شاملة من مشاريع التعليم الفني والتدريب المهني، وتوفير مسارات عمل ملائمة لخريجي التعليم الفني والتدريب المهني في القطاعين المنظم وغير المنظم، يستفيد منها نحو 21000 سوري.

تشير تقديرات وزارة العمل الأردنية، إلى أن معدل النشاط الاقتصادي بين اللاجئين، يبلغ نحو 28 في المئة، أي نحو 218 ألف عامل تقريباً، لم يحصل منهم سوى 32 ألفاً “الرقم غير محدّث” على تصاريح عمل، في حين تؤكد دراسة صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إن عدد السوريين “غير المسجلين” في سوق العمل، يتجاوز 150 ألفاً.

فيما تذكر منظمة العمل الدولية من ناحيتها، أن قرابة ثلث اللاجئين السوريين، في سوق العمل اللبنانية، عاطلون عن العمل. وإن معظم اللاجئين العاملين يعانون من تدني الأجور ومن ظروف عمل قاسية، فضلاً عن أن 88 في المئة من اللاجئين يعملون في مهن متدنية أو متوسطة المهارة. ولا يتعدى عدد إجازات العمل الممنوحة لهم 1000 إجازة، على الرغم من أن عددهم نحو نصف مليون في لبنان.

أما الحكومة التركية، فتبدي اهتماماً ملحوظاً بأوضاع السوريين في سوق العمل، وتشدد بخلاف الأردن ولبنان، على ألا تقل رواتبهم عن الحد الأدنى الممنوح للمواطنين الأتراك، والذي يبلغ 1300 ليرة تركية، إضافةً إلى تحديدها ساعات عملهم بـ 8 ساعات. ومع أن عدد الذين منحوا إقامات عمل، ما يزال متواضعاً، إلا أن الحصول عليها من شأنه، كما تقول وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أن يضمن حقوقهم، ويمنحهم تأميناً صحياً، ويحميهم من الطرد المفاجئ.




المصدر