“الأسد” يُسفّه جنيف لصالح أستانا.. ويتمترس بوصم كل من يناهضه بالإرهاب


قبيل انعقاد الجولة السادسة من مفاوضات جنيف الخاصة بسوريا، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، وحضور الدول الفاعلة على الساحة السورية، انضم رئيس النظام في سوريا إلى جوقة التقليل من شأن مباحثات جنيف، لصالح ما يتم في أستانا من اتفاقات عرابها حلفاؤه الروس والإيرانيون، واصفاً جنيف بقوله “حتى الآن هو مجرد لقاء إعلامي، لا يوجد أي شيء حقيقي في كل لقاءات جنيف السابقة، ولا 0,1 بالمليون، حتى هذا الرقم غير موجود”.

وكان وزير خارجية نظام الأسد، وليد المعلم، عقد قبل أيام مؤتمراً صحفياً في دمشق، حمل توجهاً واضحاً لتقويض مسار جنيف التفاوضي لصالح مسار أستانا.

وذلك بالتزامن مع حراك روسي لشرعنة اتفاق أستانا4، عن طريق مشروع القرار الذي قدمته موسكو في مجلس الأمن والعمل على رسم خرائط جديدة لمناطق “خفض التوتر”، تضمن للنظام وروسيا، الحفاظ على مصالحهما العسكرية، والمضي في مخططات الضغط العسكري على المعارضة واستكمال عمليات التهجير.

وبدا الأسد في مقابلته مع قناة “او ان تي” البيلاروسية، التي نشرت يوم أمس الخميس، أنه يعلم حقيقة العملية في جنيف، حين قال “بالنسبة لجنيف،…عبارة عن عملية كانت تهدف بالأساس كي نذهب باتجاه تقديم تنازلات،… لا، أنا لن أقدم أي تنازل لسبب بسيط، لأنني لا أمتلك الوطن”، وهنا بدأ بوضع مبررات سبق أن كررها طوال سنوات الثورة السورية، رغم أن كل السوريين يعلمون أنه وقبله والده يقبُضون على البلاد منذ عشرات السنوات، وشعار “سوريا الأسد” هو أمر واقع وقول أحد أبرز ضباطه المدعو سهيل الحسن الملقب بـ”النمر” أن “الأسد هو سوريا” ليس بعيداً عن حقيقة تعامله مع سوريا، حيث قال إن “أي تنازلات على المستوى الوطني لا يملكها الرئيس، هذا بحاجة إلى قرار وطني، بحاجة إلى قرار شعبي، وهذا يكون من خلال الاستفتاء، كل ما يتعلق بالسيادة، بالمصالح الوطنية، بالدستور، بالاستقلالية، هذه الأمور لا يملكها الرئيس كي يتنازل عنها، أنا أتنازل عن أشياء شخصية”، ويعود هنا إلى مسألة الاستفتاءات الذي يعتبر النظام خبرة عريقة في إنجازها، والتي ضمن عبرها استمرار جثومه على صدر السوريين لعقود، مبرراً ذلك أنه خيار الشعب.

ولم يتراجع الأسد عن وصم كل من لا يرضخ لسطوته بالإرهاب، مخالفاً كل التصنيفات الدولية وحتى حليفته روسيا، فقال عن أستانا، “في أستانا الحوار كان مع المسلحين الإرهابيين ولكن برعاية روسية، وبمبادرة روسية…، تركيا هي الضامن للإرهابيين، وروسيا وإيران هما الضامنان للدولة الشرعية السورية…”، حسب قوله، معبراً عن حقيقة موقفه اتجاه مناطق تخفيف التصعيد، معتبراً كل المسلحين في تلك المناطق إما ارهابيين أو عصابات، قائلاً “هي مناطق فيها مزيج من مدنيين ومن إرهابيين، الإرهابيون مزيج من “النصرة” و”داعش” وغيرهما من التنظيمات الأخرى وبعض العصابات”.

وبدا رأس النظام المتهم بقتل نصف مليون سوري مهتمًا بمصير المدنيين، فأضاف “الهدف هو حماية المدنيين في هذه المناطق بالدرجة الأولى، الهدف الثاني هو إعطاء الفرصة لكل من يريد من المسلحين إجراء مصالحة مع الدولة كما حصل في مناطق أخرى، ليكون تخفيف الأعمال القتالية في هذه المناطق هو فرصة له ليقوم بتسوية وضعه مع الدولة، وتسليم السلاح مقابل العفو، وهي أيضاً فرصة لباقي المجموعات التي تريد أن تطرد الإرهابيين خاصة “داعش” و”النصرة” من هذه المناطق هي أيضاً فرصة لها للقيام بذلك، فهي لها أكثر من جانب، ولكن الجانب الأهم بالنسبة لنا مبدئياً هو تخفيف نزف الدماء في تلك المناطق ريثما تكون هناك خطوات سياسية محلية بيننا وبين المجموعات الموجودة”.

ويتحدث الأسد هنا وكأنه ما زال في عام 2011، وكأنه لم يفقد مساحات شاسعة من الأراضي، ومعظم قواته، وأصبحت العديد من الجهات تقاسمه القرار، بدءاً من الميليشيات العراقية وحزب الله اللبناني إلى إيران وروسيا، حيث ما زال يطرح على المناهضين له العفو مقابل الرضوخ، بل ويطلب منهم أيضا مقاتلة داعش والنصرة، ليعود لحضنه عقب 7 سنوات من الثورة.

لم يعرب الأسد في المقابلة عن تفاؤله بنجاح اتفاق “مناطق تخفيف التصعيد”، وإنْ حمّل المسؤولية “للدول الداعمة للإرهابيين” حسب وصفه، معتبراً أن “إعادة الوضع إلى الصفر، هذا احتمال كبير، وهذا ما حصل سابقاً”، كما تمنى أن “تكون هناك فرصة الآن لتلك الدول أن تعرف بأن أي تصعيد سيفشل، لأن القوات السورية ومعها القوات الروسية وبالدعم الإيراني ومعنا حزب الله سنقوم بضرب أي تحرك للإرهابيين عندما يحاولون خرق هذه الاتفاقية”.

ورأى معارض في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، أنه “لا يبدو من النظام وعلى رأسه الأسد، من تصريحاتهم إلى اليوم، أن لديهم الرغبة أو الجدية المطلوبة للوصول إلى حل سياسي في سوريا، فما زال يعتقد أنه قادر على تسويق وصفه للمعارضة السورية بالإرهاب، ليشرعن محاربتها والبقاء في السلطة”، مضيفًا “كما يحاول مع حلفائه الروس أن يظهر أستانا كمسار موازٍ لجينف، وهذا بعيد عن الحقيقة، حيث إن شرعية جنيف من الأمم المتحدة، أما أستانا ما زالت مبادرة من عدد صغير من الدول الفاعلة في الميداني السوري، ولم يتم تبنيها ولا تبني ما رشح عنها من الأمم المتحدة أو حتى مجلس الأمن”.

معرباً عن اعتقاده، بأن “النظام وحلفاءه ليسوا جاهزين إلى اليوم بالدخول في مفاوضات حقيقية للوصول إلى حل في سوريا، وذلك في ظل استمرار العقلية القمعية التي تقوم على فكرة إرضاخ المناهضين للنظام بقوة السلاح، بعيداً عن أي مسار سياسي يضمن وجود الديمقراطية والعدالة في سوريا المستقبل، وذلك في وقت ما تزال قوى كبرى غائبة عن لعب دورها الحقيقي في الساحة السورية وعلى رأسها أميريكا”.



صدى الشام