عندما تصر الثورة على عفويتها!

12 أيار (مايو - ماي)، 2017
4 minutes

منصور حسنو

طابَ لكثير من السوريين أن يصفوا انطلاقة الثورة بالعفوية؛ وكان الدافع لهذا الوصف هو الرد على النظام الذي نعت الثورة بالمؤامرة الخارجية والكونية المدبّرة لسورية مسبقًا. الثورة وإن انطلقت، من دون تخطيط مسبق ومحكم ومنظم في بداياتها، فإن من الخطأ الكبير الاستمرارَ في طريق العفوية.

يقول عالم الاجتماع إميل دوركايم: “تحتاج الثورات غالبًا إلى مجتمع شديد التنظيم والتلاحم حتى تنجح”. وهذا ما لا يُرى في الثورة السورية؛ إذ بقيت العفوية السمة الغالبة حتى على فصائل المعارضة السورية.

شُكّل كيانٌ مرادفٌ لجيش النظام، سُمّي “الدفاع الوطني”، في موازاة جيشٍ من المنشقين والمنضمين للعمل المسلح، سُمّي الجيش السوري الحر؛ وبمقارنة سريعة بين التشكيلين، نجد أن الأول له شعار واحد، ولباس واحد، وتراتبية معينة، وحقوق وواجبات محددة، وهو ما تقوم به وتفعله جميع الجيوش المنظمة في العالم التي ترتدي البدلة العسكرية، ومن المعروف، في علم النفس العسكري، أن البزة العسكرية الموحدة تعطي قوةً معنويةً لأفراد الجيش. مع بدايات تشكيل العمل المسلح لفصائل المعارضة، سواء في ريف اللاذقية أو في غيرها من الجبهات الساخنة في المناطق المحررة، أذكر أن بعض أفراد هذه الفصائل كان يشارك في أعمال قتالية مرتديًا قميصَه الداخلي الصيفي، ومنهم من كان يلبس حذاءً صيفيًا، لا يصلح لغير التنزه على رمال الشاطئ، كانوا لا يضعون خوذًا على الرأس؛ إذ إنّ كثيرًا منهم يعدّ أن وضعها جبنٌ أو هو كُفر بقدر الله.

لنفترض جدلًا أن التظاهرات كانت عفويةً، فهل يعني ذلك أن تكون المعارك عفوية؟ حدثني أحد الثوار أنه كان يضرب على حاجز للجيش، بقاذف مضاد الدبابات الكلاسيكي (آر بي جي) من مسافة خمسة كيلو متر!

كم حصدت المعارك العفوية من شباب الثورة؟ وكم اعتقلَ النظام من شباب تعاملوا بعفوية مع النظام، عندما استسهلوا التنقل ما بين المناطق المحررة الثائرة إلى مناطق النظام بذريعة أنهم مدنيون، وكأن النظام واستخباراته لا يملكون أي معلومة عمّا يجري في الأحياء الثائرة؟ لقد كانت العفوية في التصرف مهلكةً للثورة وللثوار.

مع الأسف، لم تكن العفوية سمةَ الشأن العسكري فحسب، بل طالت الشأن السياسي، فماذا يعني أن تقوم ثورة يمثلها مجلس وطني، ثم يطالب البعض بحلّه بعفوية أيضًا؟ وماذا يعني أن يخوض شعب ثورةً من أجل التحرر، ثم يفوز رئيس هيئة سياسية بالتزكية؟ هل في الثورات تزكية؟! هذه التزكية، تدل على عفوية سياسية ساذجة في زمنٍ، لا يحتمل إلا الجزم والحسم والتنظيم.

وهل سكوت الهيئة السياسية يومًا عن تنظيم مسلّحٍ، ينتمي للقاعدة وعدّه جزءًا من ثورة الشعب السوري إلا عفوية سياسية، تجتمع معها البراءة والبساطة السياسية كذلك؟

ربّما يمكننا القول إن القوى الخارجية رأت فينا هذه العفوية والارتجالية عسكريًا وسياسيًا فلم تُقم لنا وزنًا؛ بينما رأت في ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” جناحًا منضبطًا ومنظمًا، يمكن الاعتماد عليه في المشهد السوري.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]