يتحكم بالأخبار واختيار الضيوف وما ينبغي قوله.. تفاصيل عن سطوة القصر الجمهوري للأسد على وسائل إعلامه


علي الأمين - خاص السورية نت

يشكل القصر الجمهوري حالة متفردة في سوريا، منذ تولي آل الأسد للسلطة في ستينات القرن الماضي، وتمتد أذرعه لتصل إلى جميع المؤسسات التابعة للنظام، وعلى وحه الخصوص وزارة الإعلام، التي يسخرها نظام الأسد كأداة في حربه على المعارضة، ويستخدمها لتبرير ارتكاب عمليات القتل وجلب القوات الروسية والإيرانية والميليشيات الأجنبية لسوريا.

وبحسب معلومات موثوقة حصلت عليها "السورية نت" فإن القصر الجمهوري يبسط سيطرته الكاملة على وسائل الإعلام التابعة للنظام، ويرسم لها مساحة تحركها والمواضيع التي عليها تغطيتها وكيفية التعامل معها، لينحصر دور تلك الوسائل في تنفيذ القرارات لا أكثر.

رسم المشهد الإعلامي

ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "السورية نت" من مصادر إعلامية طلبت عدم الكشف عن هويتها خوفاً على سلامتها، فإن المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري يرتب خيوط المشهد الإعلامي لوسائل إعلام النظام. والمقصود بذلك المخطط الرئيسي لكيفية عرض نشرات الأخبار، والبرامج الحوارية السياسية، وبعض الضيوف الواجب عرضهم في تلك البرامج، والذين من المفترض أن يكونوا شديدي الولاء لنظام الأسد.

ومن بين أكثر الملفات التي يوليها القصر الجمهوري أهمية ويتدخل بشكل تفصيلي جدا في عرضها، هي المتعلقة بـ"المصالحات الوطنية" التي توقعها قوات النظام مع قوات المعارضة في بعض المناطق بسوريا، كخيار لتجنيب مناطق المعارضة مزيداً من المجاعة والقصف.

وتصل درجة التدخل في هذا الملف إلى أن المكتب الإعلامي في القصر يحدد ما اللقطات التي ينبغي بثها على وسائل إعلامه خلال عرض أحداث مصالحة ما، وتتعاون معه في ذلك الإدارة السياسية التابعة لجيش الأسد.

ولم تخلو الرياضة أيضاً من تدخلات القصر الجمهوري، فبحسب رصد أجرته "السورية نت" لوسائل الإعلام التابعة للنظام، فإن الأخيرة تجاهلت طيلة قرابة 3 سنوات أي خبر عن هداف الدوري السعودي، اللاعب السوري عمر السومة، والذي تضج مواقع الأخبار العربية بالحديث عنه، سيما وأنه رفع في إحدى المباريات علم الثورة السورية.

ولم تبدأ وسائل إعلام النظام بالحديث عنه، إلا عندما قال رئيس الاتحاد الرياضي العام اللواء موفق جمعة أن اللاعب السومة سيكون قريباً في صفوف منتخب النظام لكرة القدم خلال المباراة مع الصين في يونيو/ حزيران القادم، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء النظام "سانا".

تحديد المصطلحات

وبحسب مصادر متعددة من داخل التلفزيون الرسمي التابع للنظام، فإن دور "وزارة الإعلام" في نظام الأسد يتلخص في إرسال الأوامر المرسلة من القصر الجمهوري الرئاسي، أو الإدارة السياسية في جيش الأسد، أو المكتب الإعلامي في القيادة القومية لحزب البعث، إلى وسائل الإعلام الخاصة والحكومية.

فعلى سبيل المثال، يحدد المكتب الإعلامي بالقصر الجمهوري قائمة خاصة بالمصطلحات التي يجب استخدامها في وسائل إعلام النظام، وترتيب الأهمية في النشرات الإخبارية، بحسب ما أكد أحد المقربين من القصر الجمهوري لـ"السورية نت".

وترسل المصطلحات وكل ما يتعلق بالسياسة التحريرية من القصر الجمهوري إلى الوزارة كي تعمم على وسائل الإعلام، قبل أي حدث إعلامي أو مؤتمر هام كي يلتزموا بها.

ويؤكد ذلك، ما حدث قبل بداية مؤتمر أستانا، حيث حصلت "السورية نت" حينها على خطاب مكتوب أرسلته "وزارة الإعلام" في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى جميع وسائل الإعلام المساندة للأسد، وتضمن الخطاب توجيهات تدعو الصحفي إلى أن يقول عما يجري في أستانا أنه "اجتماع أستانا أو مؤتمر أستانا أو نقاشات أستانا، وليس مفاوضات ولا حوار".

وأصر الخطاب حينها على تسمية وفد المعارضة السورية بأنه "وفد الجماعات الإرهابية"، وأن يتم التركيز على أن  "الاجتماع يجري بضمان روسي – إيراني"، لافتاً إلى الإشارة على أن تركيا هي الجانب الضامن لـ"الجماعات الإرهابية". كما تضمنت التوجيهات أيضاً أن "الدولة السورية لا توقع مع الجانب التركي، وتعتبر تركيا دولة عدو ومحتلة للأراضي السورية، وأيديها ملطخة بالدم السوري".

وفي حال كان الحدث الذي ستغطيه وسائل إعلام النظام جديداً، فيجري التواصل مباشرة بين المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري ووسائل الإعلام، وهذا ما حدث حين بدأت وسائل الإعلام بتغطية الأزمة في اليمن، ففي البداية كان تذكر الجماعية المعارضة للرئيس عبد ربه منصور هادي باسم الحوثيين في قناة الإخبارية السورية، ليأتي الاتصال من داخل القصر الجمهوري مطالباً بتسميتها باسم جماعة "أنصار الله"، وذلك بحسب ما قاله صحفي يعمل في وسيلة تابعة للنظام لـ"السورية نت".

تلفيق الاتهامات

وبحسب المصادر نفسها، يطلع المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري على التقارير الميدانية قبل عرضها على المحطات. أما في حالة عرض من قبض عليهم نظام الأسد من منشقين أو معتقلين على أي محطة تلفزيونية، فإن التوجيهات بكيفية عرضهم، وتصويرهم، تأتي من خلال استدعاء أحد من المذيعين والمصورين لتنفيذ هذه العملية، ومنهم كريم الشيباني المعروف بقربة من القصر الجمهوري، وتوجيهه لهذا النوع من التقارير.

وكان من أشهر المقابلات التي أجراها الشيباني بأسلوب مهين، مع القائد السابق للواء الضباط الأحرار حسين الهرموش، والذي كان من أوائل الضباط المنشقين عن جيش الأسد.

وبحسب معلومات "السورية نت"، فإن بعض المراسلين يستدعون بشكل دوري إلى المكتب الإعلامي التابع للقصر الجمهوري، وكذلك إلى القيادة القومية في حزب البعث من أجل تجهيز تقارير عن المصالحات.

يشار إلى أنه في العام 2012، قال الصحافي السوري المنشق عن المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي في سوريا، عبدالله العمر: إن "تقارير تتعلق بالمنشقين تصل للأسد فور إعلان انشقاقهم، وتتضمن معلومات عنهم وعن المناطق التي يخدمون فيها ومن أين يتحدرون، ليحاك بعدها التضليل الإعلامي ويُلَبسوا التهم".

وأضاف حينها: "إن من يقود الإعلام في سوريا هو المكتب الصحافي في القصر الجمهوري وليس وزارة الإعلام التي لا تفعل  شيئا إلا بموافقة المكتب الصحافي". مشيراً إلى أن "تصوير التفجيرات بعد وقوعها كان يرتب داخل القصر الجمهوري.

وأوضح أيضاً أن كل اللقاءات والمقابلات المصورة التي يظهر فيها الأسد كانت عملية المونتاج الخاصة بها تتم داخل القصر ويتم تسليم الشريط جاهزا إلى المحطة.

اقرأ أيضا: ضارباً باتفاقية "خفض التصعيد" عرض الحائط.. النظام يحرق المحاصيل بريف حمص وخاصة القمح




المصدر