مصيبة
17 أيار (مايو - ماي)، 2017
فوزات رزق
حالة أم رباح لا ترضي هذه الأيام، لا أدري ماذا جرى لها، ما إن تراني حتى يكفهرّ وجهها وتغرق عيناها بالدمع، كأنني قد اقترفت بحقها ذنبًا. أصبحت مكتئبة دائمًا، وغارقة في الصمت. حاولت إخراجها من هذه الحالة، فمهما كان هي أم أولادي حتى ولو كانت “شبيحة”. فسألتها:
– خير يا أم رباح؟ على غير عادتك. كنت دائمًا تنقبين جلدي بدفاعك عن النظام. ماذا حدث؟ فأجابت ودمع العين يسبقها:
– مصيبة يا مسعود… مصيبة. قلت:
– كفّ الله الشر، ماذا جرى؟ هل جاءك خبر أحد أقاربك، لا سمح الله. أبوك… أمك… أحد أخوتك. فتنهّدت وقالت:
يا ليت!
– هل فقدت شيئًا من مصاغك؛ الأساور… العقد… الأقراط.
– يا ليت.
– إذن لا بدّ أن يكون قد حصل شيء في البيت من دون أن أدري.
– يا ليت! لو احترق البيت بما فيه لكان أهون عليّ.
– شغلت بالي يا مخلوقة، هل حدث شيء في مقام الرئاسة؟ انقلاب… انشقاقات في الأنساق العليا مثلًا.
– معاذ الله. إلا هذه يا مسعود، فال الله ولا فالك.
– فإذن ما الذي جعلك تضربين بوزًا طول ذراع ؟!
– الاتحاد النسائي يا مسعود.
خير؟ ما به الاتحاد النسائي؟
– حلّوه، يا مسعود، حلّوه.
– كيف يعني حلّوه؟
– يعني بح. لم يبق هناك اتحاد نسائي، بين عشية وضحاها اختفت الميزة الوحيدة التي منحتها الحركة التصحيحية المجيدة للمرأة السوية. ها هم اليوم يأخذون باليمين ما أعطوه بالشمال.
عندئذ قلت لها:
– على حد علمي أنت لم تكوني يومًا عضوًا في الاتحاد النسائي، فما الذي جعلك تتفجعين كل هذا التفجع، كأنك قد فقدت أعز الناس لديك.
– والله، يا مسعود، لو كانت رجلي مكسورة، لو كانت عيني مقلوعة، لما تألمت كما أتألم الآن. كما يقولون: “كلمة بير بتجر كثير”. اليوم الاتحاد النسائي، وغدًا اتحاد الشبيبة، وبعده اتحاد الفلاحين والعمال…
استغربت هذه اللهفة، مع أن أم رباح لم تكن تتعاطى السياسة من قبل، فقلت لها:
– دخيلك أم رباح! ماذا فعلت هذه المنظمات حتى تتباكي عليها؟ فأجابت أم رباح:
– تقول ماذا فعلت؟! ألا تعلم أنه لولا الاتحاد النسائي، لما كانت نجاح العطار في أعلى منصب، بعد منصب رئاسة الجمهورية. ولما رأيت هدية خلف عباس، تتسنم المقعد تحت قبة مجلس الشعب. لأول مرة في تاريخ سورية بعد زنوبيا ترتفع المرأة السورية إلى هذا المقام. بفضل الاتحاد النسائي؛ لمعت أسماء كثيرة في عالم السياسة والأدب والفن. خذ مثلًا بثينة شعبان وكولييت خوري وناديا خوست… ما كنت ترى أسماء هؤلاء لولا الاتحاد النسائي. لا أدري ماذا سيحلّ بالمرأة السورية بخاصة، والمرأة العربية على وجه العموم، بعد اختفاء الاتحاد النسائي. والخوف كل الخوف أن يصل الأمر إلى منظمة طلائع البعث، عند ذلك نكون في مصيبة ونغدو في اثنتين، قلت لها:
– أف…أف… أف. ولماذا كل هذا الهلع والخوف على منظمة الطلائع؟ قالت:
– تقول ذلك، وكأنك ساكن في المريخ. ألم تعش الظروف العصيبة التي عاشها القطر في أثناء اجتياح بيروت من قبل العدو الإسرائيلي.
وأخذت أم رباح تحدثني عن ذلك اليوم الذي خرجت فيه منظمة طلائع البعث، تندد باجتياح بيروت 1982، وتنال من أرئيل شارون، رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت: “عمم مدير المدرسة على التلاميذ أن يأتوا بلباس الطلائع الكامل. اصطف التلاميذ في باحة المدرسة، وقف المدير أمامهم وصاح:
– عهدنا. فرددت جموع الطلائع:
أن نتصدى للإمبريالية العالمية والصهيونية.
فصاح المدير مرة أخرى:
– وأن نسحق. فردد الطلائعيون:
– أداتهم المجرمة؛ عصابة الإخوان المسلمين العميلة.
بعد ذلك خرج الطلائعيون من المدرسة، لينضموا إلى جحافل الطلائعيين التي توافدت من جميع مدارس المدينة، في مسيرة باتجاه ساحة المحافظة، وهم يرددون:
يا شارون ويا سفاح الطلائع نزلت عالساح
ياشارون ويا سفاك طلائعنا بتتحداك
يا شارون سماع سماع كفّت عفشاتك ورجاع
وما إن وصل الحشد إلى ساحة المحافظة، حتى وجدوا المحافظ وأمين الفرع، وأمين فرع الطلائع في استقبالهم على شرفة المبنى، فحياهم الطلائعيون التحية الطلائعية:
أهلًا بيكن أهلًا بيكن طلائعنا بتحييكن
ثم صفقوا صفقة طلائعية ورددوا: نشكر… نشكر… نشكر”
حينما رأتني أم رباح أكاد أقع على الأرض من الضحك؛ خاطبتني باللهجة العامية:
– إنت شو هامك؟ لا خالتك قاتلتك، ولا جحشتك ضايعة.
[sociallocker] [/sociallocker]