‘“البدل الداخلي”.. بابٌ مُوصد أمام الحالمين بالخلاص من الخدمة العسكرية’
17 أيار (مايو - ماي)، 2017
شجون لا تنتهي تدور بين السوريين في مناطق النظام كلما أتوا على ذكر موضوع الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، متناقلين قصصاً يكاد بعضها يصلح لأن يكون جزءاً من فيلم سينمائي، فيما يقف المرء أمام بعضها حائراً؛ أيضحك أم يبكي، على قاعدة شر البلية ما يضحك.
في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، في ظل حكم نظام البعث، خدم كثير من السوريين بين 6 و7 سنوات بين إلزامي واحتياطي، مثلما يحدث اليوم مع جزء كبير من الشباب الذين ما يزالون يخدمون في صفوف قوات النظام منذ عام 2011، ويحلم من بقي منهم بالخلاص.
وبعيداً عن مدة الخدمة وإمكانية انتهائها فإن ما ميّز السنوات الأخيرة هو تعاظم حجم القهر الذي يعاني منه السوريون نتيجة تفشي الفساد في المؤسسة العسكرية بشكل فج منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي، حيث شاعت سرقة مخصصات المجندين، وتقاضي الرشوة لتحديد مكان الخدمة أو “تفييش” بعضهم من القطع العسكرية، فضلاً عن أخذ الإجازات التي لا تكون أقل من 3 أشهر خدمة ولا تتجاوز أسبوع، مقابل مبالغ مالية، كل ذلك جعل “المؤسسة العسكرية” عبارة عن بؤرة فساد لا أكثر في أعين السوريين، بالإضافة لكونها “مدرسة” إفساد وتدجين للشباب السوري.
“فرحة” لم تكتمل
لم يَغب عن السوريين، طوال العقود الماضية، التفكير في سبل التخلص من الخدمة العسكرية أو محاولة التخفيف من ضغطها، كالحصول على صفة “خدمات ثابتة” أي غير لائق للخدمة الميدانية، فيما لجأ آخرون للاكتفاء بتقديم الشهادة الابتدائية، كي يخدم برتبة مجند وهذا يسهل فرزه وتفييشه، ولكن الغالبية كانوا يضطرون للبحث عن فرصة سفر فالقانون يسمح للمغترب أن يدفع بدل مادي عن الخدمة عقب أربع سنوات من الغربة، وكان الأمل المتجدد بأن يقر النظام دفع البدل الداخلي، بحيث يدفع الشاب مبلغاً مالياً مقابل إعفائه من الخدمة، لكن كان النظام يتراجع في اللحظات الأخيرة، فهو يعلم أنه إن فتح هذا الباب فلن يبقى في قواته إلا القلة القليلة.
وهذا ما حدث مؤخراً، حيث نشرت العديد من وسائل الإعلام المقربة من النظام، نقلاً عن مصدر مسؤول، خبراً حول دراسة حكومة النظام لمسألة إقرار البدل الداخلي، الأمر الذي لاقى ترحيباً واسعاً وخاصة من السوريين المقيمين في المناطق المسيطر عليها من قبل النظام، ورافق ذلك بسيل من الانتقادات نتيجة تأخر هذه الخطوة، ما تسبب بهجرة عشرات آلاف الشباب، ليعيشوا بعيداً عن عائلاتهم ووطنهم، ليستقروا في دول الخارج ولتصبح عودتهم إلى وطنهم أمراً صعباً.
لكن كل هذه الأجواء والافتراضات المرافقة للخبر ذهبت أدراج الرياح بعد أن خرج رئيس حكومة النظام عماد خميس لينفي وجود أي دراسة خاصة بدفع بدل داخلي عن الخدمة العسكرية، قائلاً إن سوريا بحاجة لجميع أبنائها؛ وعاد رئيس الدائرة الوسيطة في مديرية التجنيد العامة العقيد الركن عماد إلياس، ليؤكد ما قاله خميس، وينفي كل ما شاع حول البدل الداخلي.
لكل “معاملة” سعرها
أبو جلال، رجل ستيني، قال لـ صدى الشام أنه “اشترى إقامة لابنه في لبنان بـ 1500 دولار أمريكي، وابنه الثاني مقيم في السودان، والآن يحاول أن يؤمن خروج ابنه”، ومما أثار استغراب أبو جلال تلقيه لنصيحة من شعبة التجنيد “أن يُسفّر ابنه خارج البلاد، وكأن النظام لا يريد أن يبقى أحدٌ إلا من يقاتل بين قواته”.
من جانبه، قال أبو علي، “سمسار” معاملات عسكرية، لـ صدى الشام، “إن الكثير من المطلوبين يحاولون التخلص من الخدمة العسكرية، خاصة في ظل الحرب الدائرة، وسوق الشباب دون تدريب وفي ظروف سيئة للقتال، ومقابل ذلك يجب دفع مبالغ كبيرة، فتأجيل لمدة عام يكلف نصف مليون ليرة، والإعفاء من الخدمة يكلف بين 3-10 مليون ليرة، وغالباً ما يكون الدفع بالدولار، وطبعاً يصدر قرار رسمي من وزارة الدفاع بأن الشاب غير لائق للخدمة العسكرية، فالأهالي اليوم يشترون حياة أبنائهم”.
تحت الإقامة الجبرية
من جهة ثانية يسعى العديد من الشباب للخروج بشكل غير نظامي من سوريا نتيجة عدم حصولهم على إذن سفر من شعب التجنيد، ويشير مصدر مطلع، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ صدى الشام “أن تكلفة إخراج شخص إلى لبنان تبلغ 3-4 آلاف دولار، أما إخراجه عن طريق إدلب الى تركيا فيكلف نحو ألفي دولار، لكن هذا الطريق أصبح غير مؤمّن بسبب التشديد التركي على الحدود”.
وشهدت الفترة الماضية خروج دعوات عديدة من المناطق التي يسيطر عليها النظام تطالب بوقف التجنيد الإجباري، وإن كانت هذه الدعوات خجولة بسبب التجييش الذي يعمل عليه النظام منذ سنوات إضافة إلى القبضة الأمنية على المدن إلا أنها تتوافق مع المزاج العام، وخاصة أن هناك عشرات آلاف الشباب يعيشون في مناطق النظام تحت ما يشبه الإقامة الجبرية، جراء امتناعهم عن الالتحاق بقوات النظام او ميليشياته.
وتفيد بعض المصادر المقربة من النظام أن هناك نحو 60 ألف شاب في الساحل السوري ممتنعون عن الخدمة، ونحو 40 ألف في السويداء.
وتكررت خلال الأسابيع الأخيرة حملات الاعتقال في طرطوس واللاذقية لسوق الشباب للقتال، في وقت يحاول النظام الاستعاضة عنهم بالميليشيات الموالية والإيرانية واللبنانية والعراقية وغيرها من الجنسيات للزج بهم في معاركه.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]