تكامل عربي في الغاز والقمح


اقترح السياسي المصري المعروف، عمرو موسى، إعادة بناء التعاون الاقتصادي العربي، على غرار ما جرى في بدايات الاتحاد الأوروبي. وهو يذكّرنا بأن البدايات في عام 1951 انطلقت من اتفاقية الصلب والفحم الحجري، إلى أن انتهت بالوحدة الاقتصادية الأوروبية.

أما الدول العربية، فقد بدأت بطموح الوحدة المعبّر عنه في ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945، والذي أفضى، بعد مرور أكثر من سبعين عاماً، إلى التمني بأن يعود حال التعاون والتماسك كما كان عليه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ويقول عمرو موسى: “دعونا نقلّد أوروبا، ونبدأ تعاوننا من جديد على أساس الغاز”. وأوضح أنه لا يصر على الغاز الطبيعي، بل طالب الاقتصاديين بأن يفكروا في الموضوع، وطلب مني شخصياً أن أفكر.

وبالعودة إلى موضوع الغاز، فإن المؤكد أن أهميته سوف تزداد كجزءٍ متنامي المساحة على خارطة الطاقة العالمية، ومن الواضح أن إنتاج الغاز واكتشافاته الجديدة يحمل وعداً كبيراً في الوطن العربي، وينطوي على احتمالات للنزاع والحرب، خصوصا بين الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط.

حروب ونزاعات بشرق المتوسط

وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، في شهر أبريل/نيسان هذا العام، فإن العرب ينتجون 15.5% من إنتاج الغاز العالمي، أو بزيادة 11.8% عن معدل الإنتاج في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

وكذلك، اكتشفت مصادر جديدة في السنوات الأخيرة في البحر المتوسط، ومنها على سبيل المثال، حقل ليفياتان الذي يقع ضمن المياه الإقليمية لإسرائيل، والذي اعتبر عام 2015 أكبر حقل في العالم. ولكن حقل ظهر الواقع في المياه الإقليمية المصرية، والذي اكتشفته شركة إيني (ENI) الإيطالية، تفوّق عليه.

واكتشف كذلك حقل أفرودايت جنوب جزيرة قبرص. وهنالك مخزونٌ كبيرٌ قرب شواطئ قطاع غزة، وآخر واقع ضمن المياه اللبنانية. ويكثر الحديث كذلك عن أن أكبر الحقول المتوسطية يقع في المياه الإقليمية السورية. ونظراً إلى قرب هذه الحقول من بعضها بعضا، وتداخلها في الأعماق تحت البحر، سوف تتعرّض المنطقة إلى نزاعاتٍ وقضايا كبيرة.

ويتداول باحثون وكتّاب كثيرون موضوع الصراع في المنطقة، وتأجيل الوصول إلى حلولٍ سياسية، إلى أن يتم الاتفاق بين جميع الفرقاء على تقسيم كعكة الغاز المتوسطية.

وبينما تعتمد دول عربية على صادرات الغاز إلى حد كبير، مثل قطر والجزائر، هنالك دولٌ أخرى لم تعر الموضوع اهتماماً كبيراً في السابق، مثل المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة، ولكنها بدأت تعطيه اهتماماً أكبر، وتعمل على استكشاف حقول غاز جديدة.

التكامل العربي وقوة منصات الغاز

للغاز بالطبع أسلوبٌ في البيع والتعاقد يختلف عن النفط، وذلك لأن نقله ينطوي على كلف عالية. فهو يتطلب تسييلاً، ثم إعادته إلى حالة الغاز، عند الوصول إلى بلد الاستيراد. ومن هنالك يتم نقله بشاحناتٍ خاصة أو بخطوط أنابيب. ولكن الطريقة الأسهل ضخّه على شكل غاز طبيعي عبر الأنابيب.

ولذلك، ستكتسب خطوط الأنابيب أهميةً خاصةً للدول المنتجة والشركات المصدرة للغاز الطبيعي ودول الترانزيت والدول المستوردة. ولكن ظروف نقل الغاز وإنتاجه تجعل من الأفضل للبائعين والمشترين توقيع عقودٍ طويلة الأجل، حيث تُحدد أسقف عليا ودنيا للكميات، ويتفق على مرجعيةٍ للأسعار، مثل سعر نفط برِنت (Brent).

وقد تتطوّر حصة العرب من مجموع إنتاج الغاز العالمي، لتصل إلى ما يوازي حصتهم من النفط، أي (25%) على الأقل من إنتاج العالم.

وإذا صح هذا، فإن من المنطقي أن يفكر العرب في أسلوبٍ لجعل الغاز واحداً من المنصّات الرئيسية نحو التكامل الاقتصادي العربي.

الصومعة رمز للتعاون

أما السلعة الثانية التي يجب التفكير فيها للتعاون العربي فهي القمح، وأذكر، في هذا المجال، أنه عندما حصلت هزة النفط الأولى في نهاية عام 1973، وارتفع سعر النفط خلال أشهر قليلة من حوالي 2.1 دولار للبرميل إلى أكثر من ثمانية دولارات، خرج شعار يقول “صاعٌ مقابل برميل”، أي أن الغرب يجب أن يردّ للعرب الصاع صاعين، عن طريق رفع أسعار القمح، ليصبح الصاع الواحد منه مساوياً في سعره برميل النفط.

والقمح الذي اشترى منه العرب قرابة 70 مليون طن عام 2016 مقابل 30 مليون طن عام 1990، ويشكل حوالي 65% من استهلاكهم السنوي، يجب أن يذكّر العرب بأهمية ما يواجهونه من تحدٍ في المستقبل.

فالعرب بالكاد يشكلون 5% من سكان العالم يستهلكون 20% من إنتاج القمح فيه. وهذه أيضاً قضيةٌ قد تشكل في أبعادها، سواء من زاوية استخدام الموارد المتمثلة في الأرض الزراعية، أو في المياه، تحدياً أساسياً يستحق الوقوف عنده.

مزيد من البعثرة والتشرذم

لا شك أن الغاز والقمح، الأول بمنصاته، والثاني بصوامعه، يمكن أن يشكلا الأساس لتكامل اقتصادي عربي نوعي. أما إذا بقي الحال على حاله في الدول المنتجة للغاز، خصوصا في البحر المتوسط، وفي الدول المؤهلة لإنتاج القمح والحبوب، خصوصا في المشرق العربي (سورية والعراق)، وفي شمال أفريقيا وشرقها (السودان والصومال)، فإن الوضع الاقتصادي العربي سيكون مرشّحاً لمزيد من البعثرة والتشرذم.

فكرة عمرو موسى جيدة، وأعتقد أن الصومعة والمنصة قد يشكلان رموزاً لتعاون إقليمي عربي يتجاوز الخلافات والحدود.



صدى الشام