(جيرون) تكشف رد وفد الهيئة على مقترح دي ميستورا المسحوب


صبحي فرنجية

خلط المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا الأوراقَ في جنيف هذه المرة بنفسه، خصوصًا بعد أن سحب مقترحَه حول آلية تشاورية؛ تمهد لصوغ دستور سوري جديد، في الوقت الذي قدمت المعارضة السورية إلى المبعوث ثلاثة اعتراضات، وسبعة أسئلة، وثلاث ملاحظات، إضافة إلى توصيات.

وقالت الهيئة، وفقًا للورقة التي حصلت عليها (جيرون) وتقدم صورًا عنها في هذه المادة: إن اقتراح دي ميستورا فيه “أوجه غامضة وغير واضحة المعالم، وتحتاج إلى توضيحات”، وتساءلت الهيئة، في ورقتها: إن كانت “كلمة الآلية التشاورية تعني وجود جسم ذي منهج عمل معين وثابت ووفق مرجعية، فما هو المستند الذي يستند إليه المبعوث الأممي في تشكيل هذه الآلية، من ناحية ولايته أو من ناحية دوره، كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة؟”.

كما اعترض الوفد على أنه لا يرى ترؤس مكتب المبعوث الأممي للآلية، والاكتفاء بدور الميسر أمرًا جيدًا، وعلى وجود خبراء فنيين من الدول المعنية لمراقبة ومساندة الآلية التشاورية، وعلى تسمية خبراء آخرين من خارج المعارضة المشاركة في جنيف.

وأكد الوفد، للمبعوث الأممي، التزامَه بالعملية السياسية التي دعت إليها الأمم المتحدة، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/ يونيو 2012، وأن أولويات العملية السياسية الآن هي وقف الجرائم المرتكبة في سورية، ولا سيّما استخدام الكيماوي، وبناء أفران حرق الجثث، والإسراع بتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة “وذلك طبقًا لما نصت عليه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي”.

إلا أن المبعوث الأممي فاجأ الأروقة في جنيف وسحب مقترحه أمس، محافظًا على تمسكه بتشكيل مجموعة لمناقشة الدستور؛ وهو ما رأته مصادر معارضة خطوة ثانية من المبعوث الأممي هذا السياق.

وقالت مصادر معارضة لـ (جيرون): إن من المرجح أن تكون واشنطن وراء سحب المبعوث الأممي لمقترحه، معللة ذلك بأن الأولى لا تريد لهذا المقترح أن يشتت سبر عملية التفاوض، وهو ما تتمناه روسيا التي باتت مقيدة، بعد التقارير المتتالية التي تدين نظام الأسد على ارتكابه جرائم ضد السوريين.

وأضافت المصادر: يبدو أن واشنطن تراقب بصمت ما يحصل في المفاوضات، لكن هناك مراحل تدفعها للتدخل، وإن بطريقة غير مباشرة، كي لا تسمح لموسكو بالسيطرة على كافة المفاتيح.

وفي السياق ذاته، قالت مرح بقاعي، مستشارة الهيئة العليا للمفاوضات في ملفي الأمن ومكافحة الإرهاب: إن “وفد المعارضة لن يقبل أبدًا أن تكون الأولوية لبحث الدستور، باعتبار أن مشكلتنا ليست دستورية على الإطلاق، كما أن هذه المهمة يتولاها الشعب السوري بعد تحقيق الانتقال السياسي المنشود”. وأضافت، في تصريحات صحفية، أنه “يحق لدي ميستورا أن يقدم من الأوراق ما يراه مناسبًا، ويحق لنا أن نقبل أو نرفض، فهو ليس وصيًا علينا، بل هو وسيط مع النظام”.

وقال رياض نعسان آغا، متحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات: إن “لوفد المعارضة ملاحظات على اقتراح دي ميستورا، ولا سيما من جهة إشارة الاقتراح إلى تنظيم الآلية الاستشارية لمؤتمر للحوار الوطني، وهو ما قد يعني تقويض مجمل العملية السياسية”. وأشار إلى أنه يخشى من أن “يكون دي ميستورا متأثرًا بالطروحات الروسية. وفد المعارضة سيقدم قبل نهاية هذه الجولة وثيقتين للمبعوث الدولي إلى سورية، تتعلق الأولى بحال المعتقلين في سجون النظام، والثانية بشأن رفض المعارضة أي دور لإيران في سورية”، وفق ما نقلت عنه (الشرق الأوسط).

روسيا لم تكن في حالة صمت، بل دعمت مقترح دي ميستورا، وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف: إن بلاده ترى “مبادرة دي ميستورا خطوة في الاتجاه الصحيح. المسائل المتعلقة بالدستور تعتبر موضوعاً يسمح لنا بالتعويل على دفع العملية السياسية إلى الأمام”. وأضاف أن “استحداث مثل هذه الآلية لا يتعارض مع استمرار المناقشات حول السلال الأربع المتفق عليها لجدول أعمال المفاوضات في جنيف؛ السلال الأربع ستبقى محورية”.

وكان المبعوث الأممي قد اقترح الآلية التشاورية، بعد دراسة أكثر تعمقًا للمسائل الدستورية والقانونية مع الأطراف السورية، من أجل ضمان الحيلولة دون وجود فراغ دستوري أو قانوني، في أي مرحلة خلال عملية الانتقال السياسي المتفاوض عليها، وستقوم هذه الآلية التشاورية بـ “تقديم الدعم للمباحثات السورية–السورية للمساعدة على تحقيق تقدم سريع مبني على أسس دستورية وقانونية صلبة ورؤى قانونية محددة”، في إطار بيان جنيف 1 كما اعتمده مجلس الأمن في القرارات: 2218 و2254 و2268 و2336.

وسيترأس هذه الآلية -وفق نص الوثيقة التي حصلت عليها (جيرون) أيضَا- مكتب المبعوث الخاص، مع ضمان حقّه بالاستعانة بعدد من الخبراء من مكتبه، ولها حرية التشاور بشكل منفصل مع خبراء قانونيين، تسميهم الحكومة والمعارضة، وتتشاور مع خبراء من المجتمع المدني، يختارهم مكتب المبعوث الأممي من غرفة دعم المجتمع المدني والمجموعة الاستشارية النسائية أو خبراء يقترحهم مكتبه، قد تعقد اجتماعات ما بين جولات المباحثات أو في أثناء المباحثات، وقد يستعين المبعوث الخاص بخبراء فنيين من الدول المعنية لمراقبة ومساندة عمل الآلية التشاورية؛ ما يعني أنه لا يحق للمعارضة السورية فرض أعضاء فيها، ما قد يعكس شكوكًا في نتائجها.

وتنص الوثيقة على ترأس مكتب المبعوث الخاص للهيئة التشاورية، وأن يستعين بخبراء المكتب، وأن يجري مشاورات مع عدد من الخبراء الذين تسميهم المعارضة والحكومة.

ما من شك في أن حكومة النظام ستسمي “خبراء” للدفع باتجاه تسوية سياسية على حساب العدالة، بينما تتمثل الأهداف المُعلنة للمعارضة بالقضاء على النظام الشمولي القائم على الاستبداد والفساد، وهذا لا يحققه إلا خبراء مهنيين مؤمنين بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبمبدأ سيادة القانون، وبتحقيق العدالة لجميع الضحايا، وبمحاسبة المجرمين بعيدًا عن الانتقائية والانتقام.




المصدر