حبوب منع الحمل والاقتصاد.. آثارها حفرت عميقاً بالمجتمع والحياة المهنية


يتفق الجميع على أن حبوب منع الحمل كان لها تبعات اجتماعية جمة. وهذا كان الهدف من وراء تلك الحبوب، حيث أرادت "مارغريت سانغر"، ناشطة تحديد النسل التي حثت العلماء على تطويرها، تحرير المرأة جنسياً واجتماعياً، لكي تصبح على قدم المساواة مع الرجل.

لكن حبوب منع الحمل لم تحدث ثورة اجتماعية فحسب، لكنها أحدثت ثورة اقتصادية أيضاً. فعلى مدى قرون، جرب الرجال والنساء جميع أنواع الوسائل غير الجذابة لمنع الحمل، لكن معدل فشل حبوب منع الحمل - مع الاستخدام النموذجي - لا تتجاوز ستة في المئة.

واعتمدت حبوب منع الحمل لأول مرة في الولايات المتحدة في عام1960 وفي غضون خمس سنوات فقط، كان ما يقرب من نصف النساء المتزوجات الراغبات في تحديد النسل يستخدمنها.

وبعد عشر سنوات من الموافقة على حبوب منع الحمل لأول مرة، بدأت ولاية أمريكية تلو الأخرى تسهل عملية حصول النساء العازبات على حبوب منع الحمل.

وفتحت الجامعات مراكز لتنظيم الأسرة. وبحلول منتصف السبعينيات من القرن الماضي، كانت حبوب منع الحمل هي الوسيلة الأكثر شعبية بأغلبية ساحقة بين النساء في عمر الثامنة عشرة والتاسعة عشرة في الولايات المتحدة.

لقد سمحت تلك الحبوب للنساء بالتحكم في خصوبتهن، وهو ما مكنهن من التركيز على حياتهن المهنية.

وقبل استخدام حبوب منع الحمل، لم يكن قضاء خمس سنوات أو أكثر للتخرج من كلية الطب أو الحقوق خياراً جيداً من حيث الوقت أو المال. ولكي تجني فوائد تلك التخصصات، كانت المرأة تحتاج إلى تأجيل الإنجاب حتى تصل لسن الثلاثين على الأقل.

وكان إنجاب طفل في وقت خاطئ يهدد بعرقلة دراسة الأم أو تأخير تقدمها المهني.

تأجيل الزواج

قبل حبوب منع الحمل، كان الناس يتزوجون في سن أصغر. وكانت المرأة التي تقرر الامتناع عن ممارسة الجنس للتركيز على حياتها المهنية تعثر على زوج وهي في سن الثلاثين، وهو ما كان يعني أن الرجال المناسبين كانوا قد تزوجوا بالفعل.

لكن حبوب منع الحمل غيرت كل ذلك، كما غيرت الحبوب نمط الزواج كله، فبدأ الجميع يتزوج في سن متأخرة، حتى النساء اللائي لا يستخدمن حبوب منع الحمل.

وتأخر إنجاب الأطفال، وبات الإنجاب يحدث في الوقت الذي تختاره المرأة. وهذا يعني أن المرأة أصبح لديها الوقت الكافي للاهتمام بحياتها المهنية.

وجرى تشريع الإجهاض، ووضعت قوانين لمكافحة التمييز على أساس الجنس، وظهرت الحركة النسائية المطالبة بالمساواة بين الجنسين، علاوة على أن دخول الشباب الخدمة في الجيش الأمريكي للمشاركة في حرب فيتنام أجبر أرباب العمل على توظيف مزيد من النساء.

لكن دراسة إحصائية دقيقة أجراها "لورانس كاتز" و"كلوديا غولدن"، وهما اقتصاديان بجامعة هارفارد، تؤكد على أن حبوب منع الحمل قد لعبت دوراً رئيسياً في السماح للمرأة بتأخير الزواج والإنجاب، والاستثمار في حياتها المهنية.

وقبل بضع سنوات، استخدمت "آماليا ميلر"، وهي خبيرة اقتصادية، مجموعة متنوعة من الأساليب الإحصائية لإثبات أنه إذا تمكنت امرأة في العشرينات من عمرها أن تؤخر الإنجاب لمدة سنة واحدة، فإن أرباحها مدى الحياة سترتفع بنسبة 10 في المئة.

وكان ذلك مقياساً للمميزات الكثيرة التي ستجنيها المرأة في حال إكمال دراستها وتأمين مسيرتها المهنية قبل إنجاب الأطفال.




المصدر