غياب الأمن وعدم نضوج التسوية يؤخّران استقرار مناطق “درع الفرات”


تواجه المجالس المحلية، في مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي، أو ما يعرف بمنطقة “درع الفرات”، تحديات كبيرة من أهمها الدمار الهائل في البنية التحتية والكتلة العمرانية، والفوضى الأمنية والعسكرية في بعض الأحيان، وشح الطاقة مقابل الاكتظاظ السكاني بفعل استقبال المنطقة لنازحين من المناطق المجاورة.

ولا تقتصر التحديات التي تواجه عمل المجالس في المنطقة على ما ذكر، بل تمتد إلى غياب العمل المؤسساتي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع الجانب التركي؛ الطرف الداعم والمشرف على عمل هذه المجالس، وسط غياب الدور الحكومي السوري.

ويشير مراقبون إلى عدم وضوح الرؤيا التركية حول مستقبل هذه المنطقة بالرغم من إعلانها في أواخر شهر شباط الماضي، عن انتهاء التحركات العسكرية لعملية “درع الفرات”.

 

فشل جزئي

“القرار السياسي الغائب” هو النقطة الأبرز التي يتوقف عندها رئيس المجلس المحلي لمدينة مارع، المهندس فؤاد عباس، لدى تطرقه إلى أسباب ما وصفه بـ “الفشل الجزئي” الذي لا يزال يسيطر على عمل المجالس المحلية في هذه المنطقة.

يقول عباس في تصريحات خاصة لـ صدى الشام : “قبل الحديث عن النهوض بالواقع الخدمي والاقتصادي، لا بد من وجود قرار سياسي موحد للتعامل مع الطرف الآخر، أي الجانب التركي”.

ويضيف: “مع كامل تقديرنا للجهود التركية، لكن نحن بحاجة إلى مؤسسة اعتبارية تكون قادرة على إيصال صوتنا، وقررانا المستقل”.

ويلفت عباس إلى غياب المؤسسات الحكومية، التي تستعين بها المجالس المحلية لأداء مهامها، مبيناً أنه “من الصعب على المجالس المحلية إدارة هذه المناطق بدون وجود جهاز حكومي وطني قادر على القيام ببعض الأعباء، مع التدفق السكاني الهائل التي تشهده مدن وبلدات المنطقة”.

ويشير رئيس المجلس المحلي لمدينة مارع إلى عدم توصل المجالس المحلية والجانب التركي إلى صيغة تعاونية مؤسساتية بعد، بسبب غياب المرجعية السياسية التي تمثل هذه المجالس.

 

 

بانتظار الدعم

على الرغم من وجود مكاتب للحكومة السورية المؤقتة في الداخل السوري، إلا أنه من الواضح أن دورها محدود، حيث يقتصر عمل طواقمها على تقديم بعض الخدمات الفنية المحدودة، مثل الاتصالات و دوائرالأحوال المدنية.

ويبدو ذلك طبيعياً بالنظر إلى ما تعانيه الحكومة المؤقتة من انقطاع الدعم المالي، وهو الأمر الذي أكدته دعوة رئيس الائتلاف الوطني رياض سيف، الولايات المتحدة إلى دعم الحكومة السورية المؤقتة وطواقمها العاملة في المناطق المحررة، بهدف تقديم الخدمات للسكان وتحسين ظروفهم المعيشية، وذلك لدى اجتماعه بالمبعوث الأمريكي مايكل راتني، يوم الجمعة الماضي بجنيف.

وفي هذا السياق أيضاً، دعا رئيس المجلس المحلي لمدينة مارع، فؤاد عباس، الجانب التركي إلى تفعيل دور الحكومة المؤقتة ودعمها، مشدداً على ضرورة وجودها قبل الحديث عن نجاحات إدارية واقتصادية في المنطقة.

 

 

بلا طاقة

وكانت الحكومة المؤقتة السابقة التي ترأسها أحمد طعمة، قد أعدت دراسة وضعت تصوراً متكاملاً لهذه المنطقة في العام 2015.

وذكر الوزير السابق محمد ياسين نجار، المشرف على الدراسة، أن الدراسة واجهت إشكاليات كبير، من أهمها عدم وجود موارد اقتصادية أساسية غير معتمدة على النظام، وخصوصاً المياه والكهرباء.

وأوضح أنه تم الاعتماد على دراسات مسبقة، لوضع صانع القرار بهذه التصورات، مبيناً أن الدراسة ركزت على ضرورة أن تتوسع المنطقة لتضم سد تشرين والمنطقة الصناعية بمدينة حلب، لضمان تزويد المنطقة بمصادر الطاقة.

كما نوّه نجار، إلى أن الدراسة ركزت على وضع مخططات لإعادة إعمار المدن، لتجنب العشوائيات السابقة.

 

صدامات محتملة

من جانب آخر فإن عدم تثبيت حدود هذا المنطقة، ووجود بوادر توحي بصدام عسكري بين فصائل المعارضة وبين وحدات حماية الشعب الكردية، وبين قوات النظام أيضاً، يجعل من حالة الاستقرار التي تعيشها المنطقة غير حقيقية.

ومن بين تلك البوادر، فشل كل جولات المفاوضات السابقة التي تهدف لنزع فتيل أية مواجهة عسكرية بين المعارضة ووحدات الحماية، عبر التوصل إلى صيغة لانسحاب الأخيرة من مدينة تل رفعت والبلدات المحيطة بها.

وتشهد مدينة الباب، هي الأخرى سيناريوهات مماثلة، مع وجود قوات النظام على تخوم المدينة من الجهة الشرقية، في بلدة تادف.

ويَعتبر وزير الاتصالات والنقل الصناعة السابق في الحكومة المؤقتة، محمد ياسين نجار، أنه من السابق لأوانه الحديث عن استقرار حقيقي، مع وجود قوى عظمى متناحرة في الشمال السوري.

ويرى نجار في تصريحات لـ صدى الشام، أن خطر الاختراق الأمني للمنطقة من قبل تنظيم الدولة ما زال حاضراً، لا سيما وأن التنظيم يجيد تنفيذ مثل هذه الاختراقات.

 

 

الملف الأمني

بموازاة كل ذلك، يثير الهاجس الأمني القلق الأساسي لسكان مناطق “درع الفرات”، ويعيق توفير مناخات جيدة للاستثمار.

ويرفض نجار، الحديث عن سبل النهوض بالواقع الاقتصادي للمنطقة، قبل طرح موضوع تأسيس قوة موحدة لضمان الأمن، ويضيف، “إن هذه المنطقة تضم مدناً كبيرة بحجم محافظات سوريّة قائمة، من الباب إلى أعزاز، وهذه لن تشهد حركة تجارية واقتصادية دون الانتهاء من الملف الأمني، الذي يجب العمل عليه بأقصى سرعة مطلوبة”.

ويتابع، “حتى دخول الخبراء والموظفين من أصحاب المهارات مرتبط بتحقيق هذا المطلب”.

وتعاني المنطقة من خروقات أمنية متكررة تتمثل باستهداف بعض المدن الرئيسية بالمفخخات، ووجود خلافات بين الفصائل العسكرية، وعدم تنسيق العمل فيما بينها.

لكن وبالرغم من ذلك، فقد سجلت بعض مدن المنطقة في الآونة الأخيرة، حركة عمرانية واقتصادية، كسرت حالة الجمود السابقة، ومنها على سبيل المثال، مشروع إنشاء سوق تجاري وشقق سكنية في مدينة مارع.

لكن يبقى ذلك غير كافٍ بالنظر إلى عدم استتباب حالة تشمل جميع المناطق التي تم طرد تنظيم الدولة منها هناك.



صدى الشام