بعد مرور أكثر من 1000 يوم على بدء عمليات التحالف بسوريا .. الاعتراف بـ “الخطأ” وحده لا يكفي


أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً خاصاً هذا الشهر، عقب مرور  ألف يوم على بدء عمليات قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، في 23/ أيلول/ 2014، في الأراضي السورية بذريعة محاربة “الإرهاب”، حيث عملت الشبكة على توثيق الانتهاكات التي ارتكبتها تلك القوات، وأصدرت بهذا الصدد 11 تقريراً خاصاً، ركَّزت على الحوادث التي خلَّفت ضحايا مدنيين، واستهدفت مراكز حيوية.

 

 خسائر بشرية مرتفعة جداً

تقول الشبكة في تقريرها إن الهجمات التي نفَّذتها قوات التحالف في عامي 2014 و2015 اتّسمت بأنها كانت مركزة وأكثر دقة في استهدافها للمواقع العسكرية التابعة لتنظيم الدولة، وأقلَّ تسبباً في وقوع الضحايا المدنيين، مقارنة مع الهجمات التي تم تنفيذها في 2016 حتى أيار 2017، والتي كانت أكثر عشوائية وفوضوية بشكل ملحوظ، بحسب الشبكة.

وقتلت قوات التحالف الدولي منذ بداية تدخلها في 23/ أيلول/ 2014 حتى بداية أيار/ 2017 ما لا يقل عن 1256 مدنياً، بينهم 383 طفلاً، و221 امرأة، بينما قتلت بين 1/ كانون الثاني/ 2016 وبداية أيار/ 2017 ما لا يقل عن 998 مدنياً، بينهم 304 طفلاً، و178 امرأة، أي بمعدل 80 % من مجمل الضحايا الذين قُتلوا منذ بداية التدخل، فيما بلغ مجموع المجازر التي ارتكبتها قوات التحالف الدولي 51 مجزرة منذ تدخلها في 23/ أيلول/ 2014 حتى اليوم، بينها 34 مجزرة في محافظة الرقة لوحدها أي بنسبة 67 %، و12 في محافظة حلب.

 

 

لا يمكن تبريرها

 ارتكبت قوات التحالف الدولي ما لا يقل عن 106 حوادث اعتداء على مراكز حيوية مدنيّة، بينها 46 حادثة على جسور، وتعتبر بالتالي أكثر المراكز الحيوية المدنية تعرضاً للاستهداف، وقد خرجت معظم هذه الجسور عن الخدمة؛ ما أدى إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية مسَّت حياة السكان المحليين، وأشارت الشبكة إلى أنها لا تعتقد أنَّ معظم هذه الجسور قد استخدمت بشكل منتظم في دعم العمليات العسكرية، وقد أصدرت تقريراً في وقت سابق بعنوان “دير الزور محافظة مقطعة الأطراف” وثَّقت فيه قصف قوات التحالف الدولي للجسور في محافظة دير الزور لوحدها.

ورأت الشبكة أنَّ الخسائر البشرية والمادية مرتفعة جداً ولا يمكن تبريرها، ولم تميِّز قوات التحالف الدولي في كثير من الهجمات بين المدنيين والمقاتلين، كما لم تراعي مبدأ التناسب في استخدام القوة، وبالتالي فقد شكَّلت العديد من الهجمات جرائم حرب.

 

دعم أطراف ذات ارتباطات “إرهابية”

في نهاية عام 2015 اصطفَّت قوات التحالف الدولي بشكل علني إلى جانب قوات الإدارة الذاتية ذات الأغلبية الكردية (المكونة بشكل رئيس من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي وهو فرع حزب العمال الكردستاني الموضوع على قوائم الإرهاب) تحت مبرر محاربتها لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وترى الشبكة أنَّ هذا الأسلوب الذي اعتمدته قوات التحالف الدولي يعتريه خلل واضح، فلا يمكن هزيمة تنظيم “داعش” المتطرف المستند إلى إيديولوجيا دينية متشددة، بالاعتماد على تنظيم متطرف (PYD) الذي يستند إلى إيديولوجيا عرقية متشددة، انفصالية عن الدولة والمجتمع السوري، وينظر إليه قسم كبير جداً من الثوار ومن المعارضة السورية وأجزاء المجتمع الأخرى، على أنه عدو لهم، وقاتلهم، واحتلَّ أراضٍ كانت تخضع لسيطرتهم كمنطقة تل رفعت وما حولها، و”إنَّ هذا الدعم الفوضوي يؤسِّس لحرب مجتمعية طويلة الأمد”، يقول التقرير.

ويضيف التقرير: “نعتقد أن لهزيمة تنظيم داعش لابُدَّ من بناء تحالف مجتمعي (كافة أفراد المجتمع المتوحدين) ضد خطر التنظيم الذي يُهدد كيانهم ووجودهم، ويشعرون بخطره على حياتهم ومستقبلهم، ويحاربونه لهذا الهدف، وليس لأن التحالف الدولي أو غيره طلب منهم ذلك”.

ويتابع “ما يحدث مؤخراً في محافظة الرقة خير مؤشر على الفشل الكارثي لهذا النَّهج الذي أشرنا إليه، فمنذ 4 شباط 2017 كثَّفت قوات التحالف الدولي من هجماتها الجوية في ريف الرقة، لدعم تقدُّم قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية في معركتها التي أعلنت عنها في تشرين الثاني 2016 للسيطرة على محافظة الرقة، وقتلت هذه الهجمات ما لايقل عن 297 مدنياً، بينهم 99 طفلاً، و51 امرأة، وتسببت في نزوح آلاف السكان من بلدات المنصورة والكرامة ومدينة الطبقة في ريف الرقة إلى مدينة الرقة التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش”.

وترى الشبكة أن هذه الكلفة البشرية والمادية والمعنوية مرتفعة جداً جداً، وكان بالإمكان تخفيضها بشكل كبير في حال بناء استراتيجية مغايرة تماماً لما قامت به قوات التحالف الدولي منذ بدايات عام 2015 وما تزال مستمرة فيه دون أية مراجعة أو تغيير.

 

سيطرة مستمرة

ساهمت ضربات قوات التحالف الدولي في إضعاف تنظيم الدولة، وفي قتل العديد من قادته ومن الصفوف الأولى، كما فقد مساحات كبيرة من الأراضي، لكنه أيضاً، ما زال يسيطر على مساحات شاسعة، ومثال ذلك تمدَّده في ريف حمص الشرقي.

بهذا الخصوص تعتبر الشبكة في تقريرها أن “معركة تنظيم داعش الرئيسة لن تكون في محافظة الرقة التي يتوهم البعض أنها معقل التنظيم الرئيس، بل في محافظة دير الزور، وللقضاء على تنظيم داعش لا بُدَّ من بناء وتشكيل قوات من أبناء المنطقة نفسها، مع مراعاة البعد العشائري واستثمار تنظيم داعش الكبير فيه، عدا ذلك فستكون التكلفة البشرية والمادية مريرة وممتدة”.

 

مؤشر سلبي

“اعترفت قيادة قوات التحالف الدولي بقرابة 74 حادثة في سوريا، وذكرت القيادة الأمريكية المركزية في بداية نيسان الماضي أنها قتلت 299 شخصاً في كلٍ من سوريا والعراق، دون أن تُمايز بين الدولتين، لكنَّ التوثيقات التي قامت بها الشبكة السورية لحقوق الإنسان تُشير إلى خلاف ذلك تماماً، وتختم تقريرها بالقول “على الرغم من مرور كل هذه المدة الزمنية، لم نسمع بعملية محاسبة، أو اعتذار، أو تعويض، أو عزل للمسؤولين عن ارتكاب حوادث تُشكِّل جرائم حرب، وهذا يعطي مؤشراً سلبياً للشعب السوري، وبشكل خاص في الأحياء والمدن التي فقدت أبناءها، ويُقوِّض مصداقية قوات التحالف الدولي في حربها على تنظيم داعش”.



صدى الشام