هل سيجرم نظام الأسد التعليق والإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي؟


جيرون

يبدو أن نظام الأسد بدأ يضيق ذرعًا، ليس بما يكتبه السوريون في وسائل الإعلام المختلفة فحسب، بل في ما يكتبونه في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيّما على صفحات (فيسبوك). هذا ما يُفهم على الأقل من مضمون كتاب رئيس حكومة النظام عماد خميس، الكتاب الذي حمل الرقم 4658/1/ تاريخ 20 نيسان/ أبريل 2017، حيث طلب فيه رئيس الحكومة، من وزير العدل، إعداد مذكرة تفصيلية حول ما تتناوله بعض وسائل الإعلام الخاصة، وبعض الإعلاميين في وسائل الإعلام الرسمي، من قضايا وموضوعات تستهدف العمل الحكومي، وتساهم في إضعاف هيبة الدولة والانتماء الوطني لدى المواطنين.

بدوره سارع وزير العدل المعيّن حديثًا القاضي محمد هشام الشعار إلى الرد على كتاب رئيس الحكومة، بتوجيه كتابٍ له حمل الرقم 10048 تاريخ 8 أيار/ مايو 2017، طلب فيه، من خميس، تعميم كتابه على كافة وزارات الدولة لموافاته بالموضوعات الصحفية التي تنال من هيبة الدولة ليُصار إلى معالجتها، وفق الأنظمة والقوانين النافذة.

وقد سبق ذلك قيام مجلس نقابة محامين دمشق، بإصدار القرار رقم 339 تاريخ 13 آذار/ مارس 2017، وتضمن “إلزام  الزملاء المحامين بإلغاء المجموعات، تحت أي مسمى، على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت طائلة المساءلة المسلكية”؛ وجاء هذا القرار تنفيذًا لتعميم سابق، أصدره نقيب المحامين حول هذا الأمر، حمل الرقم 526 في 13 أيار/ مايو 2016، وكان نقيب المحامين في سورية الأستاذ نزار سكيف قد صرّح لصحيفة (الوطن) التي يملكها رامي مخلوف في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أنه أصدر تعميمًا، طلب فيه من كافة فروع النقابة في المحافظات السورية إبلاغ كافة المحامين عدم التعرض للقضاء أو المحاماة، عبر صفحات (فيسبوك)، معتبرًا أن صفحات (فيسبوك) ليست محلًا للتعرّض للقضاة والمحامين، تحت طائلة ملاحقة المخالفين لهذا التعميم. وقد لاقى قرار نقابة محامي دمشق وتعميم نقيب المحامين في ذلك الحين استنكارًا واسعًا في صفوف المحامين، إذ أكّد كثيرٌ منهم أن ذلك سيؤدي إلى تضييق مساحة التعبير عن الرأي أكثر مما هو مُضيّقٌ عليها الآن، ورأى بعض المحامين والقضاة أن الهدف، من تلك الإجراءات الجديدة، هو حماية الفاسدين والمفسدين في صفوف المحامين والقضاة، على اعتبار أن ما يكتبه المحامون، على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتعلق بصفة المحامين والقضاة الشخصية، بل لأن المحامين يشيرون إلى ممارسات وسلوكيات الفاسدين التي تزايدت حدّتها في السنوات الأخيرة تزايدًا فاضحًا؛ لتزيد من حدة معاناة المحامين في هذه الظروف المأسوية التي يعيشونها، من دون أن تجد من يتصدى لها، ويضع حدًا لها، خصوصًا ممن يدّعون أنهم يحاربون الفساد، ويؤكدون حرصهم الكاذب على حسن سير العمل، في مرفق العدالة بجناحيه القضاة والمحامين.

بالعودة إلى كتاب رئيس الحكومة وردّ وزير العدل عليه، فقد استنكر كثير من السوريين -داخل سورية وخارجها- محتوى ذلك الكتاب، وعبّروا عن تخوفهم وقلقهم الشديدين من أن يصل الأمر بالحكومة إلى حد تجريم التعليقات أو حتى “اللايكات” على صفحات التواصل الاجتماعي، واعتبار كلّ من يعلق أو يضع إعجابًا على منشور، ينتقد أداء الحكومة أو مؤسساتها، مجرمًا.

ورأى البعض في ذلك توجهًا جديدًا من قبل النظام نحو التشدد أكثر؛ للحد من كثرة الانتقادات الموجهة للحكومة ومؤسساتها، من خلال إشغال السوريين ببعضهم البعض، وتوريط القضاء في مواجهة الناس بدلًا من أجهزة الأمن التي شكّلت -وما تزال- الوجه القبيح للنظام، طوال خمسين سنة الماضية، في طريقة التعامل مع كل ما يصدر من أراء وتعليقات وانتقادات عن المواطنين تجاه المسؤولين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، أو ما يُنشر في وسائل الإعلام، وما يُحكى في المؤتمرات والندوات والاجتماعات والمجالس داخل سورية وخارجها، وذلك في محاولة لتخفيف العبء عن عناصر الأمن، وتحويل الأنظار عن ممارساتهم السيئة، وتلميع صورتهم على حساب القضاء، وفي الوقت نفسه إضفاء الشرعية القانونية على طريقته الجديدة في التعامل مع حرية الرأي والتعبير، وليبدو، أمام العالم، أنه ملتزم بالشرعية القانونية، وأن كل شيء يجري في إطار القانون والدستور، ظنًا منه أنه بذلك يستطيع أن يُحسّن صورتَه لدى الرأي العام المحلي والدولي.

ولأجل ذلك يسعى النظام الحاكم إلى إشغال كافة إدارات ومؤسسات الدولة، بدءًا من المختار ومرورًا بالوزارة، وصولًا إلى القصر الجمهوري، وتحويل الموظفين فيها إلى مراقبين ومخبرين، وهذا ما يُفهم بوضوح من ردّ وزير العدل على كتاب رئيس الحكومة “أن تقوم  وزارات ومؤسسات الدولة بموافاته بكافة المواضيع الصحفية التي تنال من هيبة الدولة، ليُصار إلى معالجتها وفق الأنظمة والقوانين النافذة”؛ ومن ثم يقوم وزير العدل -بصفته الرسمية- بالطلب إلى النيابات العامة في المحافظات، وهي تخضع لسلطته المباشرة، بتحريك الدعوى العامة ضد أحد المواطنين، لأنه كتب مقالًا في صحيفة، أو كتب على صفحته الشخصية في (فيسبوك) بضع كلمات، ينتقد فيها تصرف مسؤول هنا أو مسؤول هناك، أو أشار إلى نقص مادة غذائية أو تذمّر من استمرار انقطاع الكهرباء والماء.. إلخ، وذلك بتهمة إضعاف هيبة الدولة والانتماء الوطني لدى المواطنين؛ وبدورها تقوم النيابة العامة بإصدار مذكرات توقيف بحق المتهمين، وتطلب من القضاء محاكمتهم، ثم يقولون هذه أحكام قضائية، ونحن لا نتدخل في أعمال القضاء، فالقضاة في سورية مستقلون في عملهم. وهكذا يورطون القضاء ويضعونه في مواجهة الناس وقمعهم وكبت حرّياتهم، بدلًا من أن يكون هو الحامي والضامن لحريات الناس وحقوقهم.




المصدر