الدين والحرية والثورة


عبد الرحمن شرف

لا يمكن فصل تعريف الحرية عن تصور الأفراد والشعوب والجماعات لإيمانهم أو مفهومهم لـ الله والشريعة التي يعتنقونها والمعتقدات التي يبنون توجههم عليها.

معظم رجال الدين يتفقون على أن وظيفة الدين هي تحقيق أنبل وأسمى ما في الحياة، وإرشاد الناس وهدايتهم، لالتقاء ذواتهم مع الله والحرية الروحانية التي تتجه للمعرفة والجمال وللقيم الإنسانية في النفس البشرية، بتماهيها مع المطلق. ووظيفة الدولة الحفاظ على هذه الحرية لمواطنيها وحمايتها لكل فرد.

لا يمكننا فصل الحرية عن طريقة نضال المطالبين بها، والساعين للحصول عليها في المجتمع، وبناء الدولة للحصول على حقوقهم التي يطمحون لها، لتساعدهم في عيش أوضاع أفضل بحياة كريمة حرة، يحققون بها أنفسهم وذواتهم الحرة، لأن العقيدة تدفع السلوك وتتحكم به، في معظم الأحيان، سواء كانت دينية أو لادينية.

وكم سمعنا هذه الكلمة وذلك الشعار الذي تردده، عبر التاريخ، أفواه ملايين البشر، في الثورات، من الثورة الفرنسية والأميركية إلى الثورة السورية وثورات الربيع العربي.

الثورة الفرنسية حملت في شعارها: (الحرية والإخاء والمساواة) وحققت نتائجها على المستويات كافة. وكانت ثورة تشمل كل جوانب الحياة الدينية والسياسية والفكرية والثقافية، ورافقت الثورةَ محاسبةٌ لأفراد من النظام القديم الذي كان قائمًا، والمحاسبة تكون من خلال سلطة الشعب في نضاله وسعيه للحصول على حقوقه. ومن دون المحاسبة لا تكون الثورة.

الأنبياء جاؤوا برسالتهم ليحرروا الأفراد من عبودية النفس والشهوات، وليحسنوا حال الأفراد والمجتمع نحو الخير، كما نقرأ في رسالة الأنبياء منذ آدم. نقرأ أيضاً أن المسيح جاء ليخلص البشر من عبودية الخطيئة في النفس إلى حرية الروح وخلاصها الأرضي والأبدي وتحقيق واقع أفضل. والنبي محمد جاء ليحرر شبه الجزيرة العربية مما كانت عليه من عبادة الأوثان والأصنام، وينقلهم إلى واقع يحقق الكرامة والفضيلة لكل فرد.

إنّ الإيمان الحر والفاعل النابع من الفضيلة والقيم العُليا يؤسس أفرادًا أحرارًا ثائرين، وشعوبًا لها قيمتها ومكانتها في الحضارة وبين الشعوب الأخرى ويحسّن واقعها الاجتماعي.

إن شعوبنا الشرقية في الديانات الإبراهيمية، بطوائفها المتعددة وقومياتها وإثنياتها، لن تتقدم وتبني مستقبلًا جيدًا لها، ما لم تفكك سلطة رجال الدين والمدارس الدينية والفقهية القائمة، وإعلامها وخطاباتهم التي مُعظمها بلا معنى. وتفكك كذلك الأنظمة المستبدة والحركات الجهادية السلفية والحركات العنصرية القومية القائمة من جذورها، وتطيح قيادييها الذين يستغلون اسم الله ومشاعر الإيمان لزيادة شعبيتهم المريضة، وتسلطهم لتحقيق مصالح ذاتية وخارجية؛ فالدين قد يدمر الأمم ويكون كالسم القاتل للإنسان، أو أفيونًا يفتك بعقل الشعوب كما يقول ماركس. أو يكون حياة ونهضة للفرد والشعوب وللحضارة بكل أبعادها.

إرادة الحياة هي الحرية، هي أن يكون الأفراد في الجماعة أحرارًا بإيمانهم وعقلهم وحياتهم، وأن يكون الفرد سيدًا لنفسه، وواعيًا لمصيره الدنيوي الاجتماعي والأبدي.

ليس الله الذي يفرق بين البشر، بل الشريعة التي كتبها أشخاص، من بعد الأنبياء والرسل. بشرٌ وقعوا في أخطاء عنصرية أحيانًا، لأنهم ليسوا كاملين.

الله يريد الجمع بين قلوب البشر، على فعل الخير والمساواة والإخاء الذي ينبع من قلوبنا وطبيعتنا الإنسانية، ولا يريد قهر عباده والأوطان من أجل اسمه. ويكون بهذا الله للكل، وفي الكل، وهو واحد. والحرية هي في تنوع كل فرد في دولة تحترم وتحافظ على هذا الحق الشرعي في الإيمان الحر الواعي المتنور في تماهيه مع المطلق الثائر، وفي القوانين المطبقة التي يجب أن تشكلها هذه الشعوب بالعقد الاجتماعي الذي تبنيه بنفسها وإرادتها الحرة، وليس عبر أداة خارجية أو طائفة كما في سورية.




المصدر