غرائب «الناتو» وملابساته مع ترمب


العرب

كان «التحالف الدولي ضد الإرهاب» بقيادة الولايات المتحدة، منذ تأسيسه في سبتمبر 20144، يضمّ الدول الرئيسية في «حلف الأطلسي» (الناتو) التي شاركت بطائراتها في الضربات الجويّة، أو بما توفّر لها من معلومات من اختراقاتها لصفوف تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). وخلال الأسبوع الماضي دار نقاش في اجتماعات «الناتو» حول انضمام كل دول الحلف إلى «التحالف»، ورغم أنها جميعاً أكّدت تكراراً محاربة الإرهاب كمبدأ والتزام، فقد كانت هناك دول معارضة ودول غير ممانعة، أي إن حماس الأعضاء الصغار وغير الميسورين لتطوير المشاركة الأطلسية لم يكن حيوياً وحارّاً. أما تفسير ذلك فيعود إلى أن بعض هذه الدول يعتقد أن عدم انخراطه في «التحالف» قد يكون جنّبه معاناةً من الإرهاب، لكنه يُعزى خصوصاً إلى أن المشاركة الفعلية باتت في عهد دونالد ترمب دعوة إلى تحمّل جزء من الأعباء المالية للحرب على الإرهاب.
غير أن «الناتو» فضّل حسم هذا النقاش لمصلحة الموافقة على الانضمام إلى «التحالف الدولي»، لئلا يضيف ملفاً آخر إلى الخلافات التي طرأت مع الولايات المتحدة قبل انتخاب ترمب وبعده، إذ إنه جعل من زيادة مساهمة أوروبا في ميزانية «الناتو» أحد أهم مطالبه وهواجسه، وإلا فإنه يلوّح بتقليص الدور في الحلف وحتى بالانسحاب منه. أما الموافقة على الانضمام فجاءت مشروطة بعدم المشاركة في العمليات القتالية. ولا جديد في ذلك. فكل الدول، بما فيها تلك المشاركة سابقاً، أبلغت مسبقاً أنها لن ترسل جنوداً إلى الأرض، وكانت أميركا في طليعتها إلا أنها دفعت على مدى الشهور الماضية بآلاف من الجنود من مارينز وقوات الخاصة وآخرين متنوّعي الاختصاصات. ويتبيّن شيئاً فشيئاً أن دولاً عدة أرسلت عشرات أو مئات من الجنود بدؤوا يظهرون تباعاً بحسب مواقعهم في العراق أو في سوريا، أما تلك التي لن ترسل جنوداً فباتت ملزمة بزيادة مساهمتها المالية، ولذلك تساءل بعضٌ منها عن «التحالف» الآخر الذي انبثق من قمة الرياض وافترضت أنه سيتولّى تمويل الحرب على الإرهاب.
بعيداً عن جدل الميزانيات برزت مجدّداً في قمة بروكسيل الأطلسية مشكلة التنسيق الاستخباري والمعلوماتي، التي اعتُبرت مراراً محسومة، لكن الخلل لا يلبث أن يظهر عند وقوع أي حادث إرهابي. وهذه المرّة، بعد عملية التفجير في مانشستر، حصل ما أوقف تبادل المعلومات بين الحليفين الأكبرَين، الولايات والمتحدة وبريطانيا، لأن الجانب الأميركي تسرّع في تسريب وثائق إلى الإعلام، فأغضب البريطانيين الذين كانوا في خضم تحقيق واسع ويطاردون شبكة يعتقدون أن الليبي منفّذ التفجير عضو فيها. وبما أنه ليبي فإن ملف التدخّل في ليبيا عام 2011 لإطاحة النظام السابق عاد يطارد الأطلسي الذي يتهم أعضاؤه بعضهم بعضاً بالمسؤولية عن الفوضى التي تُركت تتفاقم هناك، وسط عجز عن احتوائها.
ليس فقط أن القرار الأخير للأطلسي لن يغيّر شيئاً في مسار «التحالف الدولي»، بل الأغرب أن دولته القائدة أميركا لا تريد أن يكون لتركيا، وهي دولة بارزة في «الناتو»، أي دور في معارك الرقة ودير الزور، وتفضّل التعامل مع ميليشيات كردية وأخرى محلية. الأكثر غرابةً أن أميركا تتجاهل هواجس حليفتها تركيا وتشجّع الأكراد على إقامة كيان خاص بهم، ما يشكّل أسفيناً أولاً في مشروع تقسيم سوريا، ويهدد وحدة الأراضي التركية. فهل أن دول «الناتو» متفقة على هذا الهدف؟.
(*) كاتب لبناني




المصدر