ليس الإسلام هو ما يدفع الشباب الأوروبيين نحو الجهاد، بحسب رأي أحد خبراء الإرهاب في فرنسا
29 مايو، 2017
يشرح أوليفر روي، أحد كبار خبراء الإرهاب الإسلامي في فرنسا، لصحيفة هآرتس كيف يتحول معتدون مثل سلمان عبدي في مانشستر إلى “متطرفين جدد” يطلبون الموت.
يقول أوليفر روي: لقد بدأ سلمان عابدي، الانتحاري الذي قتل 22 شخصاً في حفل موسيقي في مانشستر هذا الأسبوع، حياةً جيدةً بما يكفي لأب وأمٍّ فرا من ليبيا القذافي ليبدآ حياة جديدة في بريطانيا. لكن في الحقيقة كان هذا نوعاً من الانفكاك الذي قاده بعد عقدين من الزمن إلى الجنون.
“يُقدر أن 60% من الذين يتبنون الفكر الجهادي العنيف في أوروبا هم من الجيل الثاني من المسلمين الذين فقدوا صلتهم ببلدهم الأصلي وفشلوا في الاندماج في المجتمعات الغربية”. بحسب روي
إنهم يخضعون لعملية “تغريب ثقافي” تتركهم هذه العملية غرباء وجاهلين بثقافتهم الأصلية ومنفصلين بنفس الوقت عن الثقافة الغربية. يقول روي إن النتيجة مخيفة إنها “فراغ في الهوية” حيث يمكن أن يزدهر في ظله “التطرف العنيف”.
ولد عابدي في بريطانيا عام 1994 واتجه إلى الأصولية المتطرفة بعد حياة بلا أهمية. من جهة حاول إعادة التواصل مع ليبيا حيث سافر قبل وقت قصير من هجوم هذا الأسبوع. ومن ناحية أخرى فقد حاول أن يحاكي نمط الشباب البريطانيين الذين قتلهم.
يقول وري: “على عكس الأجيال الثانية مثل عابدي، عادةً ما تكون الأجيال الثالثة أكثر اندماجاً في الغرب، ولا تُمثل سوى 15% من الجهاديين الأوروبيين”. ويضيف “المتحولون إلى الإسلام أيضاً ممن يتبعون الإسلام دون إطار ثقافي معين، يمثلون حوالي 25% من أولئك الذين يقعون فريسة للتطرف الأصولي”.
إنه نمط يمكن تتبعه من أبناء الجيل الثاني مثل خالد كيلكال، أول جهادي محلي في فرنسا عام 1995، إلى الإخوة كواتشي الذين هاجموا مجلة تشاري إيبدو الساخرة عام 2015. وتنطبق القاعدة أيضاً على المقاتلين الأجانب مثل صبري ريفلا، البلجيكي من أب مغربي وأم تونسية والذي سافر إلى سوريا في عمر الثامنة عشر وتقول والدته صالحة بن علي إنه فعل ذلك “بعد أن تبنى إسلاماً لا علاقة له أبداً بثقافتنا”.
يقول روي بوجود القليل من الفهم للدين أو الثقافة الإسلامية نجد أن الشباب مثل عابدي يتجهون إلى الإرهاب بدافع من “الغريزة الانتحارية” و”سحر الموت”. يجلى هذا العنصر الأساسي في الشعار الجهادي الذي صاغه أسامة بن لادن: “إننا نحب الموت كما تحبون الحياة”.
وقال روي أيضاً: “ترتكب الغالبية العظمى من الجهاديين من أتباع القاعدة أو تنظيم الدولة بمن فيهم مهاجم مانشستر هذه الهجمات الانتحارية ليس لأنها ذات فاعلية من الناحية العسكرية وليس لأنها تتوافق مع العقيدة السلفية” ويضيف “إن هذه الاعتداءات لا تُؤثر على العدو بشكل كبير، والإسلام نفسه يُحرم الانتحار كنوعٍ من التدخل في إرادة الله. إن هؤلاء الأطفال يبحثون عن الموت كهدف نهائي بحد ذاته”.
في كتابه الأخير “الجهاد والموت: الدعوة العالمية لدولة إسلامية” يكتب روي أن حوالي 70% من هؤلاء الشباب لديهم معرفة ضئيلة بتعاليم الإسلام، ويقترح أن هؤلاء يختارون “الراديكالية” قبل أن يختاروا الإسلام. ويطلق عليهم لقب “المولودون مجدداً مسلمين” الذين يختارون حياة الانحلال قبل تحولهم المفاجئ إلى الأصولية المتطرفة.
من وجهة نظر روي “إن أَسلمة التطرف هو المسألة التي تحتاج إلى بحث ودراسة وليس التطرف في الإسلام” وهنا يظهر السؤال القائل لماذا يختار الشباب المتطرفون الانضمام إلى الأصولية الإسلامية المتطرفة بدلاً من المذاهب الأخرى المدمرة للانخراط في الإرهاب.
جواب السؤال السابق بحسب روي هو أن هؤلاء “المتطرفين الجدد” يتبنون سردية الدولة الإسلامية القائلة بأنها القِبلة الوحيدة المتاحة في “السوق العالمي للأيديولوجيات الأصولية”. “في الماضي كان هناك احتمالٌ أن يقع هؤلاء الشباب فريسة التطرف اليساري الراديكالي مثلاً”. إن نصف الجهاديين في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة لديهم سجلات جُنح بسيطة تماماً مثل عابدي الذي يبدو أنه اتجه إلى التطرف دون أي دورٍ لمسجد الحيِّ أو المجتمع الديني، وهو نمط يمكن تعميمه على سائر أوروبا.
يقول روي في حين أن الإسلام السلفي المحافظ جداً هو بالتأكيد مشكلة حيث أن أتباعه يعترضون على القيم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الغربي المتسامح والعلماني فإنه لا ينبغي الخلط بينه وبين التطرف العنيف. وعند تقييم أصول الشباب مثل عابدي ينبغي أن لا يُبالغ المرء في تقدير دور الانتقام الإسلامي في دول العالم الثالث، وهي سردية سياسية تتغذى على الإرث الاستعماري الغربي والتدخل في الشرق الأوسط.
يقول روي “لو أنه كان مهتماً بتجاوزات الإمبرالية الغربية، لكان ذكر الهجوم البريطاني على ليبيا عام 2012 مما يجعل من عمله ذا معنىً سياسي بشكل أو بآخر”.
يقول روي من مكتبه في فلورنسا حيث يعمل أستاذاً في معهد الجامعة الأوروبية : لقد كان عابدي جزءاً من المجتمع الثقافي البريطاني الذي هاجمه “لقد قتل نفسه كجزء من هذا المجتمع”. ويضيف روي “لو كان متشرباً للثقافة الإسلامية ولديه طموح إقامة دولة إسلامية في الشرق الأوسط، لربما لم يكن ليعلم بأمر المغنية أرينا غراندي التي هاجم حفلها” مضيفاً ” لكان سافر إلى سوريا أو ليبا بدلاً من ذلك”.
وإذا تأكدت تصريحات وزير الداخلية الفرنسي جيرارد كولومب فإن عابدي سينضم إلى قائمة طويلة من الجهاديين العائدين الذين ضربوا أوروبا بعد العودة من القتال في سوريا. غير أن روي أشار أيضاً إلى بعض الأخبار الإيجابية: إن مئات المقاتلين الأجانب من أوروبا يسعون إلى عودة آمنة إلى بلادهم من خلال تسليم أنفسهم إلى سفارات بلادهم في تركيا، وفقاً لما ذكرته الصحافة الإيطالية.
يقول روي “هذا يعني أنهم ليس لديهم الغرائز الانتحارية التي تُميز الإرهابيين مثل عابدي” ومع ذلك فقد حذر روي من أن “هيمنة العلمانية” ورفض “كل أشكال التدين” في الغرب من شأنه أن يخلق فراغاً روحياً كبيراً يمكن أن يكون أرضاً خصبةً لنمو الأصولية والتشدد.
رابط المادة الأصلي: هنا.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]