on
الأردن و”المنطقة الآمنة”
الغد
لا توجد أي تأكيدات أو نفي رسمي أردني للتقارير الإعلامية التي تتحدث عن اجتماعات روسية- أميركية في عمّان للاتفاق على مفهوم المنطقة الآمنة (أو منخفضة التوتر) في المحافظات الجنوبية والبادية الشرقية السورية القريبة من الحدود الأردنية.
ما تمّ تسريبه من معلومات عن الاجتماع يشي بأنّنا نتحدث عن منطقة ممتدة وواسعة، تبدأ من المناطق المحاذية للقنيطرة في أقصى الجنوب الغربي، مروراً بدرعا وريفها، وبريف السويداء، إلى مخيم الركبان في الجنوب الشرقي، وإلى الأعلى باتجاه بلدة التنف ومعبرها، مع احتفاظ النظام السوري بوجود رمزي على معبر نصيب الحدودي مع الأردن.
إذا حدث التوافق الروسي- الأميركي على هذه المنطقة الواسعة، بما يغطي تقريباً الحدود الشمالية الأردنية، إلى العمق في سورية، فإنّنا سنتحدث عن منطقة أمنة ممتدة، وواسعة، بضمانات دولية، وبوجود للقوات الدولية يضمن السلم فيها، ما يعني إعادة “فرصة الحياة” لتلك المناطق، وفتح الباب لمشروعات إعادة الإعمار، وعودة نسبة من الأشقاء اللاجئين السوريين، وإبعاد الخطر عن حدودنا الشمالية بصورة شبه كاملة.
إذا نجحت الخطط النظرية وانتقلت إلى التطبيق العملي، فإنّ ذلك يحقق تماماً الأهداف الأردنية، ولا يعني نهاية دورنا، بل تكريس له في مجالات مهمة ومفيدة، في مساعدة المجالس المحلية في المنطقة الآمنة على تولي المسؤوليات المدنية، وفي تكريس الجهود لمكافحة الإرهاب، وربما – كما ذكر مسؤول أردني رفيع قبل شهور- أن يكون ذلك لإعادة فتح طريق عمان- دمشق، وفك الحصار الكبير الضمني الذي يعيشه الاقتصاد الوطني، بسبب إغلاق الحدود السورية.
هنالك ما يتجاوز هذا السيناريو إلى أحلام راودت مسؤولين أردنيين سابقاً بإعادة إنعاش وادي حوران زراعياً. والمطلوب في حال نجحت هذه المخططات اختراع صدمة في الإدارة الأردنية والعقلية البيروقراطية في التعامل مع المتغيرات الإقليمية والتطورات التي تأخذ بعداً غير تقليدي، والقفز إلى التفكير في دور أردني فاعل يساعد الأشقاء السوريين على إعادة الحياة الطبيعية إلى المنطقة الآمنة المنشودة.
هذه المشروعات لم تترجم بعد إلى اتفاقات نهائية، وما تزال هنالك عقبات كبيرة في طريقها على الصعيدين النظري (المفاوضات) والعملي، لكنّ هنالك سؤالاً جوهرياً يطرح على هذا السيناريو بأكمله يتمثّل فيما إذا كان الإيرانيون والسوريون يوافقون عليه أم أنّ هنالك تباينا كبيراً بين الأجندة الروسية والإيرانية؟!
خطاب الإيرانيين والنظام السوري واضح تماماً في رفض هذه الفكرة، ويبدو أن الروس يحاولون تمريرها من خلال إعادة صوغ اللغة من جهة، والتلويح بعدم تدخلهم – أي الروس- في حال حدثت مواجهة في البادية بين القوات السورية والإيرانيين من جهة والمعارضة السورية وقوات التحالف، التي قصفت القوات السورية لوقف تقدمها نحو قاعدة التنف، ثم قبل أيام ألقت عليها منشورات تتضمن رسماً للخطوط الحمراء التي سيتم بعدها قصف القوات السورية والحليفة لها، ما يعني أنّ تلك المناطق أصبحت تحت السيطرة والنفوذ الأميركي (على الأغلب نتحدث عن 50 كيلو غرب التنف).
على الطرف المقابل يتخوف سياسيون أردنيون، وهم محقّون، من أن سيناريو المناطق الآمنة قد يؤدي إلى تكريس “تقسيم سورية”، وهو هاجس مشروع ومنطقي. لكن في المقابل ما هو البديل أردنياً؟ في مواجهة تمدد داعش ونفوذ حزب الله والأزمة السياسية المستعصية بين النظام السوري والمعارضة وحالة الفوضى في الشمال؟!
عملية التدويل والأقلمة أصبحت أمراً واقعاً في سورية، لكن دعونا نأمل أن تنجح المناطق الآمنة مؤقتاً إلى حين ميسرة، ونهاية الحرب الأهلية في سورية، والتوافق الدولي والإقليمي على بنود الحل السياسي.
(*) كاتب أردني
المصدر