الأسد كان الأسوأ في الرئاسات السورية


الشرق الأوسط

توالى على منصب الرئاسة في سوريا منذ إعلان الدولة السورية الحديثة في عام 19366، نحو ثلاثين من رؤساء الجمهوريات، وتوزع هؤلاء ما بين رئيس منتخب، وآخر جاء بالاستفتاء، ورئيس في فترة انتقالية، لكن الأكثرية من الرؤساء السوريين، حملتهم الدبابات إلى موقع الرئاسة. ورغم تمايز طريق الوصول إلى المنصب، فإن كل الرؤساء السوريين (كحال غيرهم من الرؤساء والقادة في دول العالم الأخرى) قد واجهوا تحديات بعضها داخلي والبعض خارجي، واختلفت ردود أفعالهم على تلك التحديات.
شكري القوتلي رئيس منتخب، يصفه كثيرون بأنه أبرز آباء الاستقلال السوري، إذ تم في عهده جلاء الفرنسيين عن سوريا، وقد واجه حالتين من تحديات كبيرة: الأولى خروج سوريا مهزومة من حرب فلسطين 1948، فدخل بمواجهة مع قادة الجيش، انتهت بالانقلاب عليه في مارس (آذار) 1949 بقيادة العقيد حسني الزعيم، ثم جاء التحدي الآخر عشية قيام الوحدة السورية المصرية 1958، حيث رغبت مجموعة سياسية -عسكرية أكثرها من البعثيين في قيام اتحاد بين سوريا ومصر بقيادة عبد الناصر، فآثر عدم خوض المواجهة، وانسحب من الحياة السياسية مجنباً البلاد صراعاً داخلياً له أبعاد إقليمية ودولية.
جمال عبد الناصر الذي تولى رئاسة الجمهورية العربية المتحدة عبر استفتاء، كانت نتائجه شبه محسومة، وتسببت سياساته في استياء أوساط واسعة من السوريين، انتهت بانقلاب 28 سبتمبر (أيلول) 1961 الذي قادته عناصر انفصالية، رغب في رد مسلح ضدهم، لكنه ما لبث أن تراجع عن المضي في هذا الطريق راغباً في تجنب صراع دموي بين سوريين ومصريين، سوف يستنزف قدرات البلدين والشعبين، وقبل في النهاية العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 1958 بوجود سوريا ومصر بلدين، كل منهما مستقل عن الآخر.
بين الرئيسين القوتلي وعبد الناصر، ثمة تجربة ثالثة مختلفة، وهي تجربة أديب الشيشكلي الذي قاد حركة انقلابية مرتين في سوريا أولاهما في ديسمبر (كانون الأول) 1951، والثانية في (يوليو) تموز 1953.
تجربة الرؤساء الانتقاليين، كانت الأبسط في مسار الرئاسات السورية، وقد تكررت مرات كثيرة، ليس في أعقاب الانقلابات فقط، بل في الحالات، التي كان مناطاً بأشخاصها أن يرثوا الرئاسة عن رئيس مات، كما هو حال عبد الحليم خدام الذي خلف حافظ الأسد في (يونيو) حزيران عام 2000، وأدار مرحلة انتقال السلطة من الرئيس المتوفى إلى الرئيس المرشح، لكن ذلك لم يشفع له، وعندما أحس أنه على قائمة التصفية، خرج منشقاً عن النظام الذي طالما كان أحد أبرز أعمدته السياسية لثلاثين عاماً متواصلة.
بين كل تجارب الرئاسة في تاريخ سوريا الحديث، تبدو تجربة حافظ الأسد مختلفة، ومثلها تجربة بشار الأسد، التي وإن رغب صاحبها في أن تكون مقاربة لتجربة والده، إلا أن الأمر تمخض عن تأكيد مقولة معروفة، وهي أن الظاهرة عندما تتكرر، تكون في الأولى مأساة وفي الثانية مهزلة، وفي هذه الحدود كانت خلاصة تجربة رئاسة بشار الأسد.
جاء حافظ الأسد إلى الرئاسة بانقلاب 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 19700، عندما استخدم الجيش والأمن اللذين كان يسيطر عليهما، واعتقل رفاقه وزجهم في السجن، ثم عين أحمد الخطيب رئيساً انتقالياً، قبل أن يقدم نفسه رئيساً باستفتاء محسوم النتائج، وسط عاصفة من التحديات الصعبة في المسارات الداخلية والخارجية، تعامل معها في المستوى الداخلي بالرشاوى لكسب المؤيدين، وبالقمع الشديد كما في تعامله مع خصومه ومعارضيه بمن فيهم رفاق الأمس، وبالانحناء للعواصف، وتوقيع الصفقات والتسويات في المستوى الخارجي، ومنها علاقاته مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، دون أن يمتنع عن خوض مواجهات سياسية وعسكرية، قدر أنه سوف يكسبها على نحو ما كانت سياسته في لبنان بين عامي 1976 و2000.
بشار الأسد، حاول أن يكرر تجربة أبيه، فجاء رئيساً بالاستفتاء، رافعاً شعار الإصلاح أداة لتجديد النظام، مستفيداً من زخم محلي وإقليمي ودولي راغب في الخروج من عصر الديكتاتورية الدموية والدولة المارقة والداعمة للإرهاب التي كرسها عهد الأب، غير أن الأمر كان مستحيلاً مع بنية النظام القائم، وتوحشها، فأخذت شعارات الإصلاح تتراجع وتضمحل، مما كرس عوامل الثورة وعززها في الواقع، وكان انطلاق الربيع العربي مناسبة متوقعة لثورة السوريين من أجل تغيير مصيرهم وخيارات بلدهم.
وباستثناء فشل بشار الأسد في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي واجهت عهده في السنوات العشر الأولى من حكمه، وفشل في مواجهتها، فقد صارت أمامه تحديات جديدة، طرحتها ساحات التظاهر وحواضنها الاجتماعية في معظم المدن والأرياف، وبذا تحولت التحديات إلى تحديات مركبة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية في المستويين الداخلي والخارجي، ولم يجد النظام سبيلاً لمواجهة الحالة إلا اللجوء إلى حالة القمع الدموية، والذهاب بالحل العسكري – الأمني إلى نهايته.
اليوم وبعد ست سنوات ونيف من الصراع في سوريا وحولها، لم يعد للأسد أي دور في مواجهة التحديات السورية، إذ لم يعد رئيساً في نظر الأغلبية السورية، التي قتل منها مليون شخص، ومئات آلاف المعتقلين والمختفين، وتشريد ملايين داخل سوريا، مع نحو ثلث السوريين في الخارج فيهم أكثر من ستة ملايين لاجئ في بلدان الجوار والأبعد منها، وتدمير البنى التحتية للمجتمع السوري ومعظم الملكيات الخاصة للسوريين، وتهميش دور الدولة إلى حدود الدور الأمني – العسكري. بل إن المؤسسة العسكرية – الأمنية، صارت عصابات مسلحة متنافسة، يستمر دورها بمعونة ووجود قوى خارجية، تتقدمها روسيا وإيران وتساعدها ميليشيات طائفية من جنسيات مختلفة أبرزها «حزب الله» اللبناني، ومؤيدو نظام الأسد المدنيون أسرى قوى خارجية، والنظام عاجز عن المضي في أي حل عسكري أو سياسي في القضية السورية.
لقد غدا بشار الأسد الأسوأ في كل تجارب الرئاسات التي مرت على سوريا، طوال أكثر من ثمانين عاماً مضت، بل هو الأسوأ في تاريخ العالم.
(*) كاتب سوري




المصدر