سمر الدريعي “وجوه من بلادي”

1 يونيو، 2017

عبد الرحيم خليفة

ذاكرة شعب لم يبق منها إلا الوجوه

احتفت الأوساط الثقافية الرومانية والسورية، بمعرض الفنانة السورية (الكردية) سمر الدريعي: (وجوه من بلادي) الذي ضم عشرات اللوحات الفنية لعشرات الوجوه من الجنسين، بما فيها رسومات متعددة للفنانة، بتعابير وإيحاءات مختلفة، وألوان من طبيعة واحدة، داكنة وحزينة، تنضح ألمًا ومعاناة شديدين لأصحابها الذين يعيشون ويتحركون بيننا، في واقع قاس ومرير، بينما تنبض قلوبهم بالمشاعر، ووجوههم بأحاسيس إنسانية مختلفة.

افتتح المعرض في العاصمة الرومانية/ بوخارست مساء 22 مايو الجاري، حيث تقيم الفنانة منذ سنوات، وسط حضور متنوع عربي وروماني وكُردي.

الوجوه المتعبة، المتألمة، القلقة، الواثقة، هي الموضوع الطاغي على أعمال الفنانة، بأسلوب أقرب للواقعية الشديدة، وهو أمر يبرر نفسه في ظل المحنة التي يتعرض لها السوريون، من دون أن يقلل من ثراء ريشتها بالموضوعات والأشكال الفنية التي تتقنها، والمدارس التي تنتمي إليها، وبسؤالها عن هذا الاستغراق في موضوع واحد ولون واحد، قالت الفنانة الدريعي لـ (جيرون): “لأنه لم يبق في ذاكرتي من بلادي سوى الوجوه، ويعتريني خوف وخشية شديدان أن تختلط ما تختزنه ذاكرتي من جمال بالبشاعة التي خلفتها (الحرب) والتخريب الحاصلين، لذلك اختصرت ذاكرتي بوجوه حفظت ملامحها بدقة متناهية”.

استضافت المعرضَ (المكتبة الوطنية)، وهي أحد صروح العمارة الفنية والثقافة الحديثة في رومانيا. ويستمر المعرض حتى نهاية الشهر الحالي، وقد قدم فنانون سوريون ورومانيون، في حفل الافتتاح الرائع، معزوفات موسيقية وأغنيات ورقصات فلكلورية من التراث الروماني، متأثرة بروح الشرق وتبرز التأثر المتبادل بين الثقافات والشعوب، خصوصًا في حقب تاريخية ماضية؛ ما أضفى على المناسبة أجواء فرح ومتعة فنية على الرغم من قسوة الألم الذي تفيض به الأعمال التشكيلية التي تحمل بدورها بصمات المحنة والتراجيديا السورية المستمرة.

سمر الدريعي فنانة معروفة في الأوساط الرومانية، كرّست حضورها منذ وصولها عام 1990، بعد مغادرتها بلدها، وهي ابنة عشرين عامًا، وأنهت دراستها في كلية الفنون الجميلة في جامعة بوخارست، وحصلت على الماجستير. وتتهيأ الآن لنيل الدكتوراه. والفنانة سمر متعددة المواهب والملكات الفنية، تجيد العزف على البيانو والأكورديون، أنهت في معاهد حلب دراسة الموسيقي والغناء، وحباها الله بصوت جميل عذب، لا يقل جمالًا عن فنونها الأخرى، وعن جمال روحها وشخصيتها.

من المصادفات أن يبدأ المعرض في يوم ذكرى وفاة والدها الفنان الراحل عبد الرحمن الدريعي 22 أيار/ مايو 2001، صاحب التأثير الأكبر على شخصيتها وتنمية مواهبها، منذ نعومة أظافرها، وهو المعروف في الوسط السوري، الكردي والعربي، رسامًا ونحاتًا وعازفَ ناي شهيرًا، رافق العديد من الفنانين، أبرزهم الكردي شفان، وعُرف مناضلًا يساريًا في إطار الحركة السورية الديمقراطية.

الجدير بالذكر أن الفنانة أقامت كثيرًا من المعارض الفنية في تركيا، والمغرب، وتونس، ولبنان، وكردستان العراق، فضلًا عن حلب. وتجهز لعدد من المعارض في باريس وعواصم عالمية أخرى. نالت جوائز وشهادات تقدير وتكريم عديدة، أبرزها الميدالية الذهبية من “المهرجان الدولي للفنون التشكيلية” في تونس عام 2013.

جاء في التعريف الذي قدمَته عنها، في حفل الافتتاح، إحدى المهتمات بالحركة الفنية التشكيلية، الناقدة روكسانا باربولسكو: إن المعرض سجل مرئي للقيم الأخلاقية والرغبة بالحرية التي تعلمتها من والدها منذ طفولتها، ويعكس موقفها من المعاناة التي يمر بها الشعب السوري. أما البرفسور جورجي غريغوري -الأستاذ في كلية الآداب ـ قسم اللغة العربية في جامعة بوخارست، والمتابع لنشاط الجالية العربية في رومانيا- فقد أبدى إعجابه بالمعرض الذي وصفه بالناجح، وقال لـ (جيرون) معلقًا: إن الظروف الراهنة التي تمر بها سورية أثرت في الفنانة سمر الدريعي، وفي وجوهها لما فيها من حزن واضح. الفنانة “تملك كل اللغات الإنسانية والحسية”، تجتهد بجدية ومثابرة نحو آفاق عالمية رحبة، وواسعة، وفي وجهها الذي وضعته علامة لمعرضها (بوستر) تختصر كل الوجوه في ملامحها وآلامها، بحيث يمكن القول إنها وجه يختصر معاناة شعب وأحلامه، تتألق في عطاءاتها المتعددة لتكون (ابنة الشمس)، كما عرفت نفسها، ذات مرة.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]