on
سورية بين “أبدين”
نزار السهلي
من داخل مستوطنة “كتسرين” بالجولان السوري المحتل، أطلق بنيامين نتنياهو صرخته: “سنبقى هنا وستبقى الجولان جزءًا من (إسرائيل) إلى الأبد”. تعيد (إسرائيل) إنتاج أمانيها التي تتحقق من دون تلكؤ، بإقامة علاقة “صحيحة” بين أبدها المزعوم في الجولان وكل المناطق المحتلة من جهة، وبين النظام السوري من جهة ثانية، وفق ما اتسمت عليه ملامح التأبيد المتبادل، في تهافت لفظ الشعار من أعلى الهضبة في الجولان، أو في قعر زنزانة يُركل فيها وجه سوري كي يردد “من هو رئيسك ولاه”، إذ لا معنى للأبد هنا دون فرضه بالقوة، من خلال تثبيت “إنسان وتهجير آخر أو إفنائه”. الدخول خلف تصريحات نتنياهو المتعلقة بالجولان، عشية الذكرى الخمسين لاحتلالها، يتضح منها أن مبدأ “الأبد” آخذ بالتحقق، أو في محاولة التحقق، ضمن سياق قوس الأزمات العاصفة بالمنطقة.
إسراع تل أبيب بالبوح بشعاراتها المستنبطة من وظيفة النظام في دمشق الذي أحسن الاستثمار في “أبد” سورية، بتوفير كل الأسباب والظروف الحيوية، لنشوء إدامة للمحتل في الهضبة السورية، ثمنها الباهظ دفعته وتدفعه إلى اليوم الأجيال السورية من وراء تأمين قوي للهضبة، مقابل أمان مديد للقصر الجمهوري أولًا، ليصار بعدئذ إلى “الأسد للأبد”.
لم يحمل المفهوم الذي أطلقه النظام على سورية “الأسد للأبد” المعنى المادي لحكم الأسد، بقدر شموله على رسائل تعني الوظيفة، يفهمها الإسرائيلي بعمق مديد ومريح، تُمكنه من العمل بعد التفكر بتمدد استيطاني دون كلفة محمولًا على توفير الأمن الأكثر تغطية في كل المناطق المحتلة، ونتنياهو يضيف لمفردة التعاطي الإسرائيلي مع الهضبة “إلى الأبد” بعد قاموس المفردات الإسرائيلية، بعدم الانسحاب وضم الجولان ومساومات التفاوض، يضيف بعدًا جديدًا له علاقة بسيكيولوجيا التعاطي مع أحداث المنطقة واستعصاءاتها في الربيع العربي، وتسخين كل الجبهات التي تدعم “أبديتين” على طرفي الهضبة، يحملان شعار: “وجودنا ضروري لعدم وصول الإرهابيين” للأبد.
بعد أن ارتأى نتنياهو نسخَ نظرية “الأبد” الأسدي من الشفاه إلى التطبيق، مراقبًا باستمتاع حوافز النظام السوري الذي أعاد بموجبها قساوة الطرح، بما يتعلق بمرتفعات الجولان كما تتصورها حكومته والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أعدتها بعناية كسياسة واضحة تجاه الهضبة، مقابل انعدام سياسة لنظام يستثمر في “الأبد” المغاير لسياسات المحتل المتوافق تمامًا مع استثمار النظام الذي سهل على الاحتلال المضي خمسة عقود بسلسلة من الإجراءات المتتالية من السيطرة إلى الضم ومشروعات الاستيطان وصولًا لترسيخ نظرية “الأبد”.
التنافس والتهافت على تأكيد الأبدية والخلود على ضفتي الهضبة، من قصر المهاجرين إلى تل أبيب، أعطى فيه الأول مكونات الصراع ومحدداته في الإطار التاريخي لحكم العائلة وامتدادها كحدث تاريخي أزلي، بلغ خمسين عامًا بين الأسد وسورية، تميزت بتكوين ملامح هذه العلاقة بترسيخ أوهام عن قدرية الأبد في الأسد الأب والابن، خلفت آثارًا ضخمة وكارثية يئن تحتها المجتمع السوري في انفجاره ضد أبدية التوحش، ومن آن إلى آخر كانت الفورات الدموية لتكريس الأبدية على سورية تظهر مآسي انتشاء أمد المحتل من فلسفة التأبيد الممنهج في حصار العقل والاستيلاء عليه إلى اغتصاب الجغرافيا، ومنها على الضفة الأخرى تهجير للملايين وقتل لمئات الآلاف، في محاولة لاستعادة صورة الأبد الزائفة.
القوة التي اعتقدت أنها تحمي “أبدية” الأسد عنوة في عقول السوريين، سقطت وهُزمت، وإن كان المحتل يتماهى معها في إعلان أبدية نهائية في الجولان، إلا أنه مدرك وغيره أن سقوط أبدية الأسد أصعب بكثير من التوجه إلى إسقاط أبدية المحتل، وهي قادمة لا محال مهما امتد التاريخ، فكل رسائل الأبد ووسائله، من الأسد للمحتل وبالعكس، لا قراء لها في مستقبل الشعب السوري.
المصدر