on
معالم دمشق القديمة تتبدل… وضغوطات لبيع بيوتها للإيرانيين
الإسمنت يشوّه منازلها التراثية… ومبالغ ضخمة للتنازل عنها |
منذ أن تعرّض بيت أهل سامر في دمشق القديمة لحريق نتيجة تماس كهربائي، بحسب ما قيل للعائلة، لم يتوقف التواصل معها من قبل وسيط سوري لبيع المنزل إلى شخص إيراني، وهو الأمر نفسه الذي يحصل مع كثير من العائلات السورية التي يضطر بعضها لتسليم بيوتهم لأسباب عدّة، منها الحاجة إلى المال، أو التعرض لضغوط قد تصل إلى الاتهام بإيواء إرهابيين.
ويشير سامر (30 عاما) في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن احتراق المنازل نتيجة حادثة معينة باتت الحجة المعتادة التي يستخدمها الموالون للنظام لتكون وسيلة يضغطون عبرها على أصحابها لبيعها ومن ثم تسكن فيها عائلات شيعية قادمة إلى دمشق من خارج سوريا. ويتحدث عن قلقه من أن ترميم المنازل بأيدي السكان الجدد لا يتم وفق الشروط التي ينص عليها القانون بصفتها منازل مصنفة «تراثية»، وهناك قواعد دقيقة في التعامل معها، مضيفا: «بدل المحافظة على طابع البيت التقليدي وحجارته وتصميمه، يتم محو آثاره وتغيير ملامحه باستخدام الإسمنت وإعادة تقسيمه بطريقة مختلفة، حتى إنه في بعض الحالات شيّد مكان البيت عدة طوابق، علما بأن ترميم أي منزل قديم في السابق كان ممنوعا قبل الحصول على موافقة مما يعرف بـ(مكتب عنبر)، وهو الأمر الذي كان يتم بصعوبة، أما اليوم، فالأمور لا تخضع لأي رقابة أو شروط».
وكانت أحياء دمشق القديمة التي تشكّل 5 في المائة من مساحة العاصمة قد سجّلت عام 1979 على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو. وتتميز منازلها بأسلوب العمارة الدمشقية القديم الذي يتشابه من حيث الهندسة الداخلية المبنية من الحجارة، ويتألف من فناء داخلي واسع مليء بأحواض النباتات والزهور تتوسطه البحرة الشامية الشهيرة.
وتواجه عائلة سامر مشكلة أساسية كبقية العائلات الدمشقية الأخرى، ممن رفضت بيع منازلها بعد تعرضها لحريق أو حادث.
وتمثل هذه الحالة نموذجا لعدد كبير من السوريين في العاصمة دمشق وريفها، حيث بدأ التغيير الديموغرافي يتسلّل إلى بلداتها منذ سنوات، وهو ما سبق أن ألقت الضوء عليه تقارير عدّة. ويؤكد رئيس مجلس دمشق الحرة (التي تشمل أحياء في جنوب دمشق خاضعة لسيطرة المعارضة) عرفان موصللي، لـ«الشرق الأوسط»، أن ظاهرة شراء منازل دمشق القديمة تتوسّع في الفترة الأخيرة وتتغير معها معالم المدينة الهندسية والديموغرافية: «علما بأنه في أحيان كثيرة يتم الاستيلاء على المنازل من دون معرفة أصحابها الذين غادروا سوريا منذ بدء الحرب». ويقول إن «أموالا طائلة تدفع للحصول عليها ومن ثم شغلها من قبل مقاتلين من العراقيين والإيرانيين واللبنانيين الشيعة وعائلاتهم، ويقوم بدور السماسرة سوريون موالون للنظام، ويتم بعد ذلك ترميمها من دون أي تراخيص، مما يؤكد التنسيق حول هذا الأمر مع حكومة النظام السوري».
ويقول معارضون إن الأجهزة الأمنية وضعت يدها بشكل مباشر على كل مدينة دمشق؛ إذ يمنع تأجير أو بيع أو شراء أي منزل إلا بعد الحصول على موافقة أمنية، وبالتالي الأجهزة الأمنية تقوم بتغير ديموغرافية دمشق كما تشاء وتختار سكان كل حي بحسب ما تريد.
وفي حين يلفت إلى أن العائلات التي تسكن هذه المنازل هي من العراقيين والإيرانيين واللبنانيين الشيعة، يؤكد أن السفارة الإيرانية تلعب دورا أساسيا في هذه الحملة، «علما بأن عناصر إيرانيين باتوا يتجولون في أحياء دمشق بشكل علني».
ويؤكد سامر أن الضغوط تمارس بشكل أساسي على العائلات السنية والمسيحية. ويصف المعارضون وضع «باب توما» الدمشقي ذي الغالبية المسيحية، بـ«المربع الأمني الخاص بالشيعة الإيرانيين الذين يحرسون الطرق كافة المؤدية إلى مقام السيدة رقية والجامع الأموي».
وكانت منظمة «سوريون مسيحيون من أجل السلام» قد عدّت في بيان لها العام الماضي، أن «تغيير التركيبة السكانية لسوريا وإحلال شعوب محتلة غريبة عوضا عن الشعب السوري الأصيل (هي جريمة تطال كافة مكونات الشعب السوري من مسلمين ومسيحيين) فإما بالقصف أو بفرض المحتل على أهل البلد ينتهك أرضهم ويفرض عادات غريبة لا تمت لهم بصلة، فيصبحون غرباء في بيوتهم ويهّجرون منها قسرياً».
ويستشهد موصللي بمثال «ما حصل قبل عام تقريبا في سوق دمشق القديم، عندما اندلع حريق في المحلات التجارية وقضى على عدد كبير منها، ومن ثم بدأت الضغوط عبر منع أصحابها من ممارسة أعمالهم أو الضغط لبيع العقارات بأساليب عدة وصلت إلى حد اعتقال أبنائهم»، وهو مشهد يقول إنه «يتكرّر اليوم في دمشق القديمة وأصحاب منازلها الذين ينجح عدد كبير منهم في المواجهة بينما يضطر آخرون للخضوع للأمر الواقع وتسليم أملاكهم للغرباء، مقابل لقمة العيش، لا سيما أن المبالغ التي تدفع كبيرة مقارنة مع العملة السورية التي باتت في أدنى مستوياتها».
المصدر