سورية وطن للموت… الحرب تطحن شباب


هيفاء بيطار

يروعني ما يحصل للشباب منذ بداية الثورة؛ تحولت سورية إلى وطن للموت، بالنسبة إلى شريحة كبيرة من شبابها المُحبطين الذين شهدوا العشرات من أقرانهم يموتون موتًا عبثيًا، ممن لم يستطيعوا الفرار من الجحيم السوري، ولم يستطع أهلهم دفع مبالغ كبيرة من المال للمُهربين كي يُهرّبوهم خارج وطن الموت. هؤلاء الشبان الذين عاينت الكثيرَ منهم أدمنوا على أنواع عديدة من المخدرات لتسكين آلام روحهم؛ ليُخدروا الألم الفظيع الذي ينهش قلوبهم، حين يتذكرون وجوه أصدقائهم الذين فقدوهم أو ماتوا غرقًا أو تحت التعذيب في أقبية سجون النظام، هؤلاء الشباب الضحايا دُفعوا دفعًا لتعاطي المُخدرات.

في كل دول العالم المتقدم الذي يحترم إنسانية الإنسان فإن هؤلاء يدخلون إلى مراكز علاجية لتخليصهم من الإدمان، ويُعاملون بحنان وتفهم. وتُخصص لهم جلسات عديدة مع أطباء نفسانيين لتفهّم أزماتهم النفسية، أما في سورية فهؤلاء الشبان الذين يتعاطون المخدرات يُلقى بهم في السجن، ويختص قسم الأمن الجنائي بضربهم ضربًا وحشيًا ومبرحًا بعصي وقضبان يقال عنها (عصي السيليكون) وهي بعد أن استفهمت عنها تتسبب في تمزيق اللحم، وبعدها يُجوع الشاب السجين المدمن على المخدرات، ولا يُقدم له سوى رغيف خبز في اليوم، ولا يُسمح لأهله أن يرسلوا له طعامًا، ويضطر الأهل لرشوة المحامين والقضاة بمبالغ باهظة كي يُفرَج عن أبنائهم. هكذا تتم معالجة الشباب المدمنين على المخدرات في سورية، وغالبًا ما نجد قضاة يبتزون الأهالي بترهيبهم من تحويل قضية ابنهم من مجرد تعاطي المخدرات إلى الاتجار بها، وعقوبة الاتجار هي السجن 15 سنة على الأقل.

وصفت كاتبة هندية كيف كانت الحكومة الهندية تتعامل مع المرضى النفسانيين في أوائل القرن التاسع العشر، إذ كانت تربطهم بسلاسل حديدية في منطقة مهجورة خارج المدينة وتتركهم يصرخون حتى تتمزق حبالهم الصوتية ويخرسون، ومن حين لآخر يأتي رجال الشرطة ليشبعوا هؤلاء المرضى المساكين ضربًا مبرحًا. لا يختلف تعاطي الحكومة السورية مع الشباب السوريين المدمنين على المخدرات والذين هم ضحايا بامتياز لظروف فائقة الوحشية يطيش الصواب لوحشيتها وقسوتها عن تعامل الحكومة الهندية مع المرضى النفسانيين في أوائل القرن التاسع عشر.

أين هي منظمات حقوق الإنسان؟ وأين المهتمون بقضايا الشباب وأزماتهم النفسية؟ وماذا يفيد الضرب المبرح إن لم يدفع هؤلاء إلى العودة إلى الإدمان؛ ليغرقوا في مستنقع الألم واليأس أكثر فأكثر، بعد أن تشوه جسدهم بالضرب المبرح وتمزقت أرواحهم من ألم الذل. قرابين للشيطان، أجل شباب سورية أضاحي وقرابين لشياطين العالم، ووحدهم عُزل في مواجهة قدر أوغل في أذيتهم.




المصدر