مع استمرار أزمة القمح في سوريا .. صراع على موسم الحسكة بين ثلاثة أطراف
13 حزيران (يونيو - جوان)، 2017
بدأ أهالي الحسكة مطلع شهر حزيران الجاري، حصاد موسمهم الزراعي من القمح والشعير، وسط توقعات بزيادة المحصول هذا العام عن السنوات الثلاثة الماضية، بعد تحسن الوضع الأمني في المحافظة نسبياً، وهطول كميات جيدة من الأمطار فاقت سنوات الجفاف الماضية.
ويتزامن إنتاج المحصول هذا العام مع صراع خفي وتنافس تعيشه أسواق المحافظة بين أطراف عديدة؛ هي مؤسسات نظام الأسد من جهة، والإدارة الذاتية التابعة لـ “وحدات حماية الشعب الكردية” من جهة أخرى، بالإضافة إلى تجار السوق السوداء، حيث يسعى كل منهم للحصول على الإنتاج.
وتعتبر محافظة الحسكة الخزان الاستراتيجي لأسواق سوريا من القمح حيث تنتج المحافظة سنوياً – بحسب أرقام وزارة الزراعة التابعة لحكومة نظام الأسد- نحو 36% من إنتاج البلاد، ومن المتوقع أن يصل إنتاج المحافظة هذا العام لنحو 600 ألف طن قمح، وفق مصادر مديرية الزراعة في الحسكة، وهي تعادل حالياً نصف كمية محصول البلاد تقريبًا.
أزمة موسم جديد
تبلغ حاجة سوريا من القمح اللازم لتحويله إلى طحين الخبز حوالي 1.5 مليون طن سنوياً، ومنذ العام 2011 تعاني البلاد من العجز في تأمين احتياجاتها بعد أن كانت قبل تلك الأعوام مُصدّرة له.
فبعد أن بلغ محصول سوريا من القمح خلال 2011 نحو 3.4 مليون طن، تراجع الإنتاج إلى 1.3مليون طن العام الماضي بنسبة انخفاض 55% وفق تقديرات منظمة الفاو العالمية.
ويعود ذلك وفق خبراء اقتصاديين لعدة أسباب أهمها: الحرب وخسارة مساحات زراعية واسعة، وحالة الجفاف التي أثرت بشكل واسع على أراضي الجزيرة نتيجة نقص الأمطار ومياه الري.
هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى مثل فقدان الأسمدة الآزوتية، وارتفاع تكاليف الحصاد نتيجة ارتفاع أسعار الوقود وأجور العمالة الزراعية، وعدم وجود مؤسسات داعمة للفلاحين تمنح القروض لهم، وتفضيل الفلاحين لمحاصيل أقل تكلفة وأكثر ربحاً.
وحول توقعات الإنتاج للعام الحالي ومدى العجز هذا الموسم قال الخبير الاقتصادي يحيى اسطنبولي، إنه لا يوجد حتى الآن تقديرات واضحة لإنتاج هذا العام بسبب عدم تسليم الفلاحين المحصول في هذا الموسم حتى الآن، واستدرك اسطنبولي بأنّ الموسم في أحسن أحواله لا يُتوقع له بأن يتخطى 1,5 مليون طن وذلك بسبب تأثر المحصول هذا العام وتضرره نتيجة الجفاف والأمطار الرعدية الغزيرة التي صاحبت فترة حصاده.
وأوضح اسطنبولي في حديثه الخاص لـ “صدى الشام” أنّ حالة العجز والتفاوت بين الإنتاج وحاجة الأسواق “تغطّى عبر الاستيراد والمساعدات الدولية، ورفع الأسعار سنوياً”، متوقعاً في السياق ذاته “ارتفاعاً بسيطا في أسعار الطحين والخبز للموسم الحالي”.
صراع
وفي إطار التحضيرات لبدء شراء القمح من المزارعين أوفد نظام الأسد وزير التجارة وحماية المستهلك قبل أيام إلى المحافظة، ورصد مبلغ مالي قدره 80 مليار ليرة لضمان تسويق المحصول وشرائه من الفلاحين، وسحب الإنتاج لمناطق سيطرته لتجنب أزمة الطحين التي حصلت خلال الأعوام الماضية وفي سبيل تقليل الاعتمادعلى الاستيراد بأسعار مرتفعة بالقطع الأجنبي.
وتشير أرقام السنوات السابقة إلى تزايد عجز النظام عن إقناع المزارعين ببيع الإنتاج له، ففي العام 2015 أقر أحمد القادري وزير الزراعة في حكومة النظام، بأن وزارته استلمت 300 ألف طن من القمح فقط أي ما يقل عن ربع الإنتاج المقدر.
وفي محاولة منها للاستحواذ على أكبر قدر من المحصول رفعت حكومة النظام هذا العام سعر شراء القمح الطري والقاسي من المزارعين من 125 إلى 140 ليرة لكل 1 كغ، وهو ما اعتبره بعض المراقبين قليلاً ولا يتناسب مع ارتفاع تكاليف الإنتاج الكبيرة واختلاف الأسعار.
كما دخلت الإدارة الذاتية التابعة لـ “وحدات الحماية الشعب الكردية” في المحافظة على خط المنافسة، وأعلنت نيتها شراء القمح من الفلاحين لأول مرة بهدف تخزينه وتحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث أفاد ناشطون أن السعر الذي حددته الإدارة الذاتية للكغ الواحد هو 137 ليرة.
وحول أهمية التنافس على محصول هذا العام وحظوظ الأطراف بتأمين القمح لمناطقه أوضح عضو “تجمع إئتلاف شباب الحسكة” الناشط أيهم الحاج أنّ “تراجع إنتاج سوريا من القمح، وتركز معظم الإنتاج في منطقة الجزيرة دفع الأطراف هذا العام لمحاولة إرضاء الفلاحين وشراء المحصول منهم لتأمين حاجة الأسواق في المناطق التي يسيطر عليها كل طرف تجنباً للاستيراد بأسعار أعلى”.
وأضاف الحاج في تصريح لـ صدى الشام، أنّ هذه الأسعار”أقل من توقعات الفلاحين كونها لا تغطي سوى تكاليف الإنتاج، وبهامش ربح بسيط لا يوازي حاجتهم”.
وحول حظوظ الجانبين في نيل الحصة الأكبر من الإنتاج أوضح الحاج أنّ “هناك تعاوناً بين الطرفين لا يخفى على أحد، وهما سيقتسمان الإنتاج في النهاية سواء بشكل مباشر، أو عبر تجار متنفذين يتبعون لهم، يحتكرون شراءه من الفلاحين بسعر أعلى قليلاً ثم يقومون بتسليمه لأحد الطرفين”.
تهريب المحصول
برزت خلال السنوات السابقة شبكات من المهربين تعمل على شراء القمح بأسعار أعلى من المطروحة في الأسواق، ثم تقوم بتصديره عبر شبكات خاصة إلى إقليم كوردستان في العراق.
ويتسبب تهريب المحصول – وفق الحاج- بزيادة أزمة الطحين في المنطقة، حيث باعت محافظة الحسكة معظم محصولها للخارج العام الماضي، ماتسبب بنقص حاد في المادة وارتفاع الأسعارفي فصل الشتاء.
وتحصل هذه الشبكات، وفق الناشط الإعلامي المقيم في الحسكة خالد سوادي، على دعم جهات متنفذة من “حزب الاتحاد الديمقراطي” الذي يسهّل وصول المحصول مقابل مبالغ مادية.
وتحدث الناشط لـ صدى الشام عن الأرباح الكبيرة التي يجنيها التجار بهذه العملية بسبب فرق الأسعار بين المناطق، حيث يتجاوز سعر الكيلو الواحد هناك 400 ليرة سورية.
وأشار إلى طريقة أخرى يتبعها التجار وهي تخزين الموسم للشتاء ثم بيعه بأسعار أعلى بكثير إما للمطاحن الخاصة التي بدأت تنتشر بكثرة في المنطقة، أو لمناطق النظام والمعارضة التي تضطر حينها لدفع مبالغ أكبر للحصول على الطحين.
يشار إلى أن محافظة الحسكة خسرت مؤخراً أراضٍ زراعية واسعة كانت تزرع بالقمح والشعير لصالح محاصيل أخرى، حيث أشارت مديرية زراعة الحسكة التابعة للنظام قبل فترة قصيرة إلى تنامي اهتمام المزارعين بالمحاصيل الطبية والعطرية، مثل الكمون وحبة البركة، والكزبرة والتي تحقق مكاسب مادية كبيرة مقارنة بالحبوب، وبالتالي فقد انخفضت مساحات القمح والشعير وفق إحصاءات المديرية إلى الربع مقارنة بمساحاتها قبل خمس سنوات.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]