هل زوال (داعش) نقطة في صالح الثورة؟


ثائر الزعزوع

لو قلنا اليوم إن الثورة انتهت، فإن ردات الفعل ستكون -بكل تأكيد- أقلّ حَدّة منها في العام الماضي أو الذي سبقه؛ ففي حين كنا سنسمع ردودًا قاسية وقتئذ؛ فإننا اليوم قد نواجَه بهزة رأس لا تخلو من الإحساس بخيبة الأمل، فواقع الحال يبعث على اليأس، ولا يبقي حتى على بصيص أمل صغير يستظل به أولئك الذين ما زالوا قابضين على جمرة الثورة، ويؤملون أنفسهم بأن انتصارها آتٍ لا محالة، فالانتكاسات التي شهدها العام الأخير بدءًا من سقوط حلب، مرورًا بعمليات التهجير المنظمة المستمرة، وصولًا إلى الظهور الأخير لرأس النظام السوري مختالًا في أحد أحياء العاصمة دمشق، مسوّقًا نفسه من جديد رئيسًا شابًا عصريًا لديه شعبية، لا يطيل لحيته، وترتدي زوجته ملابس أنيقة، يتعامل بالسوية نفسها مع المحجبات وغير المحجبات، دون أن نسقط من حساباتنا الخلاف الخليجي-الخليجي الذي جعل خصوم النظام يتخاصمون، كل هذه التفاصيل تقدم واقعًا سوداويًا وتحيلنا بالضرورة إلى تقبل فكرة أن الثورة صارت في خبر كان، طبعًا بعد أن نضيف إليها الصراعات القائمة حاليًا والمتركزة على إنهاء وجود تنظيم (داعش)، سواء في محافظة الرقة أو في محافظة دير الزور فيما بعد، وتنسى كليًا أن الخطر الأكبر على السوريين كان -وما يزال- هو نظام دمشق وحلفاؤه الكثر من روس وإيرانيين وميليشيات متعددة الجنسيات.

إلا أن هذه النتيجة المخيبة للآمال تصطدم بوقائع تاريخية أيضًا تحيلنا بالضرورة إلى استعراض مراحل مشابهة من التاريخ، سواء في محيطنا الجغرافي أو في محيطات جغرافية أخرى، إذ تؤكد لنا تلك الوقائع أن ما حدث -ويحدث، وسيحدث- في سورية، منذ سنوات وحتى يومنا هذا، ليس سوى إعادة لوقائع مرت من قبل في روسيا القيصرية السابقة إبان الثورة الشيوعية، وفي فرنسا إبان ثورتها أيضًا، ولعل هاتين القراءتين فحسب توفران علينا كثيرًا من الإحباط؛ وتجعلنا نوافق على أن ما يحدث لم يخالف المتوقع حتى الآن، وأن علينا انتظار ما هو أسوأ ربما، ريثما تأتي تلك اللحظة التاريخية الفارقة التي ستعلن انتصار الثورة، دون أن نرفع من سقف توقعاتنا ونعتقد أن الكثيرين ممن شهدوا بداياتها سيكونون أحياء ليشهدوا وصولها إلى نقطة النهاية، فالأمر ليس مرهونًا لا بأشهر، كما لا ننفك نخدع أنفسنا، ولا بقرار دولي كما لا ينفك المجتمع الدولي يمارس علينا لعبة الخداع تلك، فالثورة لن تنتصر بمجرد سقوط النظام الاستبدادي، فهذه الجزئية كانت -وكما يعلم الجميع- وسيلة ولم تكن غاية، وقد تحولت، ربما بسبب السذاجة، إلى غاية بحد ذاتها، إذ كان إسقاط النظام الحاكم (للتذكير فقط) مدخلًا لبناء سورية حرة ديمقراطية، وصار الكثيرون يرددون بلا تفكير أن هدف الثورة هو إسقاط نظام الحكم، ولأجل هذا؛ فقد أُجّلت كافة التصورات لسورية ما بعد الأسد بانتظار سقوطه، وهذا الأمر سبب خللًا كبيرًا في تجمعات المعارضة السورية، وحتى القوى الثورية، وقد انطلت تلك الخديعة من قبلُ على الثورة المصرية، فاقتنعت أنها، بإسقاطها الرئيس الأسبق حسني مبارك، قد وصلت إلى “بر الأمان”، وهذا ما لم يحدث طبعًا.

طبيعة الثورة السورية مختلفة كليًا عن الثورة المصرية، كما أن طبيعة النظام السوري وتركيبيه وبنيته تختلف كليًا عن طبيعة النظام المصري وتركيبته، إلا أن تشابه الحالتين يقودنا إلى هذه المقارنة، إذ يتوقع علماء سياسة ومحللون مختصون أن الثورة المصرية قد تعود للاندلاع من جديد، ما يعني العودة إلى نقطة الصفر، ودون توقع شكل أو مسارات الثورة الجديدة في حال اندلاعها.

إذًا فالثورة السورية مستمرة، على الرغم من أنها صارت ملعونة، هذا الكلام يبدو على قسوته واقعيًا، ولا أريد الادعاء أنني أجريت استطلاعًا للرأي، واستمزجت آراء الناس لأصل إلى هذا الاستنتاج، لكنه شعور بات الكثيرون يكتبونه بمداراة أحيانًا، بل قد شهدنا ردة عن الثورة من قبل البعض، فالدولة باتت ممزقة، وصار حلم الرجوع والعودة يراود الكثيرين، وفي ظل غياب أي تصور لحلٍّ، وإن كان وسطيًا، فإن علينا أن نتوقع ارتدادًا أكبر، بل وانتكاسات في جسد الثورة، لكن، ماذا إن زال تنظيم (داعش) حقًا؟ ألن يشكل زواله أو على الأقل تحجيمه دفعة معنوية للثورة؟

جميع ما حدث منذ اليوم الذي ظهر فيه تنظيم (داعش) وحتى أيامنا هذه يقدم لنا أدلة وبراهين على أن المستفيد الوحيد من التنظيم كان نظام دمشق، وأن دخوله على المعادلة السورية جاء أشبه بزورق نجاة للنظام الذي كان أوائل العام 2013 يترنح، وكان قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وقد كشفت عشرات الوثائق وجودَ علاقة بين التنظيم والنظام، وقد اعتمد أحدهما على الآخر في تحطيم الثورة والقضاء عليها، ونجحا في المنطقة الشرقية وتحديدًا في محافظة دير الزور؛ فأخرجا المحافظة المتمردة من معادلة الثورة باكرًا، واستفردا بما تبقى من المناطق تباعًا.

مرة أخرى لا نريد أن نرفع سقف توقعاتنا، ونعدّ أن سقوط تنظيم (داعش) يعني بالضرورة سقوط نظام دمشق، إذ إن المعطيات تشير حتى اللحظة إلى أن احتلالًا جديدًا يتأهب ليأخذ مكان الاحتلال القديم، ودون أن نثير حساسية أحدٍ من السوريين، فإننا نتحدث تحديدًا عن ميليشيات الحشد الشعبي التي تتأهب للانقضاض على تركة (داعش)، فهل تدرك المعارضة السورية أن عليها أن تقطع الطريق على أولئك القادمين من وراء الحدود، بعمل سياسي وعسكري أم أنها ستبدأ بالتباكي باكرًا، وهي تدرك تمامًا، وقد جربت هذا الأمر مرارًا، أن العالم لا يكترث لبكاء المهزومين؟.




المصدر