ما هي رسائل طهران من قصف سوريا بالصواريخ من داخل الأراضي الإيرانية؟


قصفت إيران يوم الأحد 18 يونيو/ حزيران 2017 شرق سوريا بصواريخ أطلقتها من داخل الأراضي الإيرانية، في تحرك عسكري جديد تُقدم عليه طهران لأول مرة منذ مساندتها لنظام بشار الأسد عسكرياً منذ بدء الثورة في سوريا منتصف مارس/ آذار 2011.

وقال "الحرس الثوري" الإيراني إنه قصف مقاتلين من تنظيم "الدولة الإسلامية" في دير الزور شرق سوريا، بواسطة صواريخ أرض أرض متوسطة المدى، مشيراً أنه أطلقها من محافظتي كرمنشاه وكردستان شمال غربي البلاد".

ويُعد التحرك الإيراني الجديد تطوراً عسكرياً لافتاً في النشاط الإيراني في سوريا، كما أن توقيت الضربة الصاروخية أثار المزيد من التساؤلات عن هدفها وما تريد إيران قوله من خلالها.

ويشير مراقبون إلى رسائل عدة أبرزها أن الضربة الصاروخية جاءت بعد أيام من هجوم لـ"تنظيم الدولة" على مبنى البرلمان الإيراني، وضريح "آية الله الخميني"، وهو ما مثل هزة للإيرانيين الذين أعربوا مراراً عن مخاوفهم من تورط بلدهم العسكري في سوريا، فضلاً عن أن أصوات إيرانية تتعالى بين الحين والآخر احتجاجاً على الفاتورة الكبيرة التي يدفعها المقاتلون الإيرانيون لقاء دعمهم للأسد وبقائه في السلطة.

وبدت الضربة الإيرانية بمثابة طمأنة للداخل المهتز في المقام الأول، وتأكيد جديد على أن إيران قادرة على حماية نفسها، إذ قال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي إن "الهجمة تظهر جدية إيران وإرادتها في مكافحة الإرهاب"، فيما قال "الحرس الثوري" إن "القصف جاء انتقاماً لضحايا هجوم تنظيم الدولة في إيران"، وأكد أن استهداف الإيرانيين لن يمر "دون انتقام".

رسائل للخارج

وتحمل الضربة الصاروخية كذلك رسائل تتجاوز الصعيد المحلي، وموجهة إلى دول فاعلة في منطقة الشرق الأوسط والخليج مفادها أن إيران دخلت مرحلة جديدة لإظهار نفسها كقوة إقليمية، وفي مؤشر على ذلك، زعم بروجردي إن "استهداف المسلحين بصواريخ على بعد 700 كيلو متر هو بداية مرحلة جديدة لمواجهة الإرهاب"، حسب تعبيره.

ويشير محللون إلى أن إيران أرادت إظهار تفوقها العسكري وقدرتها على حماية حلفائها عن بعد في اليمن (حيث تدعم الحوثيين)، وسوريا (حيث تدعم نظام الأسد وتقود ميليشيات هناك).

وفي هذا السياق، قال ريك فرانكونا، محلل الشؤون العسكرية بشبكة "سي إن إن" الأمريكية، أمس الإثنين، إن "إعلان الحرس الثوري الإيراني، إطلاق صواريخ على أهداف في سوريا يعتبر تصعيداً خطيراً"، وأضاف: "عملية انتقاء إيران للأهداف في سوريا مثير للاهتمام، فهم يقولون إنهم يستهدفون الأشخاص ذاتهم ممن يقفون وراء هجوم العاصمة الإيرانية، طهران، ولكن، وفي الوقت ذاته فإن ذلك قدم دعما كبيرا وإسنادا ضروريا لقوات النظام في سوريا والعمليات التي تقوم بها في الوقت الحالي في تلك المنطقة."

ولا تخفي الضربة الإيرانية رسائل مبطنة إلى روسيا التي من المفترض أنها حليف استراتيجي لها في سوريا، إذ أرادت طهران أن تخبر موسكو بأن إطلاق الصواريخ البعيدة ليس حكراً عليها في سوريا، خصوصاً وأن روسيا قصفت أكثر من مرة الأراضي السورية من بوارجها العسكرية في بحر قزوين وأعماق البحر الأبيض المتوسط.

وتأتي هذه الرسائل الموجهة إلى روسيا في وقت تصور فيه موسكو نفسها بمثابة القائد الفعلي والآمر الناهي للعمليات العسكرية في سوريا، وأن جميع القوات الأخرى بما فيها قوات النظام والميليشيات الأجنبية التابعة لإيران مجرد منفذة للأوامر، كما أن إيران يبدو أنها بضربتها الصاروخية تحاول التعويض عن عدم السماح لطائرتها بالتحليق في سوريا، سواء بسبب معارضة الروس لذلك، أو إمكانية استهداف التحالف الدولي لطائرات إيران من ناحية ثانية.

ورأى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هارئيل، أنه ينبغي النظر إلى إطلاق الصواريخ الإيرانية ضد مواقع "تنظيم الدولة" على أنّه عرض قوة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن إطلاق الصواريخ هو بمثابة رسالة إلى كلٍّ من أمريكا وروسيا وإسرائيل أيضًا، بأن إيران "مستعدة لزيادة المراهنة في سوريا لحماية ما استثمرته في حماية مصالحها الاستراتيجية هناك، عبر دعم النظام واستمرار تثبيت تأثيرها في العراق وسوريّة ولبنان.

مشروع إيران

كذلك فإن الضربة الصاروخية الإيرانية تحمل رسائل متزامنة مع خطة ميليشياتها التوسع في الشرق والجنوب والجنوب الشرقي من سوريا، لإقامة ممر بري إيراني، يبدأ من الأراضي الإيرانية مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان حيث معقل ميليشيا "حزب الله" اللبناني، وبما يسمح لإيران بالوصول إلى البحر المتوسط.

خصوصاً وأن إيران تواجه تحديين في مشروعها هذا، الأول وهو رفض فصائل المعارضة السورية وأمريكا والأردن لإقامة ذلك الممر، والثاني المهمة الصعبة لإيران في تأمين حمايته، خصوصاً وأن التحالف الدولي قصف 3 مرات قوافل عسكرية لميليشيات مساندة للنظام وتدعمها إيران قرب معبر التنف الواقع على الحدود الأردنية السورية في منطقة مجاورة للحدود العراقية السورية.

ويؤكد التحالف أنه لن يسمح للميليشيات الإيرانية بالاقتراب من قاعدة له عند التنف مخصصة لتدريب مقاتلين من المعارضة السورية لمواجهة "تنظيم الدولة". وعليه يبدو أن إيران أرادت الإشارة إلى أنها قادرة على توجيه صواريخها إلى المنطقة التي تنوي ضمها لنفوذها.

وتسببت الضربة الصاروخية الإيرانية مع إسقاط التحالف الدولي يوم الأحد الفائت طائرة سوخوي 22 تابعة لنظام الأسد في ريف الرقة بتعقيد المشهد العسكري في سوريا وزيادة التوتر بين الدول المنخرطة بالمواجهات الكبرى التي تشهدها البلاد.

واليوم الثلاثاء، عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، عن أمله ألا يؤدي التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وروسيا في الأجواء السورية إلى تصعيد فيما وصفه بـ"الصراع المثير".

وقال جوتيريس في مؤتمر صحفي "أتمنى بشدة أن يكون هناك عدم تصعيد في الوضع لأن مثل هذا النوع من الحوادث يمكن أن ينطوي على خطورة بالغة في صراع يضم مثل هذا العدد الكبير من الأطراف والذي يكون فيه الوضع معقداً جداً على الأرض".




المصدر