مستوطنات اللاجئين السوريين غير النظامية في لبنان …أرقام مرعبة


شذى ظافر الجندي

تشير إحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين السوريين، في لبنان، بلغ مليونًا و17 ألف و433 لاجئًا. ولم تنشر السلطات اللبنانية أي إحصاءات عن عدد اللاجئين السوريين دون وضع قانوني، لكن “خطة لبنان للاستجابة للأزمة” التي نشرت في يناير/ كانون الثاني 2017، تقدر أن 60 في المئة، ممّن تزيد أعمارهم عن 15 عامًا، يفتقرون إلى الإقامة القانونية، ويقيم عدد كبير من هؤلاء في المخيمات العشوائية.

تتوزع في لبنان العديد من المخيمات العشوائية نحو (1700 مخيم) التي تفتقر إلى أبسط شروط الحياة الإنسانية، وتضم هذه المخيمات التي تمتد، بين قرى سهل عكار في شمال لبنان والبقاع، آلاف العائلات السورية اللاجئة التي تعيش في كرفانات خشبية، وخيام من الخيش والأقمشة والبلاستيك. يشار إلى المخيم -رسميًا- على أنه من بين المستوطنات العشوائية؛ إذ لا يسمح لبنان بإقامة مخيمات للاجئين إليه، عدا تلك المخصصة للفلسطينيين منذ عقود.

تفتقر هذه المساكن البدائية إلى الكهرباء ومياه الشرب والخدمات العامة. ولا رقابة للدولة اللبنانية على المخيمات العشوائية للاجئين السوريين، على الرغم من متابعة مفوضية اللاجئين والجهات المانحة لأوضاعهم. وقد أكد ذلك وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس، عندما قال في مؤتمر عن اللاجئين: “إننا تجاهلنا الأمر طوال 3 أعوام، حتى أصبح الورم مهددًا للحياة، وتغاضينا حتى دخل الطوفان إلى البيوت، وما زلنا حتى الآن نتناقش عن جنس الملائكة وجنس الخيم، في حين أن لبنان امتلأ بالمخيمات العشوائية التي أصبح عددها 1700 مخيم، لا رقابة للدولة عليها أمنيًا وصحيًا واجتماعيًا وتربويًا”.

Picture1

يزداد الاحتكاك بين اللاجئين السوريين والمواطنين اللبنانيين يوميًا بسبب الضغط على الموارد وفرص العمل. وكان منسوب التوتر الاجتماعي قد ارتفع خلال الفترة الماضية، نتيجةً لذلك، حيث تتخذ البلديات إجراءات أكثر تشددًا بحق مستوطنات اللاجئين غير النظامية. وخلال جولة ميدانية تلمّسْنا الوضع الحقيقي لحياة اللاجئين في المخيمات البقاعية، على الرغم من تقديم مساعدات الجمعيات المحلية الغذائية والصحية وغيرها، إلّا أنّ وضعهم الحياتي صعب جدًا؛ حيث تفتقد مخيمات اللاجئين أدنى مقومات العيش الكريم، وتنعدم فيها شروط السلامة الصحية والبيئية، ويرى مراقبون أن حجم المأساة التي يعيشها سكان هذه المخيمات كبير جدًا، ويؤكد كثيرون أن المخيمَ ليس مكانًا صالحًا للعيش الكريم.

الفقر المدقع بين اللاجئين السوريين

في عام 2016، نشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، دراسةً تحذر من انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي بين اللاجئين السوريين في لبنان. وذكرت الدراسة أن أكثر من ثلث اللاجئين شارفوا على الوصول إلى خطر المجاعة، بزيادة قدرها 12 نقطة مئوية مقارنة مع دراسة مشابهة، أجريت في عام 2015، فضلًا عن وجود تحديات خطيرة في مجالات الإقامة والتعليم والسكن.

وأهم ما جاء في التقرير أن 70.5 في المئة، من اللاجئين السوريين في لبنان، يعيشون تحت خط الفقر، 4.6 في المئة من الأطفال يعانون من نقص في الوزن، 54 في المئة يحتاجون إلى دعم متواصل من أجل ترميم وتأهيل الملاجئ، و41 في المئة يقيمون في مساكن هشة وغير آمنة، بما في ذلك خيام مرتجلة في المخيمات العشوائية”.

في المخيمات العشوائية، يستأجر السوريون الأرض من اللبنانيين، يقول أحدهم “الأرض استأجرناها من المالك اللبناني، وكل أسرة يحدد لها مربع من الأرض لتبني خيمتها، وتدفع ما بين أربعين إلى خمسة وسبعين دولارًا شهريًا للمالك، حسب مساحة الأرض ومكانها.”

ويدير المخيم شخص يسمى (الشاويش)، وهو الزعيم الذي يترأس المخيم، ويحل الخلافات والنزاعات.  يستأجر الأرض ويقسمها ويؤجرها للنازحين. وللشاويش مهمات أخرى في المخيم حين يزداد عدد السكان، فهو مندوبهم أمام المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية.  وهناك الكثير من القصص التي يحكيها اللاجئون عن الشاويش وتحكمه بالمساعدات، إذ يحتفظ لنفسه بحصصٍ أكبر من المساعدات، وقد يبيعها لأصحابها نفسهم. كما سمعنا الكثير من القصص عن نساء، لم تتمكن من دفع أجرة الخيمة، فأخذ الشاويش أطفالهم للعمل في الحقول الزراعية لدفع أجرة الأرض.. وغير ذلك من أنواع الاستغلال للنساء والأطفال.

 خمسون في المئة من الأطفال محرومين من التعليم

نحو خمسين في المئة من اللاجئين السوريين الذين تراوح أعمارهم من 5 إلى 17 عامًا في لبنان، لا يرتادون المدارس حاليًا؛ حيث تتردى أوضاع التعليم في المدارس المحلية. ووفق تقديرات الأمم المتحدة، ثمة 200 ألف طفل لاجئ لم يلتحقوا بالمدارس في مختلف أنحاء لبنان. وفي تقرير 2017 عن أوضاع اللاجئين الذي أصدرته الأمم المتحدة، يتبيّن أنّ 48 في المئة من الأطفال الذين هم في سنّ التعليم الابتدائي غير ملتحقين بالمدرسة، ويتركز أعلى معدّل للأطفال غير الملتحقين في المدرسة في البقاع، بنسبة 70 في المئة، في حين أنّ أدنى معدّل في الجنوب بنسبة 32 في المئة. هذه المعدلات أعلى بكثير بين الأطفال الذين هم في سن التعليم الثانوي، حيث تظهر نسبة خطرة هي 84 في المئة من الأطفال الذين هم من هذه الفئة العمرية، غير ملتحقين بالمدرسة. يفرد التقرير مساحة للذين يعانون من إعاقة، إذ يتبين أن نحو 7 في المئة من الأسر تتضمن طفلًا أو شابًا من ذوي الإعاقة، ونسبة حضور هؤلاء إلى المدارس دائمًا منخفضة.

ينتج من التسرب المدرسي ارتفاع في عمل الأطفال، خصوصًا أن التقرير يظهر أن “نسبة الأسر التي تقترض المال أو التي تتكبد ديونًا ارتفعت إلى 90 في المئة، حيث بلغ متوسط ديون الأسر 857 دولارًا، كذلك ذكرت 44 في المئة من الأسر أنها تتكبد ديونًا تصل إلى 600 $ دولار أو أكثر”. بناءً عليه، إن 3 في المئة من الأطفال دون سن الـ 15 يعملون مقابل 18 في المئة من الأطفال المراهقين. على الرغم من أن المساعدات مكّنت من “وقف التدهور الحاد نحو الفقر الذي رُصد بين العام 2014 والعام 2015″، إلا أن نسبة الأسر التي تعيش دون خطّ الفقر بلغ 71 في المئة، حيث إن إجمالي الإنفاق الفردي لأكثر من نصف الأسر يقع دون الحدّ الأدنى للإنفاق من أجل الاستمرار!

جيل من الأطفال السوريين “مكتومي القيد”

أورد التقرير الذي أصدرته مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين عن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، وحمل عنوان (الاستجابة المشتركة بين الوكالات للتصدي لأزمة النازحين السوريين في لبنان) أن 70 في المئة من الأطفال السوريين المولودين في لبنان لا يحملون وثائق ولادة. ويقدر عدد الولادات الحاصلة في لبنان للاجئين السوريين والمسجلة لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منذ 2011 لغاية 2017 بـ 115 ألفًا، فيما يؤكد وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي لـ (الحياة)، أن نحو 100 ألف طفل سوري ليسوا مسجلين لدى السلطات اللبنانية. ويواجه هؤلاء الأطفال الذين لا يحوزون وثيقة ولادة، خطر التعرض لانعدام الجنسية، إذ إنه سيكون من الصعب عليهم إثبات مكان ولادتهم وهوية أهلهم وتاليًا تابعيتهم السورية فيما بعد، ما لم تُعتمد إجراءات استثنائية خاصة من قبل الدولة اللبنانية والسورية بهذا الصدد. وفي غالب الأحيان، يجد الأهالي صعوبة في تسجيل أولادهم بسبب عدم حيازة الأهل مستندات ثبوتية، أو عدم حيازة الأهل إقامة شرعية في لبنان، أو صعوبة إثبات زواج الأهل وعدم الحصول على شهادة ولادة من طبيب أو قابلة قانونية.

إن هؤلاء الأطفال غير المسجلين معرضون بشكل خاص لانعدام الجنسية، ذلك بأنهم، من غير شهادات الميلاد، يفتقرون إلى الأدوات الأساسية التي تثبت جنسيتهم. وقد يُحرم هؤلاء الأطفال من إمكانية الاستفادة من الرعاية الصحية والتعليم، ويواجهون خطرًا متزايدًا من الاستغلال، كاستغلالهم في تجارة الجنس أو التبني غير القانوني أو تجارة الأعضاء والاتجار بالبشر.

دراسة عن مدى احساس اللاجئين السوريين بالأمان في لبنان

خلصت دراسة أعدها معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، بدعم من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبتمويل من RDPP وحملت عنوان (دراسة عن مدى إحساس اللاجئين السوريين بالأمان في لبنان) خلصت إلى أن 70 في المئة من هؤلاء السوريين المستطلعين لا يحملون أوراقًا قانونيةً؛ ويعود السبب الرئيس إلى ضرورة وجود كفيل لبناني وارتفاع تكلفة الرسوم، علمًا أن 87 إلى 91 في المئة يعتقدون أن الأوراق القانونية تؤثر في أمنهم. وأوردت أرقامًا تظهر أن 34 في المئة من السوريين في بيروت لا يشعرون بالأمان، بينما تصبح هذه النسبة 30 في المئة في الشمال، و27 في المئة في البقاع، و18 في المئة في جبل لبنان، و13 في المئة في الجنوب.

قدمت الدراسة أن 76 في المئة من السوريين في بيروت لا يشعرون بأنهم مرحّبٌ بهم، بينما تصل هذه النسبة إلى 64 في المئة في الشمال، و62 في المئة في البقاع، و53 في المئة في جبل لبنان، و51 في المئة في الجنوب. وأشار 50 في المئة إلى أن الوضع يزداد سوءًا؛ الأمر الذي ينسحب أيضًا مع الوقت على العلاقة بالسلطات ودرجة الأمان.

وفي تحليل الدراسة أن النسب تعكس حلقة مفرغة تأسر السوريين وتؤدي بهم في نهاية المطاف إلى ارتفاع شعورهم بعدم الأمان بمرور تدهور الأوضاع مع الوقت. كما أن تكلفة المعاملات الرسمية والصعاب القانونية التي تواجه اللاجئين بغية التسجيل لدى الأمن العام تؤدي إلى امتناع نسبة كبيرة منهم أي 70 في المئة عن تجديد أوراقهم؛ ما ينعكس أيضًا على العمل بدون ترخيص، علمًا أن 62 في المئة من المستطلعين يعملون. والواضح أن شروط العمل لا تسمح لهم بتوفير حاجاتهم ولا التوصل إلى حلول لمسألة حصولهم على الأوراق القانونية؛ مما قد يؤدي أيضًا إلى فقدان تعاطف اللبنانيين الذين يشكون من أن السوريين يأخذون منهم فرص العمل. وأوصت الدراسة بتسهيل شروط منح اللاجئين السوريين الأوراق القانونية الضرورية وآلية تجديدها وإلغاء نظام الكفالة، وتقليص التكلفة. وطالبت بتعزيز تطبيق قانون العمل فيما يخص السوريين، وتشجيع المساواة في معاملة السوريين. وحضت على عدم السماح للبلديات بتخطي القوانين، وعلى توسيع سوق العمل ودرس فرص العمل المتوفرة في السوق اللبناني مع مقارنة العرض والطلب، والأجور، شروط العمل والحاجات.

كما بينت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية بعنوان (تقييم أثر اللاجئين السوريين في لبنان وظروف تشغيلهم)، بأن قرابة ثلث اللاجئين السوريين في سوق العمل اللبنانية عاطلون عن العمل. وأشار التقرير إلى أن معظم اللاجئين العاملين يعانون من تدني الأجور ومن ظروف عمل قاسية، فضلًا عن افتقارهم إلى المهارات والتحصيل العلمي. إذ إن 88 في المئة من اللاجئين السوريين يعملون في مهن متدنية أو متوسطة المهارة. وكشفت الدراسة أن تدني الأجور، وارتفاع معدل البطالة، وعدم تنظيم سوق العمل تطرح تحديات خطيرة على معيشة السكان واللاجئين في المجتمعات المحلية اللبنانية المضيفة.

المساعدات الإنسانية والإغاثية للاجئين السوريين في لبنان

وجّهت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الشريكة المعنية في قضية اللجوء السوري، نداءً جديدًا للتمويل بقيمة 4.69 مليارات دولار، حاز لبنان الحصة الأكبر منها نظرًا إلى استضافته أكثر من مليون لاجئ. وقد بلغت حصة لبنان من النداء المطلوب ملياري دولار، تتوزع على مجالات عدة: الصحة، الأمن الغذائي، التعليم، الحماية والمأوى.

تخصص خطة عام 2017، 361 مليون دولار إقليميًا لتحسين ظروف وصول الناس إلى المياه النظيفة وتحسين النظافة العامة في المخيمات والتجمعات. تبلغ حاجات لبنان في هذا المجال 236 مليون دولار. وأخيرًا، تركز الخطة على ضرورة تحقيق الدمج الاجتماعي وتخصيص 324 مليون دولار للبنان هدفها تأمين فرص عمل للاجئين لمدة قصيرة وتحقيق الاندماج مع المجتمعات المضيفة.

عدد ضخم من الجمعيات والمؤسسات في لبنان ستتسلم ما سيصل من المبالغ المطلوبة لتنفيذ هذه الخطة، إلا أن الحصص الكبرى ستتقاسمها بشكل أساسي منظمات الأمم المتحدة، حيث خصص لـ (يونيسيف) 465 مليون دولار، 136 مليون دولار لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 453 مليون دولار لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 60 مليون دولار للـ (أونروا) و328 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي. أمّا المبالغ الأخرى، فتتوزع على عدد كبير من الجمعيات مثل ACTED التي خصص لها في الخطة 17 مليون دولار، 32 مليون دولار للمجلس النرويجي للاجئين، 36 مليون دولار لـ International Medical Corps و45 مليون دولار لـ World Vision International وغيرها من الجمعيات والمؤسسات.

إن الأموال التي تقدمها المنظمات الدولية لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان تذهب بغالبيتها إلى الجهات الدولية والمنظمات التي تعنى بهذه الأعمال الإنسانية والإغاثية، ولكن عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريون يقول: “إن الأموال تصرف على النفقات الإدارية ورواتب الخبراء والموظفين ووسائل المواصلات، وغيره من المصاريف المستترة، قبل أن تصل إلى الجهة المستحقة”. وفي استطلاع لرأي اللاجئين أعدته “القمة العالمية للعمل الإنساني”، حصلت المنظمات على علامة لا تتجاوز الـ 3 على 10. أُرسل التقرير إلى المنظمات والجهات المانحة، وفيه وصف اللاجئون في لبنان وكالات الإغاثة بـ “التحيز وعدم الخضوع للمساءلة والفشل في تلبية أكثر الحاجات إلحاحًا وعدم توزيع المساعدات بشكل عادل”. كما تم التركيز على أن “المؤسسات العاملة في المجال الإغاثي وكل ما يلحق بها من عاملين وكوادر يستفيدون أكثر من اللاجئ السوري الذي يُفترض أن هذه الأموال قد جُمعت من أجله”.




المصدر