نيويورك تايمز: الاستخبارات الأمريكية تواصلت مع علي مملوك.. فما الذي استعدت واشنطن لفعله للإفراج عن أحد مواطنيها؟


قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه"، تواصلت مع نظام بشار الأسد، بخصوص أوستن تايس الصحفي أمريكي الذي تعتقد واشنطن أنه موجود في سجون النظام العنيفة، منذ ما يقرب من 5 سنوات، وتكشف الصحيفة عن مدى استعداد أمريكا لاتخاذ مواقف تناقض موقفها من الأسد مقابل تحقيق مصلحتها.

وأشارت الصحيفة في تقرير لها نشرته، الجمعة 23 يونيو/ حزيران 2017، إلى أنه منذ الأيام الأولى لتولي دونالد ترامب رئاسة أمريكا، بدأ  مسؤولو الأمن القومي في استكشاف سُبل تحرير تايس، لافتةً إلى أن مسؤولون في البيت الأبيض وبسبب حساسية الوضع، قرروا إنشاء "قناة خلفية للتواصل"، مضيفةً أن الخيارات أمام واشنطن كانت محدودة بسبب تدهور العلاقات بينها وبين الأسد.

ويكشف التقرير الذي نقله موقع "هاف بوست عربي" عن الصحيفة الأمريكية، أن مايك بومبيو مدير الاستخبارات الأميركية (CIA) تواصل هاتفياً مع علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في نظام الأسد، وهو رجل مُتهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان منذ بدء الثورة في سوريا منتصف مارس/ آذار 2011، ويخضع لعقوباتٍ من قِبل الولايات المتحدة.

واعتبرت "نيويورك تايمز" أن هذه المكالمة هي أعلى مستوى اتصال بين أمريكا ونظام الأسد منذ السنوات، مضيفةً نقلاً عن مسؤولية أمريكيين سابقين - لم تكشف الصحيفة عن أسمائهم - أنه "بالرغم من أن محادثات بومبيو مع مملوك دفعت إلى مزيدٍ من التواصل، وهو الأمر الذي جدَّد الأمل في إطلاق سراح أوستن، إلّا أنَّ العملية فشلت"، وذلك بعد الهجو الكيماوي الذي ارتكبه نظام الأسد في أبريل/ نيسان 2017 على مدينة خان شيخون بريف إدلب وأسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 100 مدني وإصابة 500 آخرين، وما أعقب ذلك من ضربة أمريكية على قاعدة الشعيرات العسكرية كرد عقابي للنظام.

وتقول الصحيفة الأمريكية أن تواصل إدارة الرئيس ترامب مع نظام الأسد يظهر إلى أي مدى كانت الولايات المتحدة على استعداد لفعل أي شيءٍ لتأمين الإفراج عن الأميركيين المُحتجزين في الخارج.

والعام الماضي ادعى فيصل المقداد نائب وزير الخارجية في نظام الأسد في تصريح لوكالة "أسوشيتد برس" أن "أوستن تايس ليس في قبضة السلطات بسوريا وليس لدينا أي معلوماتٍ عنه".

وكان أوستن، وهو عنصر سابق في البحرية من ولاية تكساس الأميركية، قد توجّه إلى سوريا قبل عامه الأخير في كلية الحقوق بجامعة جورج تاون الأميركية. وعمل أوستن بشكلٍ مستقل لصالح وسائل إعلام إخبارية إلا أنه اخُتطف في أغسطس/آب 2012.

ظهور أوستن

وبعد شهرٍ من اختفائه، ظهر أوستن معصوب العينين في مقطع فيديو يظهر فيه رجالٌ ملثمون ببنادق هجومية. وبدا أوستن في الفيديو خائفاً وغير مُرتب المظهر، وتكلم بضع كلمات باللغةِ العربية ثم اختفى. ويعتقد مسؤولون أميركيون سابقون أن حكومة الأسد أخذت أوستن وأنَّ الفيديو ما هو إلا خدعة لإلقاء اللوم على المُسلحين في اختطافه.

روبرت فورد السفير الأميركي السابق لدى دمشق، قال إنَّ "النظام يرغب في تقليص حجم عزلته. وإنَّ المسؤولين في نظامه مرنون وأشرار للغاية. إنَّهم على استعداد للتحدث في كل وقت. وهذه هي طريقتهم في قضاء أعمالهم"، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".

وقال مسؤولون سابقون إنَّه ليس من الواضح ما دار بين الاستخبارات الأمريكية ومملوك، إلا أنَّ الولايات المتحدة اقترحت لاحقاً على مملوك أنَّ "تحرير أوستن سيساعد كثيراً في الوقت الذي كانت الإدارة الأميركية ترسم سياستها الأوسع إزاء سوريا".

ويشير تقرير الصحيفة الأمريكية إلى أنه تشكل شعور خلال الاتصالات بأن هذه "أفضل فرصة لإعادة أوستن إلى وطنه". مضيفةً: "بدأ مسؤولو الإدارة في محاولة معرفة كيف يمكن للنظام أنّ يُبرِّر اختفاء أوستن الطويل. فكان يُفترَض أن يتلقّى الأميركيون دليلاً على أنَّ أوستن لا يزال على قيد الحياة، سيُعلن النظام أنَّه وجد أوستن، وسيُحاكم أوستن على انتهاكه لقوانين الهجرة في البلاد ثم سيعفو عنه الأسد. وبعد أن يصل أوستن إلى الأراضي الأميركية، سيتصل الرئيس ترامب بالأسد"، وفق الصحيفة.

تذبذب الموقف الأمريكي

لكنَّ هذا لم يحدث قط، وأشار بعض الدبلوماسيين السابقين إلى تعليقٍ صرَّحت به نيكي هالي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، في مارس/آذار، وقالت فيه إنَّ الولايات المتحدة لا تعتبر إزاحة الأسد أولوية في السياسات الأميركية. وقالت نيكي للصحفيين: "أنتَ تختار معاركك. وعندما ننظر إلى هذا الأمر، فإنَّه يتعلق بتغيير الأولويات. ونحن أولويتنا لم تعد أن نجلس هناك ونركز على الإطاحة بالأسد".

وقال دبلوماسيون سابقون إنَّ تعليقاتها كانت غير مُعتادة. فقد أضعفت الإدارة الأميركية موقفها التفاوضي بإعطاء النظام شيئاً كانت تريده - وهو موافقة الرئيس ترامب الضمنية على الأسد - دون المطالبة بأي شيءٍ في المقابل.

وقال جيمس أوبراين، المبعوث الرئاسي الخاص السابق لشؤون الرهائن في إدارة أوباما، إنَّ "الإدارة قالت إنَّ الأسد يمكن أنّ يبقى، لكنَّها لم تحصل على شيءٍ في المقابل. يمكن الإدلاء بمثل هذا البيان فقط في حالة عودة أوستن تايس إلى الوطن بالفعل".

وقال أندور تابلر، وهو زميلٌ بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنَّ إخراج تايس من سوريا لطالما قُدِّر أنَّه سيكون مهمةً صعبة، لكن التطوّرات الأخيرة زادت من صعوبتها. وقال تابلر، مشيراً لهجوم الغاز: "ما يطلبه منّا النظام الآن هوَ أن نتغاضى عمّا يفعله. وهذا ليس أمراً هيّناً. من المستحيل أن تتجاهل الولايات المتّحدة تلك الأفعال".

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنَّه إما مملوك، أو اللواء بسّام الحسن، وهو أحد مستشاري الأسد، يعلم بمكان وجود تايس. وكما فعلت مع مملوك، فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على الحسن أيضاً.

دور روسي

وفي العام الماضي، توصّل مجتمع الاستخبارات الأميركي بعد إجراء تحليلٍ سريّ لاستنتاجٍ يؤكّد بدرجة ثقةٍ متوسطة إلى مرتفعة أنَّ تايس ما زال حياً، واعتمد هذا الاستنتاج جزئياً على أنَّه قد شُوهد يتلقّى العلاج بمستشفى في دمشق لإصابته بالجفاف.

وتشير "نيويورك تايمز" إلى أنه في عدة مناسبات، حاولت الحكومة الروسية حليفة الأسد التوسّط لإطلاق سراح تايس، وداوز، وآخرين من المحتجزين في سوريا ممّن تربطهم علاقاتٍ بالولايات المتحدة، وذلك في سبيل تحقيق مصلحتها الذاتية.

وأضافت الصحيفة: "في محادثاتٍ جرت مع مسؤولين أميركيين، أشار الروس إلى أنَّ بإمكانهم المساعدة في إطلاق سراح روسٍ مسجونين في الولايات المتحدة. ولمّح الأميركيون بدورهم لإمكانية إطلاق سراح جاسوسٍ روسيّ في مقابل تايس، لكنَّ المسؤولين الروس لم يردّوا على العرض". وبالتالي، استنتج المسؤولون الأميركيون أنَّ الروس لم يعرفوا مكان وجود تايس ولا هُويّة مَن يحتجزونه.




المصدر