محمد أبو رمان يكتب: فرخ “العنف الديني”!


محمد أبو رمان

بعنوان “موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلّحة: 50 عاماً من الدم” (2014) جاء كتاب المحامي الشهير مختار نوح، من الإخوان المسلمين سابقاً، وممن تولّوا ملف العديد من قضايا العنف في مصر، خلال فترة السبعينيات، وما تلاها.
الكتاب (الذي يقع في قرابة 535 صفحة)، جاء غنيّاً بالوثائق والمعلومات المهمة عن أبرز تنظيمات العنف التي ظهرت في السبعينيات إلى حين اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، على يد خالد الإسلامبولي، الضابط في الجيش المصري، في العام 1981.
ثمة قضايا رئيسة يسلط الكتاب الضوء عليها، الأولى وهي القضية الأمّ، التي لم تحظ بدراسة معمقة من قبل الباحثين والسياسيين، والمعروفة باسم “الفنية العسكرية”، في العام 1974، وبطلها الدكتور الفلسطيني صالح سرية، الذي تمّ إعدامه على خلفية القضية نفسها، والثانية هي التكفير والهجرة (أو جماعة المسلمين، كما تطلق على نفسها) التي قامت باغتيال وزير الأوقاف الأسبق محمد حسين الذهبي، ثم ما عُرف بقضيتي الجهاد الأصغر، والجهاد الأكبر، مع مطلع الثمانينيات.
إذاً، الكتاب يتناول تقريباً عقد السبعينيات، الذي بدأت تظهر فيه إرهاصات ومعالم الفكر الجهادي، والمفارقة أنّ ذلك جاء مع وفاة عبد الناصر وبداية حقبة أنور السادات، التي شهدت “عقد صفقة” مع الإخوان في السجون، وإخراجهم، والمراجعات الإخوانية مع فكر سيد قطب، وإعادة إنتاج الجماعة مرّة أخرى، بضم الأجيال الجديدة من الشباب الإسلامي الصاعد، وانفتاح السادات على الإسلاميين وانقلابه على قوى عبدالناصر، وتوّجت هذه السياسات بحرب الـ73، والانتصار الرمزي – إن جاز التعبير- على إسرائيل، لكن النتائج جاءت عكسية تماماً مع انتشار وصعود التيار الجهادي وبروز أفكار راديكالية، مثل التكفير والهجرة، الجهاد الفريضة الغائبة، استراتيجيات الانقلاب العسكري، أو الثورة الإسلامية.. الخ.
تكمن، هنا، إشكالية على درجة كبيرة من الأهمية، وجوهرها أنّ هذه الدرجة من الانفتاح على الإسلاميين، ومحاولة استمالتهم وترطيب الأجواء معهم كان من المفترض أن تؤدي إلى غلبة التيار الإسلامي المعتدل، لكن ما حدث هو انتشار الراديكالية، على النقيض من الفرضيات السائدة عن الاعتدال والإدماج والإقصاء ونتائجهما تجاه الحركات الإسلامية!
والجواب على ذلك يكمن في نقاط رئيسة، في مقدمتها أنّ انفتاح السادات لم يؤدِّ إلى إدماج الإسلاميين، بقدر ما كان يسعى إلى إطلاقهم لمحاربة قوى ناصر ومرحلته، من دون وجود خطة استراتيجية لكيفية تقوية وتعزيز التيار المعتدل وإضعاف الراديكالية التي أنتجتها السجون، أي لم يكن هناك إدماج للإسلاميين أصلاً.
ثانياً، وهو أهم، أنّ التيار الراديكالي بدأ يخرج من السجون، وقد تشكّل داخلها أو على هامشها، خلال مرحلة ناصر، في الخمسينيات والستينيات، وبدأت أفكار سيد قطب الجديدة تأخذ مداها، بل وأبعد منها بكثير مع بداية السبعينيات، بمعنى أنّ مرحلة السادات كانت صدى لمرحلة ناصر والمواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين.
ثالثاً، وهي الفرضية التي يشير إليها مختار نوح، وتستبطنها أغلب فصول الكتاب، وتتطلب بالفعل تفكيراً معمقاً، وتتمثل في السياسات الأمنية، أو موقف القوى الأمنية، التي لم تكن تشعر بالارتياح للانفتاح الساداتي على الإسلاميين، فأرخت لهم الحبل، وتغاضت عن أنشطتهم، وتركتهم يتمادون في قوتهم، ويسرد المؤلف هنا أمثلة كثيرة، للوصول في نهاية المطاف، إلى شنق السادات بالحبل الذي أرخاه من حول عنق الإسلاميين!
وثائق وفترة مهمة وعلى درجة كبيرة من الخطورة تستدعي دراسات معمقة فعلاً لفهم جذور العنف باسم الإسلام وأسبابه ومقدماته والشروط التي أنتجته، والديناميكيات التي قادت إليه، فكل ما حدث لاحقاً كان فرخاً لتلك المرحلة.

المصدر: الغد

محمد أبو رمان يكتب: فرخ “العنف الديني”!




المصدر